سائقون يخافون العقوبة ويتجاهلون السلامة
تفيد شهادات تقنيي بعض وكالات المراقبة التقنية للسيارات بالعاصمة، بأن غالبية السائقين يقصدونها من أجل الحصول على محضر (وثيقة) المراقبة التقنية للسير خوفا من رقابة وحدات الشرطة والدرك المكلفة بأمن الطرقات وليس احتراما أو حفاظا على قواعد سلامة المركبة، حتى ولو أن الأجواء الآخذة في التشكل تؤشر إلى أن رقمنة نشاط المراقبة التقنية للسيارات سيقطع الطريق أمام وقوع اختلالات أو تزييف في المحاضر المسلمة لهم رغم العيوب المكتشفة بعض الفحص.
مع التصاعد اللافت والمقلق لحوادث المرور، رفعت وكالات المراقبة التقنية من وتيرة فحص للسيارات، فمنذ سنة 2017، أصبح الوقت المخصص للفحص التقني لأي سيارة سياحية هو 10 دقائق، فيما لا تقل عن 15 دقيقة بالنسبة للطراز النفعي أو الوزن الثقيل وهي المعايير التي لم يكن معمول بها من قبل، وذلك استنادا لأقوال مهندس تقني في اختصاص (هندسة ميكانيكية) يعمل بإحدى وكالات المراقبة بالعاصمة.
كما دخلت كافة وكالات المراقبة التقنية بالعاصمة على سبيل المثال على الحصر، في عام 2022، عهد الأنترنت وأصبحت وسيلتها في العمل ولحقت بها جل وكالات المراقبة التقنية للسيارات بولايات وسط البلاد مطلع جانفي الماضي، في مؤشر واضح إلى التوجه نحو تحكم دقيق وفعال في شبكات سير المركبات.
ما وقفت عليه “” هو أن عملية المراقبة التقنية تبدأ بالتأكد من الرقم التسلسلي للسيارة ورقم هيكلها لتتواصل عملية الفحص لتشمل كل ما له صلة بالقيادة والتحكم في المركبة، من نظام التحكم الفعال في التوقيف ثم نظام الكبح ومراقبة نوعية العجلات والضغط وبعدها الإنارة بفحص إشارات التوجيه ثم صفائح أو ألواح السيارة، فالرؤية وكل ما يتصل بها وصولا إلى فحص المحرك ومراقبة مدى تسرب الزيت وكذا مراقبة محلل الغازات والدخان (المداخن) بالنسبة لسيارات المشتغلة بمحرك الديزل.
وموازاة مع ذلك، تظهر على شاشة الحاسوب المعلومات عن كل شيء محل الفحص وتبرز معه سلم المعايير، أي معلومات تؤشر إلى ما إذا كان نظام الكبح مطابقا للمعايير أم لا والأمر ذاته بالنسبة لباقي الأشياء محل رقابة.
حافلات الخواص لا تأتي بشكل منتظم!
يقول (ف. ل) أحد التقنيين ممن يتولى عملية مراقبة العربات، إن أهم العيوب الشائعة التي عادة ما نعثر عليها، هي الإنارة والإشارات الضوئية، “نحن نقدم لصاحب السيارة ملاحظات تتمثل في إصلاح الخلل، فإذا عثرنا على أكثر من إشارة معطلة، في هذه الحالة نلزمه بالعودة إلى المراقبة مجددا بعد 15 يوما..”.
بينما يشير زميل له موضحا بـ”الأمر نفسه بالنسبة لجميع أصناف السيارات السياحية والنفعية والحافلات، إذا كان نظام الكبح لا يشتغل على نحو جيد، إذ نلزم فيه الجميع بإصلاحه، بل ونقوم أحيانا بتقديم ملاحظات صارمة للبعض تتمثل في المنع من السير..”.
وفي معرض إجابته على سؤال حول ما مدى إقبال أصحاب الحافلات على وكالات المراقبة التقنية، أجاب أحد المسؤولين المسيرين لإحدى الوكالات قائلا “حافلات الخواص لا تأتي للقيام بالرقابة الدورية بشكل منتظم، على خلاف حافلات النقل الحضري العمومية التي ما يزال المؤسسة التابعة لها تحرص على احترام مواعيد الرقابة والزيارة التقنية”، قبل أن يضيف “إذا اكتشفنا خللا في نظام الكبح لأي حافلة ولا سيما الخواص، نلزم صاحبها بإعادة إصلاح الخلل أو العطب والعودة إلى المراقبة التقنية بعد 15 يوما..”، أما “السيارات الخاصة مثل الأجرة (الطاكسي)، سيارات تعليم السياقة، المركبات الخاصة بمدارس تعليم السياقة، ومركبات النقل الصحي والمساعدة الطبية، ومركبات النقل الجماعي للأشخاص، وتلك المخصصة لنقل المواد الخطرة والسيارات الموجهة لنقل البضائع وجميع الفئات ماعدا السيارات السياحية فنقدم لأصحابها ملاحظات بإصلاح الخلل والسماح له بالسير دون العودة إلى وكالة المراقبة”.
عربات نقل البضائع والأشخاص
وفي غمرة تنامي معدل حوادث المرور المميتة، أصدر الرئيس عبد المجيد تبون، قرارا يقضي بفرض الرقابة التقنية الدورية كل ثلاثة أشهر على مركبات نقل البضائع والأشخاص، وتنتظر اليوم المؤسسة الوطنية للرقابة التقنية صدور النصوص التنظيمية للشروع في تطبيق القانون.
لكن القناعة التي يتقاطع فيها غالبية القائمين على الرقابة التقنية هي أن كل سيارة تدخل إلى المراقبة لا بد أن تكون مؤهلة بنسبة 70 في المائة، على شرط أن يكون نظام كبح العجلات يشتغل 100 في المائة. إذ عادة ما تتسبب الفرامل التي لا تشتغل على نحو جيد في حوادث مميتة، و”أحيانا يأتون لنا بسيارات نظام الكبح فيها جيد، لكن نظام الكبح قد يفقد فاعليته في أي وقت إذا لم تكن هناك مراجعة دورية للسيارة لا سيما مراقبة زيت المحرك..”، يقول التقني (م. ر) الذي قضى سنوات طويلة في العمل الرقابي التقني للسيارات.
“لا يهم عطب المركبة.. المهم السير!”
ومع ذلك، يرى (م. ر) أن “السائق الجزائري بشكل عام غير مكترث تماما للرقابة التقنية، وهمه الوحيد في الحضور إلى وكالات المراقبة هو حيازة محضر السير لتحاشي رقابة أمن الطرقات، بدل السهر والحرص على احترام قواعد سلامة مركبته..”، قبل أن يقاطعه آخر “السائق الجزائري يأتي للحصول على محضر السير خوفا من العقوبة. هناك من تجد لديه وثيقة المراقبة التقنية منتهية الصلاحية وتم إيقافه بإحدى نقاط المراقبة الأمنية وألزم بها بعد تحرير عقوبة ضده، ما جعله يتوجه إلى وكالة المراقبة التقنية.. أي المهم السير في الطريق ولا يهم المخاطر التي قد تنجم عن أي عطب”.
وتنص المادة التاسعة من القانون 04/16، على أنه “يجب أن تتوفر كل مركبة على محضر المراقبة التقنية الذي يعتبر وثيقة إدارية إجبارية تقدم لمصالح المراقبة والأعوان المذكورين في المادة 130 من هذا القانون عند الحاجة”.
ومن العقوبات الناجمة عن مخالفة عدم حيازة محضر سير المركبة (وثيقة المراقبة التقنية)، هو مقاضاة صاحبها وحجز المركبة، إضافة إلى دفع غرامة مالية قدرها 20 آلف دينار، على اعتبار أن المراقبة التقنية يفترض منها تقليص حوادث المرور إلى الصفر، ولو أنها حوادث تتسبب فيها أيضا عوامل أخرى كإهمال الأعطاب في المركبة وعدم الاكتراث بالصيانة الدورية للمركبة، السرعة المفرطة، قلة النوم، تناول المشروبات الكحولية.. إلخ.
تواطؤ وتلاعب
كما أن بعض الحوادث تشترك فيها بعض وكالات المراقبة التقنية في ظل ملابسات عديدة، إذ بين التصريحات التي أفادنا بها أحد المراقبين التقنيين بإحدى وكالات المراقبة بالعاصمة أن بعض الوكالات ما تزال تعتدي على القانون وقال “في الحقيقة هناك وكالات لا تحترم القانون من جانب التغاضي عن عيوب وأعطاب مركبات وتتعامل مع الأمر على أنه تجارة..”، أي هناك وكالات تبيع محضر المراقبة التقنية لمواطنين، ما يعد تواطؤا صارخا في ظل ما يسميه مواطنون بالمعريفة في حيازة هذه المحاضر، إذ حصل وأن تم منع بعضهم من السير بعد اكتشاف أعطاب في مركبتهم، لكنهم تمكنوا من حيازة محضر السير لدى وكالات أخرى، ولا يزال هذا الاحتيال على القانون ساري المفعول عبر غالبية الولايات، في انتظار تفعيل آليات الرقمنة الحقيقية لقطع الطريق أمام المتحايلين.
وجه آخر للتحايل والتغليط..
وما عرفناه في جولتنا بالعاصمة، أن تحايل وتواطؤ بعض وكالات المراقبة أخد أوجها أخرى، ففي الوقت الذي يبدي مواطنون استياء وسخطا من نظام الكوطات التي تعمل به بعض وكالات المراقبة التقنية في العاصمة، الماثل في مراقبة 30 سيارة في اليوم فقط، متسائلين عن سر ذلك في وقت تعمل وكالات مراقبة أخرى دون التزام بنظام الكوطات، يكشف المدير العام للمؤسسة الوطنية للمراقبة التقنية في تصريحات سابقة له، أن “هذا النظام يستجيب لمعايير الرقابة التقنية المحددة من قبل مؤسستنا وهي تخصيص 20 دقيقة لعربات الوزن الخفيف و30 دقيقة للوزن الثقيل، ودور المؤسسة هو مراقبة ومتابعة مدى تطبيق القانون.. لذلك لا بد من اتخاذ إجراءات إذا وجدنا مركبة يخصص لها 5 دقائق أو 10 دقائق للمراقبة التقنية..”، قبل أن يواصل “دورنا هو متابعة إذا كانت إجراءات الرقابة التقنية تتم بطريقة علمية تقنية وقانونية وكل تقصير في هذا الأمر يستدعي تدخل مصالح المؤسسة على الفور..”.
لكن بوسع الزائر لغالبية وكالات المراقبة في ضواحي العاصمة، أن يقف على حقيقة هذه المعايير التي ضرب بها عرض الحائط، إذ أحيانا لا يستغرق عمل مراقبة عربة 7 دقائق، ما يؤشر إلى أن القضية هي قضية تجارية يجتهد فيها صاحب الوكالة لاستقبال قدر ما يستطيع من عربات. بل إن المدير العام في تصريحاته التي أطلقها قبل شهرين، كشف عن تسليط 61 عقوبة على وكالات المراقبة خلال سنتي 2021 و2022، فيما تم تسليط 70 عقوبة على مراقبين تقنيين، في مؤشر واضح إلى وجود تحايل وتواطؤ وبزنسة في العمل التقني الرقابي.
الرقمنة هي الحل
ومع أن المؤسسة الوطنية للمراقبة التقنية الكائن مقرها بالرويبة تحارب على جبهات عديدة لإقرار القانون ووضع حد لتلاعب الوكالات من جانب تكثيف خرجاتها الفجائية وكذا عمليات التفتيش الدورية والتدقيق في معلومات المركبات التي تصل إلى شبكة المعلومات الرئيسية، إلا أنها تراهن على جعل مجال الرقمنة قوتها الضاربة، إذ تهدف من وراء توسيع مجال الرقمنة إلى كافة ولايات الوطن الـ58، والتي شملت اليوم 156 وكالة بولايات الوسط، إلى ضمان سير الرقابة التقنية بصورة جيدة ومثلى في اتجاه مكافحة كل أساليب أو عمليات الغش المحتملة. كما يسمح التحديث الجديد الساري المفعول بولايات الوسط (الرقمنة) بمعرفة وضعية المركبة محل الفحص أو الفحص المضاد أو محل السحب من السير عبر كافة شبكات المراقبة التقنية للسيارات المستغلة عبر كافة ولايات الجمهورية.
إذ يكفي في برنامج الرقمنة، إدخال رقم تسجيل المركبة لتتضح بضغط الزر كافة نتائج المراقبة التقنية التي أجراها زميل له في وكالة مراقبة أخرى، ومن ثمة يمكن معرفة هل العطب المسجل في المركبة تم إصلاحه أم لا؟، فإذا لم يتم إصلاحه يقدم لصاحبها الملاحظة ذاتها التي قدمها له المراقب التقني في وكالة أخرى.
وكل فحص تقني لأي مركبة بأي وكالة من وكالات الرقابة التقنية بالولايات الوسطى التي شملتها الرقمنة، تذهب معلوماته بشكل أوتوماتيكي إلى شبكة المعلومات الرئيسية للوكالة الوطنية الموجودة بالرويبة.