اخبار المغرب

عدم تجديد الكُتاب الروائيين لأسلوبهم في الكتابة أصاب القراء بخيبة أمل

الحسين أيت باها، كاتب وناقد مغربي معاصر إلى جانب اشتغاله أستاذا للغة العربية بالتعليم الثانوي التأهيلي بثانوية الخوارزمي التأهيلية بأكدز بإقليم زاكورة حيث ولد وترعرع بالجنوب الشرقي للمغرب.

إنه الحسين أيت باها الذي صدرت له مجموعة من الأعمال القصصية والروائية على غرار: المجموعة القصصية “النقش على الحجر” وروايتي “هواجس الضياع” و”دروب التيه”…

في هذا الحوار نركز على الدراسة النقدية “سرديات معاصرة، قراءات في السرد المغربي المعاصر” باعتبارها المحاولة النقدية الأولى للحسين أيت باها في الكتابة السردية المعاصرة، قصد تقريب قرائه من تجربته الإبداعية بصعوباتها وتحدياتها التي واجهته أثناء الاشتغال على باكورة أعماله في مجال النقد السردي.

حاول أيت باها في كتابه الصادر سنة 2021 عن جامعة المبدعين المغاربة بالبيضاء، تحليل بناء نصوص الأعمال السردية والروائية التي أسس عليها دراسته النقدية،قصد استنباط تقنيات وأساليب الكتابة السردية المختلفة التي وظفهاالكتاب المغاربة المعاصرون في أعمالهم على مدى قرن كامل من الزمن.

ووظف لهذه الغاية مناهج نقدية عديدة تتأرجح بين نظرية التلقي والمنهج الموضوعي والتحليل النفسي باعتبارها مناهج كشف الناقد ميله إليها.

ـ في كتابك “سرديات معاصرة، قراءات في السرد المغربي المعاصر” أشرت إلى أنك “حاولت البحث عن جذور نظرية المنهج من أصولها ومدارسها بغية امتلاك رؤية نقدية ثاقبة” تؤهلك لدراسة وتحليل النصوص السردية المغربية التي قامت عليها الدراسة. ما هي الصعوبات التي واجهتك في اختيار وتجريب هذه المناهج؟

بداية أتقدم بالشكر الجزيل لك كريمة على عملك الدؤوب وإتاحة الفرصة لي للحديث عن تجربتي في كتابنا:”سرديات معاصرة” المحاولة النقدية الأولى في مجال الكتابة السردية.

أما بالنسبة للصعوبات التي اعترضتني وأنا أحاول اختيار مناهج الدراسة، أنه يصعب اختيار منهج مناسب يصلح لدراسة نص سردي واحدي، بقدر ما أن النص هو جماع منهجية متكاملة يمكن من خلالها تأويل أبعاد النص، من خلال تطبيق المنهج القادر على تحليل واستخراج مضامين النص. ولعل المنهج الأقرب إلي هو التحليل النفسي و الموضوعاتية ونظرية التلقي.

ـ تتميز الظاهرة الأدبية عامة والروائية خاصة بكونها حمالة أوجه وحبلى بالمعاني والتأويلات، مما يطرح إشكالية ربطها بالسياقات التي أنتجت فيها عند إخضاع هذه الإنتاجات للنقد والتحليل، دون إسقاط المناهج النقدية العتيقة الموظفة في هذا المجال، ما هي أدوات النقد الغربية التي اعتمدتها في تحليلك للنصوص الروائية؟

اعتمدت في دراستي “سرديات معاصرة” على مناهج مختلفة أحاول تجريبها وأنا أدرس السرد المعاصر، بدأت بالانطباعية والتحليل النفسي وانتهيت إلى تجريب الثيمات الموضوعاتية في الدراسة من خلال استنباط قضايا العصر التي تحفل بها السرود المغربية، ثم نظرية التلقي من خلال المقارنة بين نصين لمؤلف واحد، لمعرفة كيف تلقى القراء هذه النصوص وما مدى تأثيرها عليهم.

وقد توصلت إلى نتيجة مبهرة أن بعض الكتاب الروائيين لم تتغير طريقتهم في الكتابة، وأن الأسلوب مازال على عهده رغم إصداراتهم الجديدة وهذا جعل قراءهم يصابون بخيبة أمل وصدمة أفق انتظار غير متوقعة.

ـ بلغ عدد الروايات المغربية المعاصرة التي ارتكز عليها تحليلك النقدي في “سرديات معاصرة” رواية25، على أي أسس منهجية اختيرت هذه الإنتاجات السردية؟

جميع السرود التي تم تحليلها هي جديدة، والنص الأدبي يصعب امتلاكه لأنه يتجدد باستمرار، لذلك فتنويع المقاربات في الأدب تبقى ضرورية، وقد اختيرت للظرفية التي أنجزت فيها، ولأنها تمثل توجها معينا في الأدب،فمثلا روايات الأستاذ “عبد الكريم جويطي” هي روايات التخييل التاريخي،أما روايات “طارق بكاري” فهي أعمال تستبطن الذات الإنسانية وتحاول من خلالها تقديم إجابات عن الأسئلة العويصة للذات بجرأة قل نظيرها.وأما أعمال “عبد المجيد سباطة” فهي تحاول البحث في إشكالية صراع الهوية والدين وتشظي الذات الإنسانية. وكذلك أعمال “مصطفى الغتيري”، يحاول أن يبرز الجانب النفسي في شخوصه من خلال تقديمه لأعمال تقارب بعض القضايا السيكولوجية الكامنة في أعمال الفرد وعلاقته بالجماعة.

وبالنسبة للمنهج فأحاول اختيار منهج ومفاهيم تناسب طبيعة الرواية، وجميع هذه الروايات تندرج فيما يسمى بـ “التجريب الروائي” الذي كتب فيه جل المغاربة.

ـ ذكرت في مؤلفك كون التجارب الروائية المغربية المعاصرة تجاوزت اقتصار الراوية على تصوير الواقع لتنفتح على أشكال جديدة ومغايرة، ما هي أهم هذه الأشكال؟

ذكرت في “سرديات معاصرة” انفتاح الرواية المغربية الجديدة على أشكال جديدة،بحيث اعتمدت على تقنيات لا تقتصر فقط على نقل الواقع، بل تتجاوزه للتخييل الروائي من خلال اقتحام عوالم جديدة، وخطابات جديدة لا تستهدف الواقع بل تجعل من الذات محورا لها، ومن أهم هذه الأشكال نجد روايات تعدد الأصوات وتداخل السرد والسيرة الذاتية الروائية و التناوب السردي وغيرها.

ـ نلاحظ أن معظم الروايات التي تم رصدها بالتحليل والنقد في الدراسة تدور في فلك الثيمات القديمة التي سبق لكتاب قدامى تناولها في أعمالهم على غرار “الهشاشة”. إذا، أين يكمن تفرد الرواية المغربية المعاصرة إذَا كانت تعالج نفس الموضوعات؟

يجب أن نعرف أولا أن الرواية المغربية، خطت خطوات ومراحل إلى أن وصلتنا على الشكل الجديد الذي نراه اليوم، وهو في حد ذاته إنجاز لها، ويجب أن نعلم أيضا أن الرواية تخلقت عن القصة التي كانت تعالج الواقع وتعبر عنه. وكما أن للقصة تقنيات فللرواية أيضا تقنيات أخرى جعلها تتفرد وتتميز عن غيرها، وليس فقط من حيث الموضوعات، فالرواية قطعت مراحل لتنتقل من “الواقعية” إلى “الرمزية” ثم إلى ما يطلق عليه بروايات “الحساسية الجديدة” أو الرواية المعاصرة والرواية الجديدة الآن بتقنيات ذكرناها سابقا من قبيل تعدد الأصوات وتعدد صيغ السرد وتداخل الحكي. ثم إنني لم أتحدث عن التيه والهشاشة فقط، بل تناولت فصولا في روايات أخرى تعالج مواضيع فقدان الذاكرة و الجنون و الحب والجنس وضياع الهوية والدين، وكيف كان ينظر إليها الروائيون من منظور مختلف، فتفرد الرواية أشار إليه النقاد في أكثر من مناسبة سعيا للإمساك بجنسها الصعب والعصي عن الحصر…

ـ في مؤلفك تطرقت إلى المجموعة القصصية “هكذا أقسم الجسد” للكاتبة الجزائرية نبيلة عبودي، وفي الفصل الثاني لرواية “حطب سراييفو” للجزائري سعيد خطيبي، وعلى اعتبار أن الدراسة النقدية ترتكز على السرديات المغربية المعاصرة، أليس إقحام هاتان الروايتان في الدراسة انحرافا عن غرضها الأساس وهو الرواية المغربية المعاصرة؟

الرواية المغربية أو المغاربية هو اسم واحد يطلق على دولتين مجاورتين جغرافيا وبينهما روابط تاريخية، ففي القدم كان هذا القطر يسمى المغرب الأقصى لأنه يجمع دول المغرب العربي، ثم إن التسمية مرتبطة بنوع وجنس الرواية وأن شكل الكتابة متشابه، وفي دراسات كثيرة اعتمد المغاربة على روايات جزائرية في التحليل، والجزائريون يعتمدون على نقاد مغاربة، فهذا التقسيم لا أساس له من الصحة، وإلا لقلنا رواية تونسية ورواية جزائرية ورواية مغربية أو رواية موريتانية، وهذه التقسيمات لن تخدم روح البحث الحقيقي.

ـ من خلال العدد الوافر من الروايات والقصص المغربية التي درستها وحللتها في هذه الدراسة، ما هي المرجعيات الطاغية التي يستمد منها الروائيون المغاربة المعاصرون موادهم السردية؟

تتعدد المرجعيات التي يأخذ منها الكتاب والمبدعون المغاربة منها ما هو تاريخي فكري وأسطوري، وما هو نفسي اجتماعي، لكن المقاربات تختلف بحيث أن هذه المواضيع تعالج بتقنيات جديدة خارجة عن المألوف، فإذا اخترنا مثلا نموذج روايتي ” المغاربة” و” ليل الشمس” لعبد الكريم جويطي نجدهما تتناولان موضوع مصير الإنسان وعلاقته بأرضه سواء بموته أو عماه، مع حضور المكان بشكل كبير والذي تمثله مدينة الكاتب “بني ملال” فهي مرجعيته وملهمته في نسج أحداث الرواية. أيضا انبثقت الروايات من التساؤل عن تاريخ المغاربة ومحاولة فهم كينونة وأصل المغربي، ولهذا فسيكون للنصوص التاريخية دور حاسم في تحديد كنه هذا المغربي وأصله. أما في الروايات السيكولوجية فيستمد المبدع مرجعيته من التحليل النفسي ورواده عند “فرويد” وتلامذته، ويحاول من خلاله الكاتب استبطان نفسية الشخصية والفرد وسلوكه داخل مجتمعه.

ـ عديدون هم الكتاب الذين اشتغلوا على أعمال روائية وسردية تؤرخ وتتناول تيمة الهزيمة والتحولات التي طرأت على البنى السيكولوجية للإنسان العربي والإفريقي جراء أحداث مفلصية في التاريخ كالنكسة وحركة 20 فبراير في المغرب، من خلال تجربتك في النقد الروائي والسرد معا، هل تخلص الروائي المغربي المعاصر من هذه العقدة التاريخية؟ أم أنه قد استبدلها فقط بثيمات مخففة من قبيل “الهشاشة والضياع”

الرواية المغربية في مسارها الطويل قطعت أشواطا طويلة، وحاولت التخلص من التبعية المشرقية، حيث كانت القضايا الوطنية والاجتماعية سائدة في فترة الخمسينيات، لكن مع جيل جديد قد انتقلت الرواية من التبعية للمشرق إلى التأثر بالرواية الغربية، وأصبحت الرواية شكلا جديدا أو قالبا جديداومزيجا من التقنيات السردية التي أضفت عليها صبغة الهجنة ولم يعد للرواية التقليدية وجود. الروائيون الشباب اليوم أيضا قدموا أعمال سردية فاقت التجارب المشرقية، والسبب هو التشجيع والإقبال الذي حظيت به الرواية في الخليج والاهتمام الكبير بها. أما بالنسبة للمواضيع ففي أغلبها مواضيع مرتبطة بهواجس وتعقيدات الإنسان المعاصر، وهناك مواضيع كثيرة تحتاج إلى بحث دقيق مثل: الكتابة عن الذات والكتابة النسائية والكتابة عن الهوية خارج الوطن، والكتابة في الذاكرة.

ـ في الفصل الذي تناولت فيه رواية “وإذا الأحلام وُئِدت” لصاحبها صلاح الدين أقرقر التي تتناول التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لزحف الربيع العربي على المغرب من خلال “حركة 20فبراير” وما تلاه من أوضاع اجتماعية صعبة. بالعودة إلى الفترة ذاتها، كيف عاش الحسين لحظة مظاهرات حركة 20 فبرايروهل انعكست تبعاتها على مسروده على غرار بعض الروائيين المعاصرين؟

مرحلة حركة 20 فبراير جاءت في سنوات بين 2011 و2013، وقد تأسست في سنة 2011 على غرار باقي الحركات الشبابية التي كانت تسعى للتغيير. وكان ذلك في ظل الربيع العربي والثورة على الأنظمة السياسية العربية والحراك الشعبي للمطالبة بالكرامة والتغيير، وهو ما لم تستجب له الأنظمة العربية التي قابلته بالقمع مما أدى إلى سقوط الأنظمة للعربية تباعا.

أما في المغرب فقد كانت توجهات حركة 20 فبراير معروفة حيث تم فيها تحديد المطالب في ملكية برلمانية وإصلاحات شاملة تهم المؤسسات والدستور، وهو ما استجابت له الدولة المغربية حيث عملت على تعديل الدستور والقيام بإصلاحات هامة شملت مؤسسات الدولة. وقد كتب عنها كتاب مغاربة وعرب وروائيون وأفاضوا في الحديث عنها وعن التحولات التي شهدتها.

أما بالنسبة لي فقد كنت طالبا معاينا للأحداث وشاهدا على ذلك، وعندما أكتب فأنا أكتب عن التخييل الذاتي من خلال تلمس ظواهر اجتماعية تهم عمق “الجنوب وبلدتي الأصلية” وهو ما يهمني ومن خلالها أستطيع التعرف على العالم ورؤيته، لأن الأدب الذي ينطلق من الذات يستطيع فهم تناقضات العالم والعلاقة بين الأنا والغير.

 من خلال دراستك النقدية التي حللت فيها 25 رواية تنتمي للرواية المغربية المعاصرة خلال عقد كامل، ما هيالسمات البارزة للغة الموظفة في الرواية المغربية المعاصرة؟

يتميز الإبداع الروائي الجديد ببساطة اللغة وتراكيبها، هذه البساطة ناتجة عن تطور تقنيات السرد التي تنزع نحو التخييل والتجريب، أي تجريب قوالب سردية لم تكن معروفة قبل، واللغة هنا تساعد القارئ على فهم التاريخ و فهم علاقة الانسان بماضيه، والشرط الأساس في تميز الرواية هو اللغة والأسلوب، بالإضافة إلى المضمون خصوصا التطرق إلى مواضيع جديدة لم يتم التطرق إليها من قبل.

في سرديات معاصرة كانت محاولتي النقدية بسيطة، ولا أدعي فيها أنني أمتلك أسرار الكتابة النقدية،لكنها تظل محاولة مبتدئ في مجال النقد الذي يحتاج إلى خبرة وممارسة وتجربة في الكتابة، ومن بين المؤاخذات على الكتاب أنني لا أختار بعناية المواضيع المناسبة فأنا أجرب مناهج و”جمع القراءات النقدية جاء بشكل عشوائي” رغم أنني حاول الجمع بين مواضيع الدراسة من الناحية المنهجية.

ـ وردت لك مقولة عن رواية “المغاربة” تقول فيها: “عبد الكريم جويطي قد دون سيرة المغاربة في متن سردي منقطع النظير، وبهذا جاز القول إن رواية “المغاربة” هي التي تستحق لقب رواية”، ألا ترى أن السارد قد أغرق روايته بشكل مبالغ فيه بحمولة من اليأس والعدمية؟

الهدف من الرواية ليس تمرير اليأس والعدم بقدر أن الكاتب عاش تجربة مريرة في مرحلة من المراحل ويحاول من خلال هذه الرواية تبين الملامح الأولى لبنية تشكل المغربي، ولكي تستفيد الأجيال اللاحقة أيضا من الأحداث ووضعها في سياقها التاريخي، كما أن الكتابات السردية الروائية هي تأمل في الأحداث وإعادة قراءة الواقع من منظور آخر، إنه شعور بالإحباط لتجاوز الكبوات التي وقع فيها الجيل اللاحق، وبواسطة الكتابة يستطيع المبدع التعبير عن واقعه الأليم، فالكاتب ظل مخلصا لنهج الروايات الواقعية مثل كتابات نجيب محفوظ للتعبير عن المرحلة.

ـ اعتمدت في دراستك النقدية، على ما يصطلح عليه بـنظرية “جمالية التلقي” أو “التلقي الإيجابي” في تحليل نصوص الروايات، والتي أعطيت على أساسها لكل رواية على حدة قراءة مفتوحة تحاول تفكيك بنية نصوصها، ومنه نلاحظ حضور ذاتيتك المثمنة والمحتفية بالرواية المغربية المعاصرة مما يوحي بتغييب قسري للحس النقدي للكاتب، ألا ترى أن اختيار هذا المنهج نحا بك إلى تحليلات غابت عنها الموضوعية في إصدار الأحكام النقدية؟

نظرية التلقي ليست منهجا انطباعيا، هي منهج قائم بذاته تأسس عند الألمان مع “ياوس” و”إيزر” ويركز على تفاعل القارئ مع المبدع ومشاركته في إنتاج النص، أما بالنسبة للذاتية فما كتب ليس جميعه أقوالي، فأنا أخذت أقوال القراء لكي أقارن بين الروايتين للكاتب من حيث الأسلوب، وخلصت إلى أن الكاتب خيب أمل أفق انتظار قرائه، وكما قلت سابقا هي مجرد محاولة للتعرف على أسلوب الكاتب وفهم معنى النص، وكل قراءة هي قراءة غير كاملة وتحتاج لشرح وتفسير وقد ذكرت ذلك في المؤلف.

كريمة أيت احساين طالبة صحافية

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *