اخبار المغرب

ملف “طفلة تيفلت” يخرج نشطاء للتظاهر ومطالب بـ”تدارك الأمر” في مرحلة الاستئناف

لا زال الحكم المخفف بحق المتهمين في ملف الاغتصاب المتكرر الذي نتج عنه حمل لفتاة لا تتجاوز 12 سنة، بمنطقة الغزاونة ضواحي مدينة تيفلت، يثير الكثير من الجدل والنقاش على الساحة السياسية والحقوقية بالمغرب، وسط مطالب بـ”تدارك الأمر” في مرحلة الاستئناف.

وفي أول رد فعل ميداني، أعلن منتدى “مساهمات المغرب”، عن تنظيم وقفة احتجاجية، بوم الأربعاء المقبل على الساعة الثالثة بعد الزوال، أمام محكمة الاستئناف بالرباط، رفضا للحكم الصادر في هذه النازلة.

وقال بلاغ للمنتدى، توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، إن هذا الحكم “لن يحقق الردع بقدر ما يشجع على استباحة أجساد أطفالنا”، مشددا على أن “أجساد بناتنا ونسائنا خط أحمر” وفق تعبيره.

ورحب المنتدى بقرار وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، انتداب مساعدتين اجتماعيتين لتتبع المخلفات النفسية والإجتماعية التي ستعاني منها الطفلة ضحية فعل الاغتصاب، وكذا عائلتها.

وكانت مصادر خاصة قد كشفت لجريدة “العمق” عن معطيات مثيرة بخصوص الحكم بسنتين حبسا نافذا على 3 متهمين باغتصاب الطفلة “س.ش” التي لا يتجاوز عمرها 12 سنة بتيفلت، ما نتج عنه افتضاض بكرتها والحمل، وهو الحكم الذي أثار ضجة واسعة ومطالب لهيئات حقوقية بفتح تحقيق نزيه.

وأفادت مصادر قريبة من الملف أن الضحية تنازلت عن شكايتها، بعدما تم الاتفاق على تزويجها للمتهم “ع.د” الذي تسبب في حملها، حيث رفع الأخير دعوى ثبوت النسب للإقرار بالأبوة بعدما أكدت الخبرة الجينية أن الولد الناجم عن الاعتداء الجنسي من صلبه.

وأشارت مصادر “العمق” إلى أن المحكمة الابتدائية بالرباط سمحت للمتهم “ع.د” بإنجاز وثيقة عدلية (الإقرار بالبنوة) والتزام بالانفاق داخل المؤسسة السجنية “العرجات 2” في سلا.

“صدمة حقيقية”

حسن المرابط، رئيس رابطة الأمل للطفولة المغربية، اعتبر أن الحكم الصادر في ملف طفلة تيفلت يشكل “صدمة حقيقية”، خاصة في ظل “استغلال الجناة لحالة الضعف والهشاشة التي تعيشها الضحية من أجل ممارسة نزواتهم الشاذة والممقوتة دون مراعاة حالة وسن الضحية”.

وأشار المرابط إلى حالة الخوف والرعب التي عاشتها الضحية نتيجة تكرار التهديد بالتصفية الجسدية طيلة مدة ارتكاب الفعل الجرمي، معتبرا أن هذه الحالة ستلازمها مدة طويلة نتيجة الشعور بالظلم والعار الذي لحقها وأسرتها.

وأوضح أن قرار المحكمة يقع في 11 صفحة كاملة، وهو مؤشر على أن القضية ضخمة وزاخرة بالمعطيات والملابسات المعقدة، قائلا: “للأمانة أود التنويه بالمجهود الكبير المبذول من طرف الضابطة القضائية تحت إشراف الوكيل العام بالرباط، سواء من حيث الاستماع إلى الضحية أو استنطاق المتهمين ومعاينة الأماكن المفترضة لوقوع الفعل الجرمي، والبحث بكل الوسائل الممكنة لتجميع المعطيات والقرائن والأدلة التي من شأنها الوصول إلى الحقيقية، بما في ذلك الخبرة الجينية التي أكدت نسبة الحمل لأحد الجناة”.

وسجل الفاعل الطفولي أن المحضر المعروض على أنظار المحكمة، تضمن تفاصيل صادمة حول الواقعة، والتي يمكن تلخيصها في أن الفعل الجرمي امتد لعدة أشهر وأن عملية الاستدراج والتغرير وهتك العرض والاغتصاب تكررت عدة مرات ومن عدة أشخاص في أماكن متعددة، بما فيها منزل الضحية التي تبين أنها لم تلج المدرسة وأنها تظل منفردة ببيت الأسرة لغياب الأب والأم المنشغلين بتوفير لقمة العيش.

ويرى المرابط أن هذه الوقائع تسائل النموذج التنموي، بل والنموذج المجتمعي والأخلاقي للبلد ككل، والسبب الذي يدفع أسرة بأكملها للخروج للعمل وترك طفلة صغيرة دون أي حماية عرضة لذئاب بشرية، وفق تعبيره.

“تناقض غير مفهوم”

واعتبر المرابط أن التكييف التي ذهبت إليه المحكمة في البداية، كان واضحا وجريئا، حيث ذهب في اتجاه وصف الفعل بكونه جناية التغرير بقاصر وهتك عرضها بالعنف الناتج عنه افتضاض وحمل الضحية، وفق الفصول 471 و485 و488 من القانون الجنائي والتي تصل عقوبتها إلى 30 سنة، بالنظر لظروف التشديد الثابتة لدى المحكمة، والتي في حالة إذا ما تم تطبيق مقتضياتها خاصة الفصل 488 من القانون المذكور.

وتابع: “بعد تأكيد المحكمة على التوصيف السابق والمضمن في قرار الإحالة على قاضي التحقيق، كان من المفترض أن تكون العقوبة مشددة بالنظر لظروف الواقعة وبالنظر لفصول المتابعة، لكن المفارقة والصدمة وضد مجرى التحقيق وضد منطق البحث والعدالة وملابسات القضية الواضحة حتى بالنسبة للمحمة مصدرة القرار، اختارت هذه الأخيرة الاحتكام الى مقتضيات الفصل 146 من خلال تمتيع الجناة بأقصى ظروف التخفيف”.

رئيس رابطة الأمل للطفولة المغربية، قال إن المحكمة “وقعت في تناقض غريب وغير مفهوم حينما استندت في حكمها إلى كون الجزاء المقرر قانونا قاس بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة أو بالنسبة لدرجة إجرام الجناة، مما جعلها تمتع الجناة بأقصى دون النظر إلى ظروف التشديد الثابتة لديها والتي كانت أحد المرتكزات التي استندت إليها في قرار الإحالة على قاضي التحقيق، وخاصة استعمال العنف والافتضاض والحمل، وهو ما كان يفرض عليها أن تراعي مقتضيات التناسب والتوازن بين طرفي الدعوى العمومية وبين ظروف التشديد وظروف التخفيف وإنزال الجزاء العادل بالمتهمين تحقيقا لمفهوم الردع العام والردع الخاص”.

وعلى الرغم من كون القانون يمنح المحكمة سلطة تقديرية واسعة في تفريد العقاب والحكم بالعقوبة المناسبة، يقول المرابط، فإنه يلزمها طبقا لمقتضيات الفصل 161 من القانون الجنائي، أن تراعي ظروف الضحية وسنها وحالة الهشاشة التي تعيشها والضرر المادي والمعنوي الذي لحقها، خاصة في غياب أي تنازل من الضحية ووليها.

واعتبر أن ذلك كان يتوجب معه الحكم على المتهمين بالحد الأدنى للعقوبة المقررة في فصول المتابعة، وهي 20 سنة طبقا للفصل 488، أو عشر سنوات بالنسبة للفصل 485، أول في أسوء الاحوال الحكم على الجناة بخمس سنوات نافذة في إطار الفصل 471، مع الرفع من قيمة التعويض المحكوم به إطار الدعوى المدنية الى ثلاثة أضعاف المبلغ المحكوم به في القرار الصدمة موضوع النازلة.

ودعا المرابط قضاة الاستئناف إلى “تدارك سوء التقدير الذي قضاة الدرجة الأولى، ورد الاعتبار، ليس فقط للضحية وأسرتها، ولكن للوطن ككل، تحقيقا لمبدأ الردع العام، لأنه منظومتنا القيمية والاجتماعية مهددة بقوة”.

كما دعا “الغيورين على الطفولة المغربية، وخاصة مؤسسات المجتمع المدني، لليقظة لأن طفلة تيفلت ليست الأولى ولن تكون الأخيرة وهذا النوع من القرارات القضائية للأسف الشديد من شأنها أن تفاقم هذا النوع من الاعتداءات الهمجية، لأن هناك فئة واسعة من الذئاب البشرية ومعدومي الضمير يترصدون ضحاياهم في غفلة عن مؤسسات التنشئة والحماية الاجتماعية، حسب قوله.

“صدمة” وهبي

وكان وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، قد كشف أنه صُعق لمضمون الحكم الصادر في حق المتهمين في ملف اغتصاب طفلة تيفلت، مشيرا إلى أنه عازم على تشديد أقصى العقوبات في جرائم اغتصاب الأطفال.

وقال وهبي في تصريح صحفي لوسائل الإعلام، أول أمس السبت، إن ملف طفلت لايزال أمام القضاء في درجة تقاض أعلى، معبرا عن ارتياحه لخطوة استئناف النيابة العامة للحكم حماية لحقوق الضحية وحسن تطبيق القانون.

وأشار الوزير إلى اهتمامه وتتبعه كمسؤول حكومي لهذا الملف، من خلال تعيين مساعدتين اجتماعيتين من مصالح الوزارة لمواكبة الطفلة الضحية، في حدود مجالات اختصاصات المساعدات الاجتماعيات في هذا الملف الاجتماعي والقضائي والإنساني الهام، وفق تعبيره.

وقال في هذا الصدد: “اغتصاب الطفلة الضحية الذي نزل كالصاعقة على نفوسنا، يسائلنا من جديد جميعا، كمسؤولين وكفاعلين وكمجتمع مدني، حول الجهود الضرورية التي يجب تعزيزها وإعمالها، تشريعيا وفكريا وتربويا وتحسيسيا، لحماية طفولتنا من الاغتصاب”.

وشدد على ضرورة الضرب بقوة على يد كل من سولت له نفسه العبث بالطفولة المغربية من جميع الجوانب، مضيفا: “عازمون تشريعيا عفي وزارة العدل، على تشديد أقصى العقوبات في مشروع القانون الجنائي الجديد، حماية للطفولة من جرائم الاغتصاب ومن تعاطيها للمخدرات وغيرها من الاعتداءات التي قد يتعرض لها أطفالنا”.

رد قضاة المغرب

غير أن تصريح وزير العدل أثار انتقادا لاذعا من طرف رئيس نادي قضاة المغرب، عبد الرزاق الجباري، والذي اعتبر أن ما قاله وهبي يعد “خرقا لاستقلالية القضاء”، مشيرا إلى أن قضاء الموضوع يصدر أحكامه بناء على ما ثبت من وقائع ومعطيات ثبوتا قطعيا.

وأوضح رئيس نادي قضاة المغرب، أن خروج وزير العدل للتعليق على قرار قضائي ابتدائي صدر في قضية لا زالت معروضة على أنظار القضاء الاستئنافي، يشكل “خرقا خطيرا لاستقلالية القضاء باعتباره مسؤولا حكوميا”.

وأوضح المتحدث، عبر مجموعة نادي قضاة المغرب على “فيسبوك”، أنه “يُمنع على وزير العدل التعليق على القضية “طبقا للفصل 107 من الدستور”، كما اعتبره “تدخلا سافرا في قضية معروضة على القضاء، ومحاولة للتأثير على قضاة الدرجة الثانية بكيفية غير مشروعة وفق مفهوم الفصل 109 منه”.

ولفت الجباري إلى أن “قضاء الموضوع يصدر أحكامه الابتدائية بناء على ما ثبت من وقائع ومعطيات ثبوتا قطعيا، وما توفر لديه من ظروف وملابسات، ولا يراقبه في ذلك إلا قضاء الدرجة الثانية، ثم محكمة النقض، في مرحلة ثالثة، من حيث مدى تطبيقه السليم للقانون من عدمه دون الدخول في وقائع القضية”.

تفاصيل الحكم

المعطيات الخاصة التي حصلت عليها ، تشير إلى أن الطفلة الضحية صرحت أثناء الاستماع لها خلال البحث التمهيدي بأن المتهم “ع.د” البالغ من العمر 29 سنة، هو أول من اغتصبها وافتض بكرتها، بعدما غازلها ووعدها بالزواج، وأعاد الكرة في مناسبتين لكن من الخلف.

كما صرحت كذلك بأن المتهم “ي.ز”، البالغ من العمر 21 سنة، مارس هو الآخر الجنس عليها في مناسبات عدة من الخلف ومن الأمام، بطلب من جارتها القاصر التي تدعى “م.ع”، لأنها هي الأخرى تمارس الجنس مع أخيها (أي شقيق الضحية)، حيث ظلت هي خارجا تراقب الطريق.

أما المتهم “ك.ع” البالغ من العمر 36 سنة وهو متزوج، فبحسب المعطيات ذاتها، فقد مارس عليها الجنس وهو في حالة سكر، أثناء حضورها لعرس بمنزل عائلته، بعدما أدخلها بالقوة إلى غرفة نومه، واستسلمت لرغباته بعدما هددها بالقتل، قبل أن يعاود الكرة مرة أخرى.

ووفقا للمعطيات ذاتها، فقد أكدت الضحية أن المتهمين كانوا يمارسون عليها الجنس رغما عنها وبالتناوب ويقومون بتهديدها بالقتل إن هي أفصحت لوالديها بالأمر، مضيفة أن الاعتداء الجنسي عليها تكرر لأربع مرات، وكانت القاصر “م.ع”، شاهدة على هذه الاعتداءات.

وذكرت مصادر خاصة لـ”العمق”، أن هيئة الحكم بعد الاستماع للضحية وللمصرحة “م.ع”، تكون لديها اقتناع بثبوت أفعال التغرير بقاصر بالتدليس وهتك عرضها بالعنف في حق المتهم “ي.ز” ، والمتهم “ك.ع”، كما أثبتت الخبرة الجينية أن الولد الناجم عن الاعتداء الجنسي هو ابن المتهم الثالث “ع.د” رغم إنكاره لممارسة الجنس على القاصر.

ووفقا للمصادر ذاتها، فقد قررت هيئة الحكم منح المتهمين الثلاثة ظروف التخفيف نظرا للظروف الاجتماعية لكل واحد منهم خصوصا وأن المتهم الثاني متزوج ولديه أبناء، ولعدم سوابقهم القضائية، ولكون الجزاء المقرر قانون لما أدينوا به قاس بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة، لذلك قررت النزول بالعقوبة المقررة قانونا عن حدها الأدنى مع تطبيق الفصل 147 من القانون الجنائي.

كما أكدت، أن المحكمة تبين لها عدم سبقية الحكم على المتهمين الأول والثاني بأية عقوبة حبسية، وبالنظر لحداثة إجرام المتهمين وظروفهم الاجتماعية المبسوطة أثناء المحاكمة وخلو ملف النازلة من أية سوابق قضائية قررت جعل جزء من العقوبة المحكوم بها المتهمان المذكوران موقوفة التنفيذ.

تبعا لذلك، قضت المحكمة بالحكم على المتهمين الأول والثاني بسنتين حبسا نافذا في حدود 18 شهرا، وموقوفا في الباقي، وتعويضا قدره 20 ألف درهم، وعلى الثالث بسنتين حبسا نافذا، وتعويضا قدره 30 ألف درهم.

* الصورة تعبيرية

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *