قروض النساء لأزواجهنّ.. «ديون ضائعة» بعد الطلاق لغياب الدليل
يؤدي استشعار الحرج بين الأزواج في الأمور المالية إلى خسارة نساء أموالهنّ ومدخراتهنّ، حيث ساعدنَ أزواجهن في ساعات الشدة والعسرة، وقدمن لهم المال، وكل ما يملكن لدعمهم، وحال الطلاق تضيع أموالهنّ لعدم وجود وثائق تثبت هذا الدين، ورفضت محاكم الدولة عشرات من القضايا المالية بين مطلقين، تتهم فيها امرأة طليقها (دون دليل) حصوله على أموالها خلال فترة زواجهما، ورفضه ردها بعد الطلاق.
وتفصيلاً، شهدت محاكم أبوظبي، أخيراً، عشرات القضايا التي رفعتها مطلقات، يتهمن أزواجهن السابقين باقتراض أموالهنّ خلال فترة الزواج، لشراء أو تشييد عقار أو للاستثمار أو شراء مركبة أو سداد ديون، ورفض إعادتها بعد وقوع الطلاق.
ومن القضايا امرأة رفعت دعوى طالبت فيها بإلزام طليقها أن يؤدي لها 205 آلاف درهم، تسلمها منها في بداية زواجهما، وعند مطالبته برد المبلغ عقب الطلاق امتنع عن السداد، ورفضت المحكمة الدعوى لعدم وجود دليل، وعجزت المرأة عن إثبات دعواها في هذا الجانب.
فيما اتهمت امرأة أخرى طليقها بالامتناع عن رد 1.4 مليون درهم قيمة إسهامها في شراء فيلا وعقار في دولة أوروبية خلال فترة زواجهما، موضحة أنها ظلت ثماني سنوات تسدد الأقساط البنكية الخاصة بقرض زوجها، من أجل شراء فيلا وعقار في دولة أوروبية.
ورفضت المحكمة الدعوى لخلو الأوراق من أي بيّنة تثبت واقعة الدين أو السلف التي ادعتها المرأة.
وفي قضية مماثلة طالبت امرأة بإلزام طليقها أن يرد لها مبلغ 93 ألفاً و300 درهم، مشيرة إلى أنها كانت زوجة المدعى عليه، وأخذ منها ذهباً وحلياً بقيمة المبلغ، ولم يرده إليها، وتكرر رفض الدعوى لخلو الأوراق مما يثبت أقوال المدعية.
كما أقامت امرأة دعوى طالبت بإلزام طليقها أن يؤدي لها 150 ألف درهم، أقرضتها له خلال فترة زواجهما، ولدى مطالبته بإرجاع المبلغ ماطلها ورفض السداد، وقضت المحكمة برفض الدعوى، لخلو أوراق الدعوى من أي دليل يؤازر المدعية فيما تدعيه بشأن استحقاقها المبلغ.
وفي دعوى مشابهة، طالبت امرأة بإلزام طليقها أن يعيد لها مركبة «رينج روفر سبورت»، اشترتها بمالها، وسجلتها باسمه خلال فترة قيام العلاقة الزوجية، حيث كانت تستكمل في هذا التوقيت إجراءات استخراج إقامتها على جهة عملها الجديد، ولم تستطع تقديم دليل على صدق ادعائها، ما أدى إلى رفض الدعوى.
في المقابل، أكد المحامون أحمد سعيد، وعاصم راشد، ومنى البلوشي، أنه نادراً ما يتم توثيق الأمور المالية بين الزوجين، إلا أن القانون كفل للطرف المدعي إثبات تسليمه الآخر مبلغ الدعوى بالبينة المعتد بها، بما في ذلك توجيه اليمين الحاسمة بالصيغة التي ترتضيها المحكمة، ويتم اللجوء لها عند انعدام الدليل المستندي، كما في حالة تسليم المبلغ نقداً، وتكون صيغة اليمين الحاسمة عادة هي الفيصل.
وأشاروا إلى أن أحكام قانون الأحوال الشخصية، المستمد من الفهم العميق للتعاليم الإسلامية السمحاء، على أن المرأة الراشدة حرة في التصرف في أموالها، ومنعت الزوج من التصرف في أموالها دون رضاها، ورغم قيام الزوجية، فإن لكل من الزوجين ذمة مالية مستقلة.
وأفاد المحامي سالم سعيد الحيقي، أن الزوجة لها ذمة مالية مستقلة عن الزوج، ولا يجوز للزوج التصرف في أموالها دون رضاها، فلكل منهما ذمة مالية مستقلة، فإذا شارك أحدهما الآخر في تنمية مال أو بناء مسكن ونحوه، كان له الرجوع على الآخر بنصيبه فيه عند الطلاق أو الوفاة، وبناء على ذلك يتصور وجود علاقات مالية بين الزوجين، مثل القروض والإسهامات المالية والمشاركة، ولا يجوز أن يحل أي منهما في التصرف محل الآخر في الحقوق المالية، وإلا كان هذا التصرف غير مشروع، وبذلك تثبت الحقوق المالية لكل منهما في مواجهة الآخر.
وأضاف أنه في حال أعطى رجل لزوجته (أو العكس) مبلغاً مالياً خلال فترة زواجهما، فيجوز قانوناً المطالبة بهذه الأموال بعد وقوع الطلاق، حيث يزول المانع الأدبي في المطالبة بالحق أو الدين، ويتم التوصل لحقيقة الدين، وإثبات صحته من خلال تطبيق مبادئ وقواعد الإثبات الواردة في القانون، على حسب طبيعة ونوعية الحق أو الدين، سواء كان ديناً مدنياً أو تجارياً أو غير ذلك.
وتابع الحيقي أن العلاقة الزوجية قد تضع في بعض الأوقات مانعاً أدبياً بين الزوجين، ولكن في الأصل يجوز أن يأخذ أحد الزوجين على الآخر إيصال أمانة، وهذا الأصل في إثبات الديون، خصوصاً إذا كانت هناك علاقات تجارية بين الزوجين.
فيما أكدت المحامية نجلاء أحمد بديوي، أنه لا يحق للزوج أو الزوجة المطالبة بالأموال إذا كانت هدية، ولكن في حالة كانت هذه الأموال ديناً فتمكن المطالبة بها، إلا أنه لا يمكن إثبات الدين إلا بورق أو شهود أو رسالة، أو اعتراف أحدهما بأنه اقترض من الآخر، مشددة على أن القانون يتعامل بالإثباتات، فأي قضية طرفاها زوجان، أو أي خصمين، لابد من وجود مستندات تثبت حقوق الطرف المدعي، لذلك إثبات الدين بورقة يحافظ على الحقوق.
وأكد اختصاصيون اجتماعيون، أيمن صلاح، وريم خالد، ونادية حسين، أن الأصل في الزواج الرحمة والمودة، وزوجات كثيرات يقفن مع أزواجهن في جميع مناحي الحياة، ولا يبخلن بأموالهنّ، ويقدمن لهم كل ما يملكن لمساعدتهم في تشييد منزل أو شراء شقة، أو مركبة، أو افتتاح مشروع، دون أن يكون لديهن هاجس بنكران هذا الدين في حال وقع الطلاق.
ضوابط شرعية
قال أستاذ الثقافة والمجتمع بالجامعة الكندية، الدكتور سيف راشد الجابري، إن هناك إشكالية كبيرة حدثت في المجتمع، وهي التوافق بين الزوجين على قرض من المال، وهذا حتى قبل العلاقة الزوجية، وكلّ يظن في الآخر الخير، دون التحقق من الضابط الشرعي في هذه المسألة، مع أن هذا الأمر مهم، وهو أن المقترض عليه أن يعطي القارض الأمن والأمان، سواء عن طريق الشهود أو عن طريق المكاتبة، إذ أمر الله، سبحانه وتعالى، بالمكاتبة عند هذه القروض، وذلك حفظاً لأمانة العلاقة بين الناس.
وأشار إلى وجود إشكالية في المطالبة بالأموال بعد وقوع الطلاق، حيث يصعب إثبات الحق، لأن الطرف المقترض ينكر، ويعتبر هذا المال جزءاً مما أعطاه، أو أنها شاركت به كجزء من المصروفات، لافتاً إلى أن مطالبة الزوجة باسترداد مالها يجوز إذا كان حقاً، سواء وقع الطلاق أو لم يقع، ولكن دائماً لا تظهر الخلافات الزوجية إلا بعد وقوع الطلاق.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
المصدر: الإمارات اليوم