من وراء صراع الجيش والدعم السريع
من وراء صراع الجيش والدعم السريع
زين العابدين صالح عبد الرحمن
إن تخلف حضور رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان عن حضور الجلسة الختامية لورشة (إصلاح الأجهزة الأمنية) وبقية مناديب القوات المسلحة إلي جانب قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو تطرح أسئلة عديدة حول مستقبل المشروع السياسي المتعلق بـ(الاتفاق الإطاري) خاصة أن القوات المسلحة لم تعلق على الأسباب التي منعت ممثليها حضور الجلسة الختامية للورشة، وكذلك لم تعلق قوات الدعم السريع على الأسباب التي منعت حضور قائد قوات الدعم السريع للورشة. الأمر الذي يؤكد أن المشروع يواجه تحديات عديدة، إذا كانت هذه التحديات بسبب خلافات الرؤى حول المشروع، أو الحساسية التي ظهرت بين الجيش والدعم السريع.
إن التصريحات المضادة بين القائد العام للجيش وبين قائد قوات الدعم السريع، والتي كانت قد بدأت منذ توقيع الاتفاق الإطاري، تؤكد أن الدعم السريع رغم أن قيادته قد أعلنت أنها مع عملية إدماج قداتها في الجيش، لكنها تريد هذا الدمج والفترة التي يتطلبها تكون حسب رؤيتها. فهي لا تريد أن تكون هناك مؤسسة هي الأصل ولها رؤيتها في عملية الدمج حسب قوانينها. والأخرى مؤسسة تكونت لظرف أمني خاص حسب تقديرات النظام السابق ويجب أن تحل بإنتهاء هذا الظرف، خاصة أن القوات أصبحت لها مصالح اقتصادية مرتبطة بدورها في السلطة.
وإذا رجعنا إلي عدد من التصريحات التي كانت قد أثارت غبارا كثيفا في وقتها، وربطنا هذه التصريحات مع بعضها البعض. نجد أن الخلافات التي بدأت تظهر بين الجيش والدعم السريع ليست خلافات تحدث بسبب خلاف الرؤية حول قضية بعينها، ولكن خلاف مرتب له سياسيا، ومصنوع لكي يحدث هذا الخلاف. إذا ما هي التصريحات التي أثارت غبارا كثيفا لها علاقة بالخلاف الذي حدث بين البرهان وحميدتي؟
إن تصريح ياسر عرمان في ندوة (الحرية المركزي) الذي قال فيه: إن إصلاح المؤسسات العسكرية يجب أن يؤسس على أن تكون قوات الدعم السريع هي نواة للقوات المسلحة في المستقبل، أي أن يحل الجيش وتبدأ عملية التأسيس اعتماداً على قوات الدعم السريع، باعتبار أن الجيش تسيطر عليه قيادات تابعة للنظام السابق، وتأتمر بعقيدة للجماعة الإسلامية التي كانت حاكمة. وفي منبر آخر في شرق النيل: قال محمد حمدان قائد قوات الدعم السريع إن أحد قيادات الحرية والتغيير قال له إن الفترة الانتقالية يجب أن تستمر عشر سنوات، رغم أن حميدتي قالها نقداً للذين قالوها، لكن حميدتي نفسه خزنها في ذاكرته لأنها تعبر عن مصالح ورغبات مضمرة، والآن الدعم السريع يراهن على العشر سنوات.
الغريب في الأمر أن مقولة ياسر عرمان كانت على منبر ندوة نظمتها (الحرية المركزي) وكان عليها أن توضح إذا كان حديث ياسر عرمان يعبر عنها أم هي رؤية شخصية، وهي غير مسؤولة عنها، ولكن الحرية المركزي تجاهلت ذلك مما يؤكد أن مقولة عرمان يعبر عن رؤية تؤمن بها القوى في (الحرية المركزي) وعندما تم التوقيع على الاتفاق الإطاري وبدأ الحديث حول عملية الدمج ومواقيت لهذا الدمج، انتقلت القضية من الحديث العام إلى الحديث الجاد حول عملية الدمج. وخاصة أن القائد العام للجيش الفريق أول البرهان قال يجب أن تكون هناك مواقيت محددة ومعروفة لعملية الدمج. ثم جاء بيان الفريق أول حميدتي الذي كان قد تلاه في رئاسة قوات الدعم السريع قال فيه “إن الاتفاق الإطاري الذي وقعته قوى سياسية مع العسكريين في ديسمبر الماضي وضع جداول زمنية، ونحن ملتزمون بالاندماج في الجيش وفقاً لهذه الجداول، ولن نسمح لعناصر النظام البائد بالوقيعة بين القوات المسلحة والدعم السريع، وأقول لهم أنكم لن تستطيعوا بلوغ ذلك أبداً. وقال إن الاتفاق الإطاري هو المخرج الوحيد. لكن يصبح السؤال هل حميدتي وكل قيادات الدعم السريع لا يعلمون أن الإدماج يجب أن يكون في فترة السنتين أي نهاية الفترة الانتقالية التي سوف تعقبها الانتخابات؟ وحسب ما كانت تكرر جميع قيادات (الحرية المركزي) يجب أن تتم الانتخابات بعد إكمال جميع عمليات دمج القوات العسكرية في الجيش، وأن يكون هناك جيش واحد حتى لا تتأثر الانتخابات بعمليات إجبار الناخبين من قبل القوات العسكرية للحركات والدعم السريع. إذاً لماذا تقبل الآن أن يستمر الدعم السريع حتى بعد الفترة الانتقالية؟ أم أن الدعوة أن الحرية المركزي سوف يدخل الانتخابات بقائمة واحدة يحتاج لقوى عسكرية ترتب نجاح هذه القائمة؟
لكن في ورشة الإصلاح بدأت تظهر مقولة ياسر عرمان الدعم السريع نواة لجيش المستقبل، ومطلب أحد قيادات الحرية المركزي أن تستمر الفترة الانتقالية عشر سنوات. وهذا قد ظهر من تصريحات قيادات الدعم السريع، أن عملية الدمج ربما تستمر عشر سنوات. ثم جاء تصريح فولكر في الورشة بالقول إن عملية دمج الدعم السريع في الجيش ربما تأخذ خمس سنوات. وهذا تأكيد إلى إطالة الفترة الانتقالية. حتى إذا كان منصوص عليها في وثيقة الدستور 24 شهراً، أن القوى السياسية لن تلتزم بها، كما فعلت في الثلاث سنوات السابقة حيث تجاوزت كل ما كان منصوص عليه في الوثيقة الدستورية، لم تكون المجلس التشريعي ولا المؤسسات المنصوص عليها في الوثيقة. ودلالة على أنها تريد إطالة الفترة الانتقالية، الخلاف الذي ظهر في ورشة الإصلاح العسكري، والإصرار على أن لا تكون هناك مواقيت محددة ومعلومة لعملية الدمج.
إن التحالف الذي بدأ يتكشف الآن بين الحرية المركزي والدعم السريع الذي استوعبت قياداته رسالة ياسر عرمان أخيراً، وهم بالفعل في حاجة لاستمرار الدعم السريع للحفاظ على مصالحهم الاقتصادية التي هي خارج رقابة الدولة، ومواقعهم الوظيفية. لذلك هل موافقين أن يكونوا اليد الباطشة لحكومة الفترة الانتقالية ضد كل المعارضين لها في حال ابتعد العسكر عن الساحة السياسية؟
إن الصراع السياسي الدائر الآن قبل تشكيل الحكومة سوف يكون له انعكاسات على العملية السياسية حتى إذا استطاعت الحرية المركزي أن تكمل العملية حسب المواقيت التي حددت لها. وتؤثر سلباً على عملية التحول الديمقراطي، خاصة أن الحرية المركزي ليس لها قاعدة اجتماعية عريضة وفقدت مناصرة الشارع، وهي في حاجة لقوة تستطيع أن تتكيء عليها لذلك كان رهان ياسر عرمان على قوات الدعم السريع، أن تكون هي الضامن لبقاء السلطة. نسأل الله حسن البصيرة.
المصدر: صحيفة التغيير