حوار التعليم عاد برمته إلى نقطة الصفر ولابد أن يستجيب للتحديات ويتجنب الفوارق (حوار) اليوم 24
يرى عبد الإله دحمان، الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، أن العبرة ليست بتعدد اللقاءات والمشاورات النقابية في قطاع التعليم، بل بمدى جدية مخرجاتها ومصداقيتها، وبالتالي يعتبر دحمان في حوار مع “اليوم 24″، أن منهجية حوار وزارة بنموسى اليوم كرست ورسخت فقدان المصداقية.
وقال دحمان، إن مضامين اللقاء الأخير للوزارة الجمعة الماضي، يعيد الحوار القطاعي بالتعليم برمته إلى نقطة الصفر، متسائلا بقوله: “كيف لا يقدم هذا اللقاء أجوبة لقضايا نساء ورجال التعليم خصوصا بعد مرور ما يقارب شهرين من الجفاء والصمت”.
وشدد القيادي في نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب على أن الحوار حول القانون الأساسي المرتقب لابد أن يستجيب للتحديات، ويتجنب تكريس الفوارق داخل مهنة التدريس بالمغرب.
ماهو تعليقكم على مخرجات لقاء وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة مع النقابات التعليمية الجمعة الماضي؟
العبرة في تصوري ليست بتعدد اللقاءات بل بمدى جدية المخرجات ومصداقيتها، ومنهجية الحوار اليوم كرست ورسخت فقدان المصداقية، بحيث بعد الاتفاق الضبابي الذي وقع مؤخرا، كنا نأمل أن يكون هذا اللقاء فرصة لتبديد المخاوف لكن وبكل أسف عمقها، وواقعه الآن لن يساهم في بناء الثقة والإرادة الجماعية لإنجاح ورش الإصلاح التربوي، وخاصة الرؤية المؤطرة لتجديد وتقوية أدوار نساء ورجال التعليم من خلال تحسين الشروط المهنية والاجتماعية وتوفير الظروف المناسبة لهم ولعموم العاملين بقطاع التربية الوطنية. وأظن أن الاتفاقات لا تحتاج إلى من يشرحها، لأن المضامين تعبر عن نفسها ويجب أن تتماهى وتعكس إرادة الشغيلة التعليمية وهمومها وإلا دخلنا في منطق التبرير. واتفاق 14 يناير 2023، رغم علاته يجب أن ينفذ لا أن يفتح بصدده نقاش من جديد، وإلا لَمّا قلنا إن الاختباء وراء المبادئ المؤطرة للنظام الأساسي الجديد لموظفي قطاع التربية الوطنية هو انعكاس لغياب رؤية شمولية لإشكالات الموارد البشرية بقطاع التربية والتعليم، لم نجانب الصواب .
أعتقد أن مضامين هذا اللقاء تعيد الحوار القطاعي برمته إلى نقطة الصفر، فكيف لا يقدم هذا اللقاء أجوبة لقضايا نساء ورجال التعليم خصوصا بعد مرور ما يقارب شهرين من الجفاء والصمت، فالتوجه إلى مدارسة الملفات المطلبية للفئات المتضررة وعموم الشغيلة التعليمية يجسد أن عملية البحث والتغلب على الإشكالات غير المصرح بها ماض من جديد ليكرس بطء الحوار القطاعي.
من المرتقب أن وزارة التربية الوطنية ستصدر نظامها الأساسي خصوصا إذا ما تمت الموافقة عليه نقابيا، ماهو رد فعلكم؟
نحن نتوقع صدوره بالنظر إلى مسار الحوار الذي انعدم فيه التفاوض الحقيقي، وغلب عليه التحفظ الذي أضر بالنقاش العمومي، وللعلم ليس لنا ردود فعل بل ستكون لنا أفعال نضالية مسؤولة، ضده، نستقيها من مهامنا ومن تمثيليتنا المجتمعية المرتبطة بموقعنا في الدستور وبالتالي لن نساهم في إعادة مأساة 2003، ولن نسمح أو نتواطأ على الشغيلة التعليمية، بل سنكون إلى جانبها بما تقتضيه المرحلة من وضوح في المواقف.
إضافة إلى ذلك، منهجية التسويف لن تصنع الاستقرار والدور الإطفائي للبعض، فقد استنفد ذلك أغراضه، لذا سنتحالف مع قضايا الشغيلة التعليمية وديناميتها النضالية، لأن ما يعتمل في الساحة التعليمية يسيء للعمل النقابي ويقتضي وضوحا في المقاربة والمواقف على قاعدة إنصاف المتضررين والاستجابة لمطالبهم العادلة بواقعية ولكن بمصداقية ومسؤولية .
ما رؤيتكم للنظام الأساسي المرتقب؟
تشكل المراجعة الشاملة للنظام الأساسي لموظفي وموظفات قطاع التربية والتعليم مدخلا استراتيجيا لتأهيل المنظومة التربوية والتكوينية والنهوض بأوضاع نساء ورجال التعليم وإنهاء حالات التمايز داخل مكوناته وفئاته، وإصلاحا مهيكلا عبر المورد البشري لقطاع تتجاذبه مخططات الإصلاح منذ عقود خلت، كما يعتبر رهانا كبيرا لإنهاء حالة الاحتقان داخل المنظومة التربوية والتكوينية وإعادة الاستقرار لها، وبالتالي هي مراجعة تستهدف تنمية وتحفيز المورد البشري داخل القطاع وجعل الممارسة التربوية تستند إلى الكفاءة والخبرة والتخصص في إدارة الشأن التربوي وتمكين هذا المورد البشري من المساهمة الفعالة في تنزيل الإصلاح وتنفيذه وتقييمه وتطويره، وفق متطلبات العصر وتحدياته.
نعتبر أن هذه المراجعة المرتقبة ينبغي أن تكون شاملة ومنصفة للجميع، وعليها أن تقطع مع المقاربات السابقة لمنظومة الحقوق والواجبات داخل القطاع، والتي هيمن عليها المنطق التجزيئي والانتقائي، وتكريس التفاوت بين الموظفين.
وتستمد مشروعيتها أيضا، من السياق التاريخي لمقاربة هذا الموضوع والتحديات المرافقة له، في ظل تنامي المساءلة العمومية لقطاع التربية والتعليم وازدياد الحاجة إلى مورد بشري مؤهل في تكوينه الأساس والمستمر ومحصن في مساره المهني، خصوصا في ظل الحاجة إلى إعادة النظر في المنظومة القانونية للحياة المهنية والإدارية لموظفي الوزارة من خلال استحضار تحولات المنظومة التربوية المغربية وتجدد أهدافها وغاياتها.
تتحدثون عن أن النظام الأساسي لموظفي التعليم استنفد أغراضه وكان في صيغ سابقة معتلا، كيف ذلك؟
إن استيفاء النظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية الذي صدر سنة 1967 بمرسوم ملكي لأغراضه، وما رافقه من توترات اقتضت تدخلا وتحكيما ملكيا آنئذ، الشيء الذي سيؤدي إلى إصدار النظام الأساسي لسنة 1985 والذي جاء تتويجا لمعارك نضالية طيلة عقد من الزمن للشغيلة التعليمية عانت خلالها التضييق والاعتقال والطرد والمتابعات القضائية …الخ ، بدءا من إضراب 10 و 11 أبريل 1979 ومرورا بإضرابات الثمانينات وما صاحبها من اعتقالات ومحاكمات وعزل من العمل… الخ، ومن أهم المكتسبات آنذاك هي الترقية الداخلية والتي تم إقرارها لأول مرة والتي كانت تحتسب حسب عدد المناصب المالية، بعد حوالي عشرين سنة من الاستقلال والنضال جاء مكتسب النظام الأساسي بكل علاته وثغراته واختلالات بنيته ومقتضياته .
وبعد مسار نضالي انطلق منذ 14 أبريل1996 والصيغة الأولى سنة 1998 على عهد الوزير بلمختار، والصيغة الثانية التي عرضت على النقابات التعليمية نونبر1998، وفي السنة نفسها تم اقتراح مشروعين آخرين أحدهما خاص بالهيئة الإدارية والتربوية والآخر بهيأة الصيانة والمناولة، كما تم اقتراح مشرعي نظام أساسي على عهد الوزير عبد الله ساعف، أحدهما خاص بهيأة المبرزين للتعليم الثانوي والتقني والآخر، خاص بهيأة التدريس وهيأة الإشراف التربوي، وامتد المسار لـ 18 سنة من النضال النقابي والمفاوضات العسيرة، والذي برزت فيه الجامعة الوطنية لموظفي التعليم بشكل متفرد نضاليا وتفاوضيا. حيث سيتم سنة 2003 المصادقة على قانون أساسي ثالث بصيغة ومكتسبات محدودة.
بعد هذا التشخيص ما هي الحلول التي تقترحون؟
قدمت الجامعة مقترحات ونبهت إلى الثغرات وقادت نضالات دفاعا عن مطالب مجموعة من فئات الأسرة التعليمية، لكن للأسف أصرت الوزارة، وبتواطؤ نقابي وانفردت بإخراج نظام أساسي باتفاق 13 ماي 2002، والذي بموجبه سيتم صدور مرسوم في 10 فبراير 2003، فكان هذا النظام المعتل، الذي تم تغييره كل سنة منذ سنة 2004، بمراسيم تعديلية خصوصا القضايا التي نبهت لها النقابات، حيث بلغت إصدار أكثر من 11 مرسوم تعديلي لمقتضيات نظام 2003، وتعديل العشرات من المواد، مما يؤشر على أن مهندسي نظام 2003 فشلوا في تجاوز الاختلالات والسلبيات المتضمنة في نظام 1985، بل أجهزوا على بعض المكتسبات التي كانت متواجدة به (الحق في الترقية بالشهادات ).
ونخاف اليوم أن يعيد التاريخ دورته، وبالتالي يمكن مقاربة النظام الأساسي الحالي من خلال الوقوف على مواطن الضعف فيه وكذا بعض الإيجابيات التي وردت بين ثنايا مقتضياته ـ لكن مفعولها كان ضعيفا .
رؤيتنا النقابية، تنبني أساسا على إنتاج نظام أساسي يحقق وحدة المسار المهني، ويغلق الفجوات بصددها، ويقضي على التمايز بين الفئات، ويقلص الفرق بين السلالم الدنيا والعليا وفق منظومة أجور عادلة. وفي مقدمتها منح خارج السلم لكل الأطر والفئات العاملة بالقطاع، وتبقى النقطة الغائبة في كل الالتفاقات الموقعة هي نظام التعويضات، بحيث لم يراجع بشكل جذري سنة 2003، ولم يناقش اليوم.
لذا لابد أن يستجيب لتحديات مهنة التربية وألا يكرس الفروقات بين مكونات المنظومة التربوية التكوينية، ويجب توحيد الرؤية حول التعويضات وتعميمها.
وفي هذا الإطار لابد من مراجعة بنية الأرقام الاستدلالية التي تتناقص عبر المسار المهني ولا تتزايد، بما في ذلك مراجعة منظومة الترقي بشكل جوهري يحقق الإنصاف والوحدة بين موظفي القطاع من خلال مراجعة نظام الحصيص، ومراجعة منظومة التضريب والاقتطاعات والإسهامات الاجتماعية لتلافي كل ما من شأنه إضعاف بنية الأجور. ومن مؤشرات توحيد المسارات المهنية إدماج مجموعة من الفئات العاملة بالقطاع والتي توجد خارجه مع العمل على إنهاء معاناة بعض الفئات المتضررة كالقابعين بالسلم العاشر لعقود، وتصحيح أخطاء نظام 2003 على مستوى الحق في الترقية بالشهادات داخل القطاع.
المصدر: اليوم 24