من الذي يعين رئيس الوزراء القادم
من الذي يعين رئيس الوزراء القادم
زين العابدين صالح عبد الرحمن
اقتربت العملية السياسية من نهاياتها، وفقاً للجدول الذي وضعته (الحرية والتغيير المركزي) في إطار (الاتفاق الإطاري) بعد إكمال كل من (مسودة الدستور والإعلان السياسي وتشكيل مجلس الوزراء) رغم المعارضة التي تواجه العملية السياسية، من قبل العديد من القوى السياسية، إذا كانت قوى الحرية الديمقراطي والتحالف الجذري ولجان المقاومة. إلا أن المشروع السياسي المطروح في الساحة هو (الاتفاق الإطاري) حيث عجزت القوى الأخرى أن تسوق تصوراتها وتجعلها مادة للحوار يمكن أن تثير جدلاً.
وكانت القوى السياسية والعسكر قد أكدوا أنهم حريصون أن تبلغ العملية السياسية نهاياتها وفقاً للجدولة التي تمت خلال اتفاق ضم قيادات القوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري والمكون العسكري وممثلي اللجنة الثلاثية والرباعية في بيت الضيافة بالقصر الجمهوري. إلا أن التوقعات لترشيح شاغلي مناصب رئيس الوزراء والوزراء شغلت الرأي العام من خلال الترشيحات التي تنشر في وسائل الاتصال الاجتماعي، وهي مجرد تخمينات. الغريب في الأمر أن ماتزال القوى السياسية تركز على السلطة التنفيذية دون السلطة التشريعية والقضائية اللتين تمثلان أضلاع المثلث للبناء الديمقراطي.
السؤال الذي يجب أن تجاوب عليه القوى السياسية الموقعة على (الاتفاق الإطاري) من هي الجهة التي سوف تعين رئيس الوزراء؟.
وهنا يجب أن نفرق بين القوى التي ترشح رئيس الوزراء والتي سوف تعين رئيس الوزراء، فالذي يعين رئيس الوزراء هي التي تكون لها السلطة في عملية تسير الفترة الانتقالية حتى إذا كانت بعيدة عن المسرح السياسي.
نقلت بعض الصحف تغريدة للمتحدث باسم الحرية والتغيير جعفر حسن قال فيها “نقترب كثيراً من تشكيل السلطة المدنية المفضية لدولة مدنية مؤكد أن قوى الحرية والتغيير تسرع الخطى لتشكيل الحكومة المدنية” وفي جانب آخر أكد مساعد رئيس حزب الأمة القومي للشؤون الولائية رئيس لجنة السلام بقوى الحرية والتغيير عبد الجليل الباشا، لـ(الصيحة) أن الجميع الآن مشغولون بوضع معايير رئيس الوزراء، مبيِّنًا أن أهم تلك المعايير أن يكون شخصاً له خبرة كبيرة في جانب إدارة الشأن العام وله دارية بتصريف أمور الدولة وله علاقات دولية واسعة”، وأضاف الباشا قائلا في ذات التصريح “إن كل قوى سياسية موقعة على الاتفاق الإطاري ترفع المعايير التي ترى أن تتوفر في شخصية رئيس الوزراء، ولا يتم الدفع بأسماء مرشحة لمنصب رئيس الوزراء وإنما المواصفات والمعايير التي يجب توفرها في رئيس الوزراء وبعدها تتم مناقشة المعايير والرؤى المرفوعة ويتم الاتفاق من بينها على معايير محدَّدة”. هنا خلاف بي حديث جعفر حسن الذي يمثل (التجمع الاتحادي) في المجلس المركزي للحرية والتغيير وحديث الباشا القيادي في حزب الأمة وممثل حزب الأمة في المجلس المركزي للحرية والتغيير. عندما يؤكد جعفر أن اختيار رئيس الوزراء يتم من قبل الحرية والتغيير يؤكد الباشا أن القوى السياسية الموقعة على (الاتفاق الإطاري) هي التي تختار رئيس الوزراء وفقاً للمعايير التي تم الاتفاق عليها. وكلا الاثنين يتفقان على اختيار رئيس الوزراء دون الإشارة إلى تعيين رئيس الوزراء، باعتبار أن الترشيح يعني هناك سلطة أخرى يقع عليها عبء الموافقة عليه ثم تعيين رئيس الوزراء.
إن عملية (الاتفاق الإطاري) هي تسوية بين الجيش والقوى السياسية الممثلة في القوى التي توقع على الاتفاق. وهذا الاتفاق إذا أخرج الجيش من المعادلة السياسية، أو لم يخرج، تصبح العملية في فقه السياسة تسوية، لأنها تمت بين طرفين التزما بتنفيذها. لذلك لابد من معرفة رأي الطرف الآخر، ماذا قال عن تعيين الحكومة…
في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي تعقد في اليومين الماضيين؛ قال الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة “إن القوات المسلحة في السودان يجب أن تكون تحت إمرة سلطة مدنية منتخبة” وأضاف قائلا “إن القوات المسلحة لا ترغب في التمكين لأي جهة سياسية غير منتخبة”. إن حديث البرهان يؤكد؛ أن المكون العسكري سوف يظل باقٍ في السلطة حتى إذا كان بعيداً عن السلطة التنفيذية، وفي ذات الوقت يرفض تمكين جهة سياسية، أن تكون مسيطرة على الفترة الانتقالية. معنى ذلك؛ أن القوى السياسية سوف تقدم الترشيحات للمكون العسكري، هو الذي يوافق أو يرفض أو يطالب بالتعديل والحذف أو التغيير. وبالتالى يصبح العسكر هم المناط بهم تعيين رئيس الوزراء والموافقة على حكومته، ثم ينسحب العسكر من المشهد السياسي وليس من السلطة. والمكون العسكري لن يسمح أن يعين رئيساً للوزراء وتترك له حرية الاختيار. باعتبار أن كلمة البرهان عدم تمكين جهة سياسية واحدة تؤكد أن تعرض عليهم أسماء جميع شاغلي الحقائب الدستورية في السلطة التنفيذية ويختاروا الذين يعتقدون أنهم لا يمثلون جهة سياسية بعينها في أن تكون مسؤولة عن الفترة الانتقالية.
كان الممثل الأممي فوكلر بيرتس اقترح أن يكون شاغلو المناصب الدستورية في السلطة التنفيذية من السياسيين في الصف الثاني أو الثالث. هذا القول يحمل إشارة واضحة أن العسكر لن يوافقوا على أسماء من تحالف سياسي واحد. ويرجع ذلك لمنطق الأشياء أن قوى عسكرية انقلبت على الحكومة مكونة من تحالف سياسي لا يمكن أن تقبل إرجاع السلطة لذات التحالف ثم الابتعاد عن السلطة لتقع تحت رحمتها. لابد أن توسع دائرة المشاركة بالصورة التي لا تجعلهم أصحاب القرار داخل السلطة التنفيذية. لذلك سيظل المكون العسكري يشرف على الفترة الانتقالية حتى الانتخابات. وتسليم السلطة كاملة للقوى المنتخبة التي تمثل الشرعية الدستورية. إذا لم تفهم النخبة السياسية هذا السيناريو تكون غير واقعية في تقيمها لمجريات العمل السياسي وتفكير العسكر. نسأل الله حسن البصيرة.
المصدر: صحيفة التغيير