الدكتور إبراهيم ماخوس
من مواليد مدينة اللاذقية بسوريا سنة 1925، تخرّج من كلية الطب بدمشق عام 1955 والتحق بصفوف الثورة الجزائرية مع رفقائه الأطباء السوريين، ساهم في علاج الجرحى من مجاهدي جيش التحرير الوطني والمرضى من أبناء اللاجئين الجزائريين على الحدود الجزائرية التونسية. بعد عودته إلى سوريا تقلّد عدّة مناصب وزارية، الصحة، الخارجية، نائب رئيس وزراء.
بدأ ارتباط إبراهيم ماخوس بالثورة الجزائرية قبل التحاقه بها حين كان طالبا في كلية الطب بدمشق، حيث شارك في تأطير مظاهرة حاشدة ضد فرنسا سنة 1955 تضامنا مع الثورة الجزائرية واحتجاجا على إبرام صفقة لبيع القمح السوري لفرنسا، علما أن سوريا لم تكن تصدر في ذلك الوقت أي مادة أساسية كالقطن والبترول سوى القمح فقط. انطلقت المظاهرة من جامعة دمشق بقيادة نور الدين الأتاسي صديق الثورة الجزائرية ورئيس سوريا بعدها. حاصر المتظاهرون قصر الحكومة ما اضطر وزير الاقتصاد المسؤول عن إبرام الصفقة إلى الخروج سرا من الباب الخلفي وانتهى الأمر باستقالة الحكومة، ماخوس كان يتابع تطوّرات الثورة الجزائرية وكان على اتصال دائم مع مكتب جبهة التحرير الوطني في دمشق
يقول في شهادته:
“كنا نلحّ على مكتب جبهة التحرير الوطني بدمشق في طلب الالتحاق بالثورة ولكن الإخوة كانوا يقولون لنا إن الثورة ليست بحاجة حاليا للمقاتلين بقدر ما هي بحاجة للأطباء”.
انتظر الطبيب ماخوس فرصة تخرّجه وحصوله على دكتوراه في الطبّ ليعاود الاتصال بمسؤولي مكتب جبهة التحرير الوطني بدمشق مصرا هذه المرّة على الالتحاق بصفوف المجاهدين وتقديم خدماته العلاجية لجنود جيش التحرير الوطني رفقة خمسة أطباء سوريين فضّلوا عن قناعة المساهمة الفعلية في دعم الثورة التحريرية وهم: نور الدين الأتاسي، يوسف زعين، صفوح الأتاسي، صلاح السيد ورياض برمدا.
قبل الانتقال إلى الحدود الشرقية للجزائر أجرى الأطباء الستة المتطوّعون دورة تدريبية مستعجلة في كلية الاحتياط العسكرية ودورة تدريبية في الجراحة، بعد نهاية الدورة التدريبية تكفل العقيد أعمر أوعمران بترتيب عملية التحاق الأطباء بالثورة.
استقل الدكتور إبراهيم ماخوس الطائرة من دمشق إلى القاهرة ثمّ إلى طرابلس حيثي تكفّل مسؤول مكتب جبهة التحرير الوطني في ليبيا، المرحوم بشير قاضي، باستقباله رفقة رفقائه ثم نقلهم برا إلى تونس بعد أن حضّر لهم بطاقات هوية جزائرية، وقد اختار ماخوس اسم بلعربي مراد تيمّنا بالشهيدين محمد العربي بن مهيدي ومراد ديدوش، كما اختار رفيقه نور الدين الأتاسي اسم عبد الوهاب عبد القادر تيمّنا برائد المقاومة الجزائرية الأمير عبد القادر.
استقبلهم الدكتور التيجاني هدام، مسؤول القطاع الصحي في تونس، وبعد حصولهم على سلاح شخصي عبارة عن مسدّس ولباس خاص بالمجاهدين الجزائريين رفض الطبيب ماخوس البقاء وأصر على ضرورة الالتحاق بجبهات القتال على الحدود للمساهمة الميدانية في عمليات الإغاثة وإسعاف الجرحى ومداواة المرضى.
بعد اكتمال وصول الأطباء السوريين المتطوّعين وعددهم ستة قسموا إلى ثلاثة أفواج ليوزّعوا على النواحي والمناطق الممتدّة على طول الشريط الحدودي مع تونس، ووجّه الدكتور ماخوس رفقة زميله الدكتور نور الدين الأتاسي إلى الناحية الجنوبية ومقر قيادتها مركز تالة قرب مدينة الكاف التونسية، وهناك التقى بالطبيب المجاهد الدكتور بشير منتوري مسؤول عن قسم الجراحة في المركز. باشر الدكتور ماخوس مهامه الطبية بحماس كبير وشغف في خدمة الثورة الجزائرية وتقديم خبرته في معالجة الجرحى من جنود جيش التحرير ويروي أن عدد الجرحى كان كبيرا نظرا لشدة المعارك على طول الخط الشائك والمكهرب “خط شال وموريس” مقارنة بالإمكانيات المتوفّرة.
يذكر في شهاداته أنه تمكّن من استئصال رصاصتين من تحت الجلد لمجاهد أصيب في معركة عن طريق شفرة حلاقة. ويضيف في شهادته بكلّ فخر أنّ أحسن مرحلة في مساره المهني هي تطوّعه كطبيب في صفوف الثورة الجزائرية رغم المناصب العليا التي شغلها بعد عودته إلى بلده سوريا، حيث شغل منصب وزير الصحة سنة 1963 ثمّ وزير الخارجية سنة 1965 ونائبا لرئيس الوزراء لمدة سنتين من 1966 إلى 1968.
بعد الأحداث التي عرفتها سوريا والخلافات السياسية بين الرفقاء نهاية الستينيات فضّل الدكتور إبراهيم ماخوس اللجوء إلى الجزائر التي ساهم في دعم ثورتها، فانتقل إلى الجزائر واستقر بها واختار نسيان كرسي الوزارة والعودة إلى المشرط وغرف العمليات الجراحية، فكان له ما أراد ووجد مرة ثانية من استقبله بجبال الجزائر أثناء الثورة، المجاهد الطبيب بشير منتوري، يستقبله هذه المرّة في الجزائر المستقلة بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا، حيث عمل طبيبا جرّاحا إلى غاية تقاعده.
توفّى الدكتور إبراهيم ماخوس بالجزائر يوم 10 سبتمبر 2013 ودفن بمقبرة سيدي يحيى.