البعثات الدينية تؤطر مغاربة العالم في رمضان .. تقاليد عريقة ورعاية روحية
كعادتها كل سنة، تستبق المملكة المغربية شهر رمضان الفضيل بإيفاد بعثات دينية مختصة في تأطير الشأن الديني للمغاربة المقيمين بالخارج، في محاولة لمواكبة الشؤون الدينية لهذه الفئة.
وحسب ما أعلنت عنه “مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج”، فقد جرى برسم شهر رمضان 1444 هجرية الموافق لعام 2023 ميلادي، “إيفاد بعثة تضم 144 عضواً إلى عدد من الدول، تتضمن أساتذة جامعيين ووُعّاظاً ومُقرئين، وكذا مقرئين مكلفين بصلاة التراويح”، مفيدة بأن “مهامُّهم ستمتد إلى غاية 22 أبريل 2023”.
ووضعت المؤسسة هذه العملية في إطار “تنظيم برنامج للتوعية الدينية لمواكبة أفراد الجالية المغربية بالخارج ولفائدة أبنائها”.
وأكدت المؤسسة المذكورة، ضمن بلاغ اطلعت عليه هسبريس، أن “هذا البرنامج الرمضاني للتوعية الدينية سيواكب أفراد الجالية طيلة شهر رمضان الكريم” بدول أوروبية هي ألمانيا وبلجيكا وإسبانيا وهولندا والسويد وسويسرا والنرويج، فضلا عن كل من كندا والولايات المتحدة الأمريكية بأمريكا الشمالية، التي تعرف حضوراً متزايدًا لمغاربة العالم خلال السنوات القليلة الماضية.
ومقارنة مع السنة الماضية 2022، وفق معطيات أوردها البلاغ، سُجّل انخفاض واضح في عدد أعضاء البعثة الدينية الرمضانية ودول استقبالها.
وتم خلال العام الماضي، حسب المصدر ذاته، “إيفاد 252 عضوا واكبوا أفراد الجالية المغربية بالخارج طيلة شهر رمضان 1443 هـ، بدول فرنسا وألمانيا وبلجيكا وإسبانيا وهولندا وإيطاليا والسويد وبريطانيا وجبل طارق والدانمارك وسويسرا والنمسا وإيسلندا وهنغاريا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية”.
تقاليد عريقة
محمد موساوي، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، قال إن “إيفاد البعثات الدينية التأطيرية في شهر معظَّم عند المسلمين قاطبة، هو تقليدٌ عريق عند المملكة المغربية المتسمة بحركية دينية وعلمية من شتى بقاع الأرض، إذ إنه كما يرسِل المغرب علماء ووعاظ فإنه يستقبلهُم”.
وأضاف موساوي: “هي بعثات لم تتوقف منذ استقرار مواطني المغرب بكثافة في عدد من البلدان، ما يؤكد أنها مملكة لا تنسى جاليتها”، موردا: “مثل ما يُقام داخل المغرب من تنشيط للمساجد خلال رمضان، فإن أفراد الجالية من حقهم أن يُنظَر إليهم وأن يُؤطَّرون دينياً”.
وأوضح موساوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “أدوار الوعاظ والمقرئين الموفَدِيـن تتوزع بين إمامة صلاة التراويح وأنشطة الوعظ والإرشاد عبر مجموعة دروس تواكب اهتمامات وتساؤلات أفراد الجالية المغربية والمسلمة بشكل عام”، مشيرا إلى أن “هذه البعثات تكون في شكل أفواج تنتقل بين المساجد أسبوعياً خلال فترات متعددة من اليوم طيلة الشهر المبارك (بين صلاتيْ العصر والمغرب، والمغرب والعشاء، وكذا بعد صلاة الفجر).
تقوم البعثة المغربية بـ”التذكير بالقيم الإسلامية العظيمة وكل ما يتعلق بشهر رمضان من استفسارات فقهية تخص العبادات والمعاملات على حد سواء”، يورد رئيس اتحاد مساجد فرنسا، لافتاً إلى أنها “مواضيع تجمَع شمْل المسلمين وتوحّد صفوفهم وتذكّرهم عبر التحسيس حول القيم الكبرى والتنبيه إلى بعض المساوئ في حياتهم ببلدان الإقامة”.
وأجمل القول: “هي عموماً دروس ومواعظ تأطيرية تخص كل ما يتعلق بإصلاح الفرد وإصلاح شأنه أخلاقياً وروحياً”، راصداً “إقبالا كبيراً جدا على المساجد في أغلب دول أوروبا في ظل استعداد ذهني للتدبّر والتعمق في شؤون دينهم. وهذا سبب اختيار شهر رمضان لإيفادهم”.
العدد الأكبر في فرنسا
تفاعلاً مع سؤال لهسبريس عن تقليص عدد المؤطرين الدينيين هذه السنة وتوزيعهم الجغرافي، ميّز رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بين “البعثات الدينية الرمضانية لتأطير الجالية التي ترسلها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، ونظيرتها التي تشرف عليها مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج”.
ولفت في هذا الصدد إلى أن “صدور بلاغ هذه الأخيرة المتضمن لعدد 144 فقط، كان قبل الموافقة المبدئية التي أعطيَت من طرف السلطات الفرنسية لدخول ما بين 50 و60 واعظا ومقرئاً، يشكلون العدد الأكبر مقارنة بدول أوروبية أخرى”، حسب إفادة موساوي.
“الرعاية الروحية” للجالية
سبق لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية التأكيد، في جلسة للأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين في فبراير المنصرم، أن “تأطير الحياة الدينية لمغاربة العالم حاضر ومتواصل لدى الوزارة التي تسعى جاهدة لتحقيق الرعاية الدينية والروحية لأفراد الجالية”.
وأشار التوفيق إلى إحداث “المجلس العلمي المغربي لأوروبا الذي يعنى بحماية وصون الهوية الدينية والثقافية للمغاربة، وفتح قنوات التواصل والتعاون مع الهيئات الرسمية المتمثلة في السفارات والقنصليات، وكذا مع جمعيات ممثلي المساجد التي يسيّرها المغاربة، باعتبارها الجهة المخاطبة للسلطات المكلفة بتدبير الشأن الديني، وخلق شراكات معها لتحقيق مشاريع لصالح الجالية”.
وأورد أن عدد الأئمة والوعاظ الذين سيتم إيفادهم خلال رمضان 2023 سيتجاوز 400، موزعين على تسع دول، مؤكدا “تزويد الجمعيات العاملة بالمساجد بالمصاحف، حيث تم توزيع 150 ألف مصحف، فضلا عن تكثيف الزيارات الميدانية إلى بعض المراكز الإسلامية للوقوف على حاجيات المواطنين”.
كما نبه إلى أن “الجيل الثالث من المهاجرين المغاربة يحتاج إلى مجهود أكبر على مستوى الإعلام، ومخاطبته بلغة جديدة تجعله يقتنع بأن الدين في صالحه”.
وتخصص الوزارة الوصية اعتمادات مالية سنوية لمساعدة الجمعيات المهتمة بالتأطير الديني للجالية في بناء المساجد وتجهيزها ودعم التأطير الديني، بلغت 104 ملايين درهم سنة 2022، استفادت منها 18 جمعية.
المصدر: هسبريس