التغطية الصحية الشاملة بالمغرب توجد في “الخطاب الرسمي”
مازالت سفينة التأمين الإجباري عن المرض الذي يسعى المغرب إلى تعميمه، من أجل توفير الرعاية الصحية لـ22 مليون مواطن، لم تستو بعد على بر الأمان، إذ مازالت تواجهها عدد من التحديات، وفي مقدمتها التمويل.
في هذا الحوار مع هسبريس، يتحدث سعد الطاوجني، خبير في سياسات الحماية الاجتماعية وتدبير المؤسسات الصحية، عن الصعوبات التي تعيق تحقيق الأهداف المتوخاة من التأمين الإجباري عن المرض، معتبرا أن المنهجية التي بُني عليها هذا البرنامج غير سليمة.
إضافة إلى ذلك، يرى الطاوجني، الذي اشتغل مع مؤسسة محمد السادس للتنمية المستدامة في قطب المستشفيات التي شيدها المغرب في إفريقيا، أن الأرقام التي تتحدث عنها الحكومة غير دقيقة، لاسيما في الشق المتعلق بتمويل البرنامج.
هذا نص الحوار:
شرع المغرب في تنفيذ برنامج الحماية الاجتماعية ومنه التغطية الصحية. هل سيضمن هذا البرنامج رعاية صحية لائقة للمغاربة؟
لا بد من الإشارة أولا إلى أن النظام الحالي ليس تغطية صحية شاملة، التي تعني في أدبيات منظمة الصحة العالمية أن المريض لا يجب أن يصير فقيرا بسبب العلاج؛ أي إن من حق جميع المواطنين الاستفادة من الرعاية الصحية سواء كانت لديهم القدرة على الأداء أم.
التغطية الصحية الشاملة لا توجد عندنا في المغرب إلا في الخطاب الرسمي، ولكن في الواقع هناك تأمين إجباري عن المرض، أي إننا في خضم نظام تأميني فيه تعدد للمؤسسات، وأيضا تعدد للمستفيدين.
التأمين الإجباري عن المرض هو المفهوم المستعمل في مختلف النصوص القانونية، ويعني أنّ على المواطن أن يؤدي مساهمات شهرية مقابل الاستفادة من التعويض عن العلاج أو الأدوية.
أما في ما يتعلق بنجاح البرنامج فإن هناك ملاحظات لا بد من تسجيلها بشأن المنهجية المتبعة في إعداده، إذ لم يتم وضع منهجية جديدة، بل تم بناؤه على أساس القانون 98.15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين، والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، بعد تحيينه.
عندما نكون بصدد إنجاز مشروع ضخم، كيفما كان نوعه، لا بد أن تكون لدينا دراسة معمقة قائمة على معطيات دقيقة، لبناء رؤية واضحة من أجل الإحاطة بالمشروع الذي نحن بصدد إنجازه بشكل شامل، وتفادي الثغرات والنواقص التي من شأنها أن تحد من فعاليته.
حين نسأل المدراء التنفيذيين للمؤسسات التي ستشرف على تنفيذ برنامج التغطية الصحية الإجبارية، وباقي الفاعلين المعنيين، من فرقاء اجتماعيين، ومسؤولين سياسيين، وغيرهم، عن الدراسة التي بني على أساسها هذا البرنامج، وما إن كان قد تم إشراكهم في إعداده، لا نحصل على إجابة شافية.
لو كانت لدينا منهجية جيدة لما كان على الحكومة أن تشرع في اقتطاع مساهمات المواطنين الذين يستفيدون من التأمين الإجباري عن المرض قبل توفير العرض الطبي الكافي على جميع المستويات.
وعموما، يمكن القول إن البرنامج لا يمكن أن ينجح بالشكل المطلوب بالمنهجية المتبعة حاليا.
هل يعني ذلك أن البرنامج أُعد بشكل متسرع؟
كما قلت سلفا لم نطلع على أي دراسة لوضع تصور واضح. ما حصل هو أنه تم تسريع عملية إصدار المراسيم التطبيقية، ولكن المنهجية لم تتغير.
هنا أتساءل عن المعيار الذي اعتمدته الحكومة لتحديد المساهمة الشهرية للمهنيين الخواص. لا يمكن أن نحدد مساهمة الأطباء، مثلا، في مبلغ معين ونطبقه على جميع الأطباء، بناء على دخل جزافي معين، دون مراعاة فوارق مداخيلهم؛ فمدخول الطبيب الذي لديه مصحة في مدينة الدار البيضاء ليس هو مدخول الطبيب الذي يشتغل في مدينة صغيرة، وهذا ما أدى إلى ردود فعل رافضة من الأطباء في البداية.
الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أنفق إلى حد الآن عشرة ملايين درهم من أجل التواصل مع المواطنين بهدف إقناعهم بالانخراط في نظام التغطية الصحية الإجبارية، وهذا يعني أن هناك صعوبة في إقناع المواطنين بالانخراط في هذا البرنامج؛ فلو كان هناك عرض جيد، وفي المستوى المطلوب، لأقبل عليه المواطنون بشكل تلقائي، ولكن في ظل غياب منهجية واضحة صعُبت عملية الإقناع.
هناك إشكال آخر يتعلق بعدم توحيد التعريفة المرجعية للعلاجات، إضافة إلى أن شركات التأمين لديها سقف للتعويضات في حدود خمسين ألف درهم في السنة؛ وإذا أردنا تمتيع جميع المواطنين بالتغطية الصحية اللائقة فينبغي إعادة النظر في هذه الأمور من أجل منظومة تأمين تشتغل وفق منهجية موحدة، وذلك عبر تحديد المفاهيم المتعلقة بسلة العلاجات ونسب الاسترجاع ونسب المساهمة والسقوف، لكي يتمتع جميع المواطنين على قدم المساواة بالحق في الرعاية الصحية.
هل تكفي الاعتمادات المالية التي رصدتها الحكومة لإنجاح هذا الورش؟
هنا أعود إلى مفهوم التغطية الصحية الشاملة، الذي يعني أن التمويل يجب أن يتم بطريقة لا تجعل المواطن الذي لا يقدر على أداء مساهماته الشهرية، لسبب من الأسباب، كأن يُطرد مثلا عن العمل، يُحرم من الرعاية الصحية، هو وذوو حقوقه، لأن مفهوم التغطية الصحية الشاملة هو أنها تغطية دائمة.
الأرقام الموجودة في الميزانية العامة للدولة برسم سنة 2023 تتحدث عن غلاف مالي للحماية الاجتماعية بقيمة عشرة ملايير درهم، يموَّل به 140 برنامجا اجتماعيا، وقد سُحبت منه 9.5 مليارات درهم مخصصة للمستفيدين سابقا من نظام المساعدة الطبية “راميد”. إذن ماذا تبقى للحكومة لتعطيه للأرامل وذوي الإعاقة وغيرهم من الفئات الاجتماعية المستحقة للدعم.
الميزانية المخصصة لقطاع الصحة والحماية الاجتماعية مازالت ضعيفة، إذ لا تتعدى 7 في المائة من الميزانية العامة، رغم رفعها من 23 مليار درهم إلى 28 مليار درهم، ثمانية ملايير منها مخصصة للاستثمارات، ولكن الأطر الصحية مازالت تتلقى أجورا هزيلة، وتعويضات عن الحراسة والخدمة الإلزامية المحددة في 16 ساعة بـ96 درهما، أي بمعدل 6 دراهم للساعة. وتتساءل الحكومة لماذا تهاجر الأطر الصحية.
هناك منافسة عالمية لاستقطاب مهنيي الصحة من أطباء وممرضين وتقنيين، إذ يعاني العالم من خصاص كبير يقدر بثمانية عشر مليون مهني صحي. وعندما ننظر إلى مؤشر دخول وخروج الأطباء من وإلى المغرب نجد أن عدد الأطباء الذين يغادرون أكبر بكثير من عدد الأطباء الأجانب الوافدين، إذ يقدر عدد المغادرين بما بين 600 و700 طبيب كل سنة.
يشتكي كثير من المغاربة من ضعف التعويض عن العلاجات والأدوية، وهناك من يُرجع سبب ذلك إلى نفوذ “لوبيات التأمين”، هل ترى أن هذا صحيح؟
من حق شركات التأمين أن تدافع عن مصالحها، لا جدال في ذلك، لكن في الآن نفسه يجب على الدولة أن تقوم بدورها في ضمان مصلحة المواطنين وحماية حقوقهم. يجب على المسؤول السياسي أن يقوم بدوره.
السوق المغربية ليبرالية يحكمها قانون العرض والطلب، لكن على الدولة أن تقوم بعملها في ضبط السوق وتنظيمه، عن طريق تفعيل المراقبة والتدخل حين تكون هناك تجاوزات كبيرة.
وماذا عن غلاء الأدوية؟
تقرير المجلس الأعلى للحسابات أعطى نسبة ربح جميع المتدخلين في سلسلة الدواء منذ خروجه من المصنع، ولكن بالمقارنة مع دول أخرى نجد فعلا أن سعر الدواء في المغرب مرتفع؛ والمشكل متعدد الأبعاد، فهناك ضعف استعمال الدواء الجنيس مثلا، حيث تصنع المختبرات أدوية متطورة ولكن في السوق نجد أن الدواء القديم هو الذي يباع للمواطنين.
نحن لا نقول إن الشركات لا يجب أن تربح، ولكن لا بد من مراقبة السوق لحماية مصلحة المواطنين.
المصدر: هسبريس