اخبار السودان

مستقبل العملية السياسة ما بعد الإطاري «5»

مجدي عبد القيوم (كنب)

التطورات في المناخ الدولي غيرت موازين القوى داخليا

الصراع الآن بين التيارين التأسيسي والسلطوي

ستصبح حكومة تصريف واقعا حال لم تتفق القوى الفاعلة

التضارب في التصريحات يعمق الأزمة 

هل يأخذ حزب الامة مسارا مختلفا

لا مناص من الحوار السوداني السوداني

يبدو أن المشهد السياسي داخليا يتجه نحو تغيرات كبيرة ستحدث زلزالا سياسيا ربما تجاوزت آثاره الزلزال الذى ضرب تركيا وادى لتلك الكارثة الإنسانية،
هناك مؤشرات عديدة اهمها ذوبان حاجز الجليد بين الفريق البرهان والفريق حميدتى.
في التقدير انه ليس هناك خلافا في القضايا ولكن الخلاف حول منهج وطريقة التعاطى معها فالطرفان مثلا متفقان في القضية المتصلة بالخروج من السياسة، ولا خلاف بينهما فيما يتصل بعملية اصلاح المؤسسة العسكرية وهذا الاتفاق في القضايا الجوهرية ليس اختيارا ذاتيا محضا بالنسبة لهما لكنه تتداخل فيه عدة عوامل موضوعية داخلية وخارجية لذلك فما يبدو أنه تنازع بين الرجلين تتداخل فيه كل تلك العوامل وفي تقديري أن الاتفاق الآن بين الرجلين أسهم فيه إلى حد كبير التطور المتعاظم في محيط البيئة الاقليمية ومؤكد ان المشهد السياسي داخليا لا ينفك عن التطورات على مستوى العالم سيما بعد الحرب الروسية الأوكرانية و التي جعلت السودان في قلب الأحداث لسببين أساسيين هما الموقع الجغرافي وامتلاكه لموارد متنوعة ضخمة غير مستغلة وبالتالي هو محور أساسي في الصراع الدولي على الموارد والممرات المائية وطرق أو سلاسل الإمداد وكذلك التغير الكبير في شكل الأنظمة الحاكمة أو الحكومة التقليدية.

هذا التطور فى العلاقة بين راسى السيادة عدل تماما من شكل التحالفات بين الفاعلين، كذلك من بين تلك المؤشرات التحركات المتسارعة لحزب الامة الذى بدأ أنه قد وطن نفسه على استعادة دوره الريادى.

وايضا تحركات رعاة ما سمى بالعملية السياسية فى اتجاه إكمال المرحلة النهائية وصولا لتشكيل حكومة مدنية بناء على اتفاق سياسي نهائى فهل تمضى الامور إلى نهايتها المنطقية وفقا لهذه التطورات أم أن سياسة وضع العصى فى الدواليب التى أدمن ممارستها البعض ستستمر.

الشاهد أنه ليس هناك حتى الان اتفاقا سياسيا يمكن وصفه بعريض القاعدة بين القوى الفاعلة بمختلف قطاعاتها من الممكن أن يفضى لتشكيل حكومة مدنية مستقرة لأن الخلاف حول العديد من قضايا الانتقال الرئيسية لا زال قائما بل وحتى الوثيقة الحاكمة دستوريا للانتقال ليس هناك اتفاق حولها
فى ظل تعنت بعض الاطراف واصرارهم على ممارسة منهج الاقصاء والانتقائية يظل هذا الاحتمال ضعيفا إلا حال تغيير فى القيادة وهذا نفسه لن يتأتى إلا حال تمت عملية صياغة كاملة للتحالف نفسه كابنية وهياكل.

هذا يجعل الحديث عن حكومة تصريف الأعمال كمرحلة تمهيدية داخل الانتقال نفسه أمرا منطقيا وربما خيارا وحيدا لتجاوز عقبات هذه القضايا و توقعنا هذا منذ نهاية العام الفائت وكتبنا ذلك فى المقال رقم (٤) من سلسلة بعنوان الأزمة السياسية وآفاق الحل نحو الطريق الثالث، وهذه قطعا ليست نبوءة بل لأن تحليل الاحداث يقود إلى هذه الفرضية وربما شكلت مخرجا ينهى حالة الانسداد الحالية سيما فى ظل اختلاف القوى المدنية نفسها احكومة كفاءات مستقلة أم “كفاوات” وطنية كما يشتهر عشاق الاستقرار من قادة المجلس المركزى على ما بتجربتهم السابقة من بؤس وفقر فى الأداء.

أن المرء ليحتار “حيرة مقتفى الأثر عند حافة النهر” على حد الوصف عميق الدلالة للراحل الخالد محمد ابراهيم نقد وهو يرى ان فاشلا بامتياز لا زال مصرا على تجربة لا يملك مقومات خوض غمارها.

بيان الثلاثية بتاريخ ٣٠ يناير ٢٠٢٣ قال بوضوح أن هذه المرحلة من العملية السياسية يجب أن يشارك فيها الجميع سواء الموقعين على الاطارى أو غير الموقعين بل مضى أبعد واشار لضرورة التشاور حتى مع الذين اعلنوا رفضهم للحوار من حيث المبدأ، بالتالى الثلاثية اطرت للمرحلة ولا اعتقد ان هناك من يرفض توسيع قاعدة المشاركة إلا لاغراض المصالح الحزبية أو ربما الشخصية.

فربما كان هناك من يجير مواقف تنظيمه لمصلحته وهذا وراد في حالات التدخلات الخارجية كما هو معلوم في السياسة لأن الاطراف الخارجية التي تسعى لتأمين مصالحها تفتح الباب أمام المساومة لتمرير اطروحتها سيما في حالات التنافس بين اطراف متعددة سواء دولية أو اقليمية كما هو الحال الآن وهذا العامل هو نفسه الذي يشكل جوهر الصراع الذي يتمظهر فى شكل خلافات داخل التنظيمات نفسها ويمكن الاعتداد باليات حسم الصراع داخل الاحزاب؟ أو اليس هذا مؤشرا !!!

إذا كيف يمكن أن نفسر سلوك سياسي يزعم أنه ينافح لاجل الديمقراطية و يقاتل ضد الدكتاتورية وهو يقمع الرأي الآخر في الوقت نفسه بشكل ممنهج داخل تنظيم.

في تقديرى أن هذا ليس من باب التناقض بين النظرية والسلوك كمرض يصيب كثير من الادعياء لأسباب عدة من بينها الخشية من المنافسة مثلا أو التخلص من القيادات المؤثرة سيما حال كان القائد يعاني ضعفاً في القدرات يشعره بمركب النقص إنما ينبغي البحث في جذوره الاساسية صحيح أن هذا ليس حكماً مطلقا لكنه موجود.

معلوم بداهة أن الإتفاق الإطاري هو بمثابة إعلان حول قضايا أساسية بين طرفين أو عدة أطراف يتم لاحقا مناقشة القضايا التي أشتمل عليها بتفصيل وبالتالي أي جهة توافق على ما تم التوافق عليه من الممكن أن تنضم إليه ودونك إعلان قوى الحرية والتغيير نفسه الذي وقعت عليه في البداية اربعة مكونات فقط ثم لاحقا وصل العدد إلى(78) منظومة.

السؤال ما الذي يجعل المركزي يصر على إغلاق الإطاري بالشمع الاحمر بذريعة عدم اغراق العملية السياسية؟ أو يرفع شعار لا للفلول قميص عثمان بالنظر إلى قبوله لاسياد الرصة والمنصة؟ والاجابة لا تحتاج لذكاء.

إنه العقل السلطوي والصراع على “الكيكة” لأن منطق الاشياء والفقه السياسي يقولان بوضوح أنه كلما كانت قاعدة أي اتفاق اعرض كلما كانت فرص نجاحه وما يترتب عليه أكثر.

السؤال هل قوى المركزي التي نعرفها والتي تصر على عدم توسيع قاعدة الاتفاق حتى من التي قبلت الحوار أو التفاوض مع المؤسسة العسكرية أو ما تسميه هي العملية السياسية هروبا من التسمية الحقيقة هل من الممكن أن تشكل حكومة مستقرة؟لا أعتقد هذا دون حتى الأخذ في الإعتبار الكتل الرافضة للحوار من حيث المبدأ وهي قوى مؤثرة جدا و تقف على ناصية الشارع على أهبة الاستعداد ولعل المؤشرات تقول بانها أعدت ادواتها جيدا وتمضى في ذلك بهدوء إستعدادا لمعركتها الفاصلة في اسقاط الانقلاب وربما انضمت اليها كثير من القوى الحية والشخصيات التي قبلت بالحوار لكنها سئمت واستيأست من منهج عمل المركزي وحتى سلوك كوادره داخل التنظيمات المشكِلة للتحالف.

أن واقعة تحوير التصريح الذى نقل مخرجات اجتماع الالية والرباعية ورئيس مجلس السيادة ونائبه والقوى المدنية أمس الأربعاء ١٥ مارس والذى ادلى به الناطق باسم العملية السياسية تدلل على عمق ازمة القيادة وتبرهن بالدليل القاطع أن الحوجة ماسة لقيادات مؤهلة وقادرة على اخراج البلاد من الازمة لا ان تعمقها بتصرفات صبيانية تنم عن ضعف الاحساس بالمسؤولية.

أن هذه الحادثة ما كان ينبغى أن تمر هكذا سواء من قبل الوسطاء أو مجلس السيادة بل كانت على أقل تقدير تقتضى تصحيح بيان العملية السياسية ببيان ثانى من مجلس السيادة.

لا زالت قوى المركزى تمارس الانتقائية فهى تتحدث عن ضرورة المساهمة فى رتق فتوق القوى السياسية وحالة التشظى التى صارت ملمحا اساسيا وتاسيسا على هذا الزعم ترفض توسيع ماعون الاطارى ولا يحتاج الأمر لفطنة ليكتشف خطل هكذا قول ولا اسبابه الحقيقية فيكفى أن تجيل البصر كرة لا اثنتين ليرتد اليك خاسئا وهو حسير متسائلا أو اليس جناح السيد محمد الحسن فى العرف التنظيمى منشقا وكذا الحركة الشعبية التيار الثورى الديمقراطى والذى يمكن القول انه اكتسب عضويته فى المجلس المركزى بوضع اليد لانه لم يقدم طلبا للانضمام للمركزى بعد المفارقة بالحسنى مع التنظيم الأساسي
هذا قطعا لا يقدح فى ثورية ولا قدرات كوادر التيار الثورى الديمقراطى ولا فى نضالاتهم.

أن هذه الحالة تثبت بما لا يدع مجال للشك أن المجلس المركزى تحالف يقوم على منهج وفلسفة السيولة التنظيمية ليس عن عدم دراية انما اتساقا مع منهج اختطاف القرار.

هذا الحديث عن الحرص على وحدة القوى السياسية دعوى زائفة تنطلى على أحد وهو
يندرج فى إطار منهج التضليل والاستهبال السياسي الذي يطبع عمل المجموعة المتنفذة التى تختطف بالوكالة قرار المركزي أو بالادق اختطاف القرار الوطني من قبل قوى اقليمة تدخل أصابعها عميقا في الشأن الداخلي للبلاد حماية لمصالحها
الصراع الآن فى جوهره بين تياري العقل التأسيسي والعقل السلطوي الذين يركن للعقل الرعوي أو ذهنية “سلوك الغنيمة” على قول الدكتور النور حمد وقطعا هو يمثل ظلا أو انعكاسا للصراع الدائر الان على مستوى البلاد بين التيارين
من الأهمية بمكان العمل على هزيمة هذا التيار وابعاده عن المشهد وهذا لن يتاتى إلا بهزيمته داخل تنظماته وكشفه وتعريته وهى معركة لابد من ان تخوضها قوى التيار التاسيسى ايا كانت كلفتها.

المعلوم أن قوى مركز الحل الجذري الذي يقوده الشيوعي وتنظيماته يتبنى موقفاً واضحاً ويسعى لإسقاط الانقلاب وهو قطعاً مركز مؤثر جدا كذلك تدعمه قطاعات واسعة من لجان المقاومة إضافة إلى مجموعات لجان المقاومة التي تتبنى ميثاق سلطة الشعب وكذلك حزب البعث الأصل إضافة إلى حركة الأستاذ عبد الواحد محمد نور وقطاع واسع من التشكيلات المهنية والمطلبية هذه المجموعات والقوى مؤثرة جدا ولا يمكن تجاوزه.

اذا ظلت هذه القوى بمنأى عن الاسهام فى حل الازمة الوطنية بالكيفية التى يرونها فحتما لن يحدث اى نوع من الاستقرار التى حكومة تتشكل.

تطورات المشهد الداخلى الاخيرة تندرج فى سياق التطورات فى المشهد الدولى والذى غير شكل التحالفات والذى تمظهر فى التقارب الايرانى السعودي
انعكس هذا على المشهد داخليا وأثر فى توازن القوى وبالتالى افرز حراكا فى شكل التحالفات السياسية من بين هذه المؤشرات اللقاء الذى تم فى منزل الاستاذ مناوى وشارك فيه حزب الأمة شكل تقاربا بين الكتلة الديمقراطية والمجلس المركزى بالنظر إلى ثقل حزب الامة خاصة أن اللقاء حضره من حزب الأمة إلى جانب رئيس الحزب فضل الله برمة الدكتورة مريم والفريق م صديق اسماعيل وعلى الرغم من التصريح الصادر عن السيد برمة والذى اكد فيه على عدم تأثير اللقاء على التزام الحزب بالعملية السياسية إلا أننى اعتقد انه تصريح تطمينى وان تداخل فيه عنصر صراع التيارات داخل حزب الأمة.

فى تقديرى ان اللقاء سيكون له ما بعده ويبدو ان حزب الأمة يتجه إلى لعب الدور الاساسي كحزب من الوزن الثقيل ينبغى ان يقود المشهد لا ان ينقاد إلى مواقف سياسية لقوى تحالف لا يؤبه بها فى خلق الاستقرار السياسي الذى تحتاجه البلاد
ما يؤكد ذلك لقاء حزب الأمة بالحزب الشيوعى الذى صدر عنه تصريح مشترك بين الحزبين والذى تناول قضايا السلام والسيادة الوطنية وقضايا البناء النقابى الديمقراطى وهى قضايا مركزية بالنسبة للشيوعى كما تناول القضايا التى تتباين فيها مواقف الحزبين فحزب الأمة يدرك جيدا الثقل السياسي للشيوعى فى صناعة الاحداث سيما ان استعداد الشيوعى لخوض الانتخابات المهنية بعث برسائل واضحة بأنه قد اعد العدة جيدا فى معركة لإسقاط الانقلاب والقوى المتحالفة معه ونقل المعركة إلى ملعبه الاثير
هذا اللقاء فى ثناياه أن حزب الامة كسر الطوق متجاوزا قرار المركزى بعدم اللقاء مع الشيوعى وهو فرمان لا يتقيد به حزب أو منظومة تحترم نفسها مهما تضاءل حجمها دعك حزب فى ثقل حزب الامة
ولا يمكن كذلك إغفال اللقاء الذى تم بين الدكتور فولكر بريتس والأستاذ كمال الجزولى وان أتى فى سياق التحضير لملف العدالة الانتقالية باعتبار أن الدكتور كمال الجزولى من ابرز الخبراء فى قضايا العدالة الانتقالية، وهذا كله متوقع وتم التمهيد له ببيان الثلاثية الصادر فى ٣٠ يناير ٢٠٢٣.

فى التقدير أن التطورات فى المشهد ستتوالى وستفرز واقعا مختلفا تماما، ويظل المخرج من الازمة الذى مناص منه هو الحوار السودانى السودانى بمنصة وطنية لا يستثنى احدا من القوى الداعمة للانتقال والتحول المدنى على تعمل الثلاثية كميسر وتكتفى بالدعم الفنى واللوجستى وتبتعد عن دس انفها فى الشان الداخلى إلا بالقدر الذى اتى فى كتاب تفويضها ومن قبل أن تلتزم الحياد.

ولكن السؤال الذى يفرض نفسه هو هل القيادة السياسية الحالية للقوى المدنية التى تدير ما تسميه بالعملية السياسية مؤهلة لذلك؟ وهل تحالف قوى الحرية بعد كل هذا التأكل قادر على إدارة الأزمة الوطنية؟ أم أن واقع الحال يقتضى تحالف وقيادة مختلفين؟ هذا ما نحاول الاجابة عليه فى المقال التالي.

مستقبل العملية السياسية ما بعد الإطاري «4»

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *