مسؤولون وفاعلون يناقشون “حكامة تمويل مشاريع الماء” وحِدة تغيرات المناخ
إجماع وتجديد عهد وتأكيدٍ على أهمية التمويل بالنسبة لمشاريع “استدامة الموارد المائية”، ولـ”مواجهة حدة ظواهر التغير المناخي التي تزداد تطرفا؛ لا سيما الجفاف وندرة التساقطات المطرية وشح المياه الجوفية”، تمخضت عنه فعاليات مائدة مستديرة التأمت بعنوان “أية حكامة للماء في سياق يتسم بالندرة؟”، مساء الخميس 16 مارس الجاري بتنظيم مشترك بين “بنك المغرب” و”الائتلاف المغربي للماء” (COALMA).
أشغال المائدة المستديرة حضرَها وشارك فيها خبراء باحثون في قضايا الماء، إضافة إلى مسؤولين عموميين وفاعلين خواص، سواء من بعض البنوك المغربية الرائدة في تجارب “التمويل الأخضر” أو من شركات التدبير المفوض للماء الشروب والتطهير السائل بأبرز المدن، فضلا عن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.
وانقسمت جلسات النقاش إلى اثنتيْن؛ أولاهُما تساءلت بعنوان “ما الحكامة المعتمدة من أجل ضمان الأمن المائي؟”، قبل أن تشهد نقاشا متميزا في محاولة للإجابة كل من موقعه، بمشاركة مسؤول يمثل وزارة التجهيز والماء، وآخر عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب، فضلا عن مسؤولة التمويل المستدام بـ”بنك أوف أفريكا”، ومديرة التنمية المستدامة بصندوق التمويل التابع لصندوق الإيداع والتدبير “Capital CDG”.
من جانبها، قاربت جلسة النقاش الثانية “الممارسات الفضلى لحكامة مسؤولة ومستدامة للموارد المائية”، عبر مداخلات متعددة أغنت النقاش العمومي حول الموضوع، تعاقَبَ على إلقائها مسؤولون بوكالات الحوض المائي والوكالة المغربية للنجاعة الطاقية وشركات التدبير المفوض لخدمات محلية (ريضال، ليدك، وفيوليا)، فضلا عن ممثلة بنك المغرب (قسم “المسؤولية الاجتماعية للمقاولات”).
“حيوية الماء” حياة ونقاشا
في كلمة مهدت لأشغال المائدة النقاشية، اعتبر عبد الرحيم بوعزة، المدير العام لبنك المغرب، أن “النقاش حول الماء باعتباره جوهر الحياة يكتسي راهنية بالغة الأهمية”، واضعا سياق النشاط ضمن تبعات ما عرفته المملكة من “سياق إجهاد مائي غير مسبوق خلال 2022”.
“لعل كثيرين يتساءلون عن العلاقة التي قد تربط بين الماء والبنك المركزي؟”، هكذا ساءل بوعزة أهمية الموضوع، قبل أن يُعدد بعض عناصر الإجابة الممكنة. وقال بهذا الشأن: “أولا، نهتم في بنك المغرب لموضوع الماء انطلاقا من المسؤولية الملقاة على عاتقنا كمؤسسة مالية استراتيجية (لاسيما ضمن شق المسؤولية الاجتماعية للمقاولات RSE).
وأشار المدير العام لبنك المغرب إلى التقرير السنوي لهذا الأخير، موردا بأنه “تضمن تنبيها إلى إشكالية هشاشة التغيرات المناخية بالمغرب 2021″، لافتا إلى أن “مواجهة شح الموارد المائية تظل مجهودات غير كافية تعاني عدم الانسجام والالتقائية”.
وزاد موضحا التزام بنك المغرب بالعمل على إشكالية الماء، من خلال “ميثاق عقلنة الماء في مواقع وبنايات البنك المركزي، المعتمد خلال يناير 2023″، مشيرا إلى “جهود غير فاترة تهم تحسيس الفاعلين في المنظومة المالية”.
مواجهة المخاطر المناخية برؤية مالية
المسؤول ذاته لفت، في معرض حديثه، إلى “ضرورة مواكبة الاستثمار في البنية التحتية المائية (محطات تحلية، معالجة مياه عادمة، سدود..) بالتمويل اللازم؛ بل الأهم من ذلك هو كيف نعبئ هذه التمويلات في ظل دعوات متزايدة لعقلنة استعمال المياه في السقي كما الشرب”.
وزاد شارحا: “الأنظمة المالية تلعب دور تمويل محوريا في استثمارات مجابهة التغيرات المناخية وضمان الاقتصاد الأخضر”، محذرا من “ترسيخ دوامة الركود التضخمي الاقتصادي وغلاء المواد الفلاحية والغذائية بسبب الجفاف الهيكلي”.
كما كشف “عمَل بنك المغرب على تحليل أثر التغيرات المناخية على التنوع البيولوجي”، لافتا إلى “مخاطر المناخ التي تضغط الأنظمة المالية، لاسيما في ظل إجهاد مائي هيكلي حذر منه البنك الدولي”.
تحديات الحكامة والندرة
من جانبها، لم تُغفل حورية التازي صادق، رئيسة الائتلاف المغربي للماء، وضع سياق النقاش الحالي المنظم “عشية الاحتفاء باليوم العالمي للماء في 22 مارس، وكذا قبيْل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة حول الماء، بعدما أصبح قضية دول الشمال أيضا، مع مسار دولي للتفكير”.
“الحكامة ليست تهيئة التدبير فقط، ولكنها عمل مستمر متواصل في مسار التطور”، شددت رئيسة الائتلاف المذكور، قبل أن تشرح بأن الأهم في الحكامة هو “طرح أسئلة مَن يفعل ماذا ومَع من؟”.
وفي محاولة للإجابة، قالت التازي إن “الحكامة والندرة مفهومان يطرحان تحديات متشابكة معقدة”، لافتة إلى علاقة الماء وتدبير ندرته بضمان الأمن الغذائي والطاقي في ظل التطور الديمغرافي المتسارع وضمان السلم الاجتماعي”.
ووصفت الماء بأنه “صار رهانا جيوسياسيا” يتوزع تدبيره المحكم بين ثلاثة أطراف: “الفاعلون والمستهلكون والممولون”، قبل أن تقرع جرس الإنذار بخصوص “خسارة نقاط من الناتج المحلي الإجمالي للدولة في حالة عدم التحرك لمجابهة تزايد الهجرة المناخية مع توقعات بـ200 مليون مهاجر بسبب المناخ بحلول 2050”.
رئيسة “ائتلاف الماء” دعت إلى “استعجال التحرك بمسؤولية والتقائية بين الفاعلين كل من موقعه”، خاتمة بأن “الماء أولوية الأولويات”.
المصدر: هسبريس