بعد مصالحة السعودية.. هل يستعيد السودان العلاقات مع إيران
عودة علاقات السعودية وإيران، بعد قطيعة تجاوزت السبع سنوات، ستعيد ترتيب مشهد المحاور الإقليمية، بما فيها مجريات الأحداث في السودان وعلاقات الخرطوم وطهران بحسب مراقبين.
التغيير الخرطوم: علاء الدين موسى
بعد قطيعة دامت لأكثر من سبع سنوات، أعادت السعودية وإيران علاقاتهما الدبلوماسية، بعد وساطة صينية لإنهاء الخلاف بينهم، ويرى مراقبون أن الخطوة قد تكون حافزاً لعدد من الدول العربية لإعادة العلاقات، وفي مقدمتها السودان الذي قطع علاقته مع إيران فور إعلان المملكة قطع العلاقات مع إيران، فهل يفعل السودان ذلك، أم يبقى الوضع على ما هو عليه لحين تشكيل حكومة مدنية؟
دور بكين
وجرى الاتفاق بمبادرة من الرئيس الصيني لتطوير علاقات حسن الجوار بين الرياض وطهران، بعد استضافة بكين مفاوضات مكثفة بين أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ونظيره السعودي، مساعد بن محمد العيبان يومي 6 و10 مارس، تمخضت عن إعلان اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما.
ويرى مراقبون أن اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية يسلط المزيد من الضوء على الدور المتنامي لبكين في منطقة الشرق الأوسط، بعد تعهدات الدول الثلاث بحرصها على بذل كل الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.
وبحسب بيان ثلاثي، اشتمل اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية على إعادة فتح سفارتي البلدين وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهرين، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
واتفق الجانبان على أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما.
كما اشتمل الاتفاق على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة في 2001م والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب الموقعة في عام 1998م.
السودان وإيران
قطع السودان علاقاته الدبلوماسية مع إيران في يناير 2016م إبان حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، إثر التدخلات الإيرانية في المنطقة على أسس طائفية واعتداءاتها على سفارة وقنصلية السعودية في طهران حسب الحكومة وقتها.
وكانت وكالة الأنباء السعودية «واس» أوردت حينها أن مدير عام مكتب الرئيس السوداني الفريق طه عثمان أبلغ ولي العهد السعودي هاتفياً أن الخرطوم قرر طرد السفير الإيراني ومعه كامل البعثة الدبلوماسية، واستدعاء السفير السوداني من إيران.
وقوبل القرار بعدم قبول من قبل وزير الخارجية يومها إبراهيم غندور، الذي أكد أنه فردي تم بواسطة الرئيس ومدير مكتبه ولم تتم مشاورتهم فيه، وتصاعد الخلاف حتى أدى لإقالة الوزير من منصبه في وقتٍ لاحق.
انتظار الحكومة المدنية
ويرى مراقبون أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران ستؤثر على العملية السياسية في السودان، ويترتب عليها تعديل في شكل المحاور الإقليمية.
وأكد مصدر بالمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير لـ«التغيير»، أن قرار عودة العلاقات مع إيران لم تتم مناقشته حتى الآن داخل التحالف.
وأوضح أنه سيتم التطرق للأمر في الاجتماعات القادمة، واستبعد عودة العلاقات مع إيران في الوقت الحالي، وأشار إلى أن القرار سيكون متروكاً للحكومة المدنية المقبلة بعد التوافق عليها.
واتفق مصدر دبلوماسي مع هذا الرأي، وقال لـ«التغيير»، إن الحكومة السودانية متمثلة في وزارة الخارجية لم تناقش القضية باعتبار أن المكون العسكري يريد التطبيع مع إسرائيل.
ونبه إلى أن عملية التطبيع مع اسرائيل لا تتماشي مع إعادة العلاقات مع إيران. وتوقع المصدر أن تعود العلاقات تدريجياً ولكن ليس في الوقت الحالي.
عودة بالتدرج
واعتبر الخبير الدبلوماسي السفير جمال محمد إبراهيم، أن الفترة الأخيرة من حكم الإنقاذ، وأيضاً سنوات التسلط العسكري بعد ثورة ديسمبر، شهدت تماهياً مع المواقف السياسية لبلدان الخليج وأهمها السعودية. يشهد على ذلك أولاً قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وثانياً إرسال «مرتزقة» الدعم السريع للقتال ضد الحوثيين في حرب اليمن.
وقال جمال لـ«التغيير»، إن أثر التحول في حرب اليمن والتقارب الذي فاجأ الساحة السياسية في الشرق الأوسط، يجعل من المتوقع أن تعود العلاقات السودانية الإيرانية بتدرج إلى نوع من الدفء.
وأضاف: «خاصة إذا لاحظنا تراجع الاهتمام الأمريكي بثورة ديسمبر بما يشبه القبول بسلطة الجنرالات.. وذلك يفتح الباب لتأثير سعودي عليهم بما قد يمهد لتعديلات في علاقة الجنرالات بإيران.. وربما أيضاً مع دمشق وربما موسكو».
دور السعودية
وفي السياق، اعتبر الخبير الدبلوماسي السفير الطريفي أحمد كرمنو، أن عودة العلاقات السعودية الإيرانية مهمة جداً باعتبارهما أكبر دولتين في المنطقة.
ورأى أن الاتفاق يعمل على حفظ الأمن بالمنطقة، لذلك يمكن للسودان أن يعمل على إصلاح علاقته مع إيران.
وأضاف لـ«التغيير»: «في تقديري أن السعودية سيكون لها دور في تحسين العلاقة بين الخرطوم وطهران، لأن السودان لن يكون في معزل عن دول الجوار».
وتابع: «لن تهدأ المنطقة إذا لم يتم التصالح مع إيران التي تتمتع بنفوذ كبير في عدد من الدول التي تشهد صراعات مستمرة».
واتفق الخبير العسكري اللواء إسماعيل مجذوب، مع الخبير الدبلوماسي بأن عودة العلاقات السعودية الإيرانية، ستعطي دفعة قوية لجهود إرساء السلام في اليمن وإنهاء حرب مدمرة وضعت أحد أفقر بلدان العالم، على حافة الانهيار.
وقلل من أن تؤثر عودة العلاقات بين السعودية وإيران على القوات السودانية المقاتلة ضمن لواء «عاصفة الحزم».
واستبعد مجذوب في حديثه لـ«التغيير»، أن يؤثر القرار على وجود القوات السودانية في اليمن، وقال إن القوات ستكون موجودة بوضعها الحالي حتى تطمئن السعودية على جدية إيران في الاتفاق ومساعدتها على إيقاف الحرب في اليمن بشكل كامل.
واستدرك: «انسحاب القوات السودانية من اليمن متروك لقادة البلدين ولن يتأثر بالمصالحة، لأن الحرب في اليمن لن تهدأ بين عشية وضحاها».
توازن العلاقات
ويقول أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات السودانية د. عبد الرحمن أبو خريس: «آن الأوان للسودان لإنتاج سياسة خارجية متوازنة ليست متمحورة في ظل حكومة انتقالية غير منتخبة وليست لديها برنامج واضح، ورؤية أيديولوجية تجاه أي من المحاور».
وأضاف لـ«التغيير»: «تحسن العلاقات السودانية الإيرانية يصب في مصلحة موقف السودان الخارجي المعتدل الذي تنتجه الحكومة الانتقالية وهذا يتيح للسودان فرصة بدون حرج للتعامل مع إيران».
وأشار إلى أن العلاقات الخارجية تحددها الدول العظمى، «وهذه الدول الآن في حالة تشظٍّ وعلى السودان أن يتحرك في هذه المساحة بحذر».
وطالب أبو خريس بعد الانسياق خلف السعودية أو غيرها، وقال إنه يجب الفصل بين العلاقات السودانية الإيرانية والسعودية الإيرانية وعلاقة السودان مع المجتمع الدولي، لأن السعودية دولة لديها الإمكانيات التي تؤهلها لامتصاص أي تهديدات أمريكية أو غربية، ولكن السودان ليست لديه قدرات ومخترق حسب تعبيره.
ونبه إلى أن تحسن العلاقات السعودية الإيرانية مدخل جزئي محدود لأن العلاقات السودانية الإيرانية تحددها العلاقة مع أمريكا والغرب، وهذه الدول مازالت تتخذ موقفاً من إيران ومن شأنه أن يدخل البلاد في طائلة العقوبات الدولية من جديد.
وقال أبو خريس إن عملية التطبيع مع إسرائيل تتنافي مع فتح علاقات مع إيران، وأن على الحكومة السودانية أن تتريث قليلاً قبل الإقدام على خطوة عودة العلاقات مع إيران وفتح سفارات البلدين.
المصدر: صحيفة التغيير