نعم ترجّلوا: فالدماء تسيل من تحت الأزياء الرسمية..!
نعم ترجّلوا: فالدماء تسيل من تحت الأزياء الرسمية..!
د. مرتضى الغالي
في بيروت أيام الاحتجاجات الشبابية السلمية ضد الأحوال المعيشة والفراغ السياسي قال الزعيم اللبناني (سعد الحريري) انه سوف يستقيل إذا سقط جريح واحد… وقد فعل..!
ونحن هنا لا نرى أن وزير الداخلية أو النائب العام أو مدير الشرطة أو والي الخرطوم قد اهتزت لهم شعرة واحدة من (الرأس الأشيب) بعد اغتيال عساكر الانقلاب وأمن الإنقاذ وشرطة البلاد لأكثر من 124 شهيداً في مواكب سلمية.. واختتام ذلك (مؤقتاً) باغتيال الفتي الجميل الشهيد إبراهيم مجذوب (قُرة عين والديه وحبيب شباب المقاومة) بعيار ناري مباشرة في الصدر..!
لقد طالبت أسر الشهداء ومنظمتهم وطالب معهم حقوقيون بإقالة وزير الداخلية والنائب العام ووالي الخرطوم ومدير الشرطة.. وهي مطالب مشروعة ودعوة وجيهة (بالرغم من رمزيتها) ذلك أنهم مسؤولون مباشرة و(حتى آخر فقرة في أعناقهم) عن هذه الأرواح التي ذهبت إلى بارئها عبر مدارج الخلود محفوفة بالدعوات والبركات وأنفاس الفداء.. إلا إنها دماء لها ثمنها وقيمتها..! فمن خلفها وطنٌ ينتظر عطاءها.. وأهل وأحباء وأمهات وآباء وإخوان وأخوات.. ومستقبل وطموح كان ملء أفئدة الراحلين تطلعاً للحياة: (يا كوكباً ما كان أقصر عُمره: وكذا تكون كواكب الأسحارِ/ جاورتُ أعدائي وجاور ربه: شتّان بين جواره وجواري)..!
كيف بالله تسنّى أن يتم اغتيالهم هكذا ببرود ليس من ورائه إلا صقيع القطب الجنوبي.. وبدموية لا تدري من أي جوف وحش خرجت.. وببلادة حِس واستباحة حيوانية تترفّع عنها عصابات المافيا والجريمة المُنظّمة..! أليس ذلك من مسؤولية وزير الداخلية حارس أمن المواطنين..! ومدير الشرطة أليس هو المسؤول الأول عن كل حامل سلاح حكومي يواجه المواطنين السلميين بالرصاص..؟ ثم تأتي مسؤولية والي الخرطوم الجسيمة باعتباره رئيس اللجنة الأمنية بالولاية.. المسؤول عن حياة المواطنين وعن كل ترتيبات أمنية خلال المواكب السلمية…!
أما النائب العام الموكول برعاية العدل وتقديم المجرمين للعدالة فيبدو أن ديوانه ووكلاء نيابته مشغولون الآن بتدبيج (التحرّيات الناقصة) حتى يوفروا لقضاة الإنقاذ حُجة (عدم كفاية الأدلة) لإطلاق سراح قادة الإنقاذ المجرمين (قبل الدخول في فترة الحكومة المدنية)..! ما أسخفها من لعبة مكشوفة..!!
أليس لهؤلاء الرجال.. من أبناء حتى يعرفوا معنى (حُرقة الحشا) على اغتيال الشباب والأطفال وهم في مقتبل ربيع العمر مثلما تتفتّح الورود في نيسان..؟!.. إذا كان هؤلاء البشر لا يحسّون بلذعة الضمير الوطني فليكن تحقيق العدالة فقط من اجل إبراء نفوس آباء وأمهات القتلى من الانفطار على الدماء المهدورة..!
نحن لا نخاطب عواطف وزير الداخلية ووالي الخرطوم.. ولا أحاسيس النائب العام ووجدان مدير الشرطة.. إنما فقط نطالبهم بأداء الواجب الذي تمليه عليهم الوظيفة العامة.. فليس الحديث هنا عن مشاعرهم وأحاسيسهم ولكن تأتي المطالبة والمساءلة فقط عما تتطلّبه (الوظيفة ذات الأجر) من شاغلها.. حتى يكون عائدها (حلالاً.. بلالاً) عليه وعلى عياله..!!
إنها تبعات تتعلق بالتفريط في أرواح الناس ولا مناص من أنهم مسؤولون عنها.. إلا أن يقولوا (لا شأن لنا بأرواح الناس)..! إنها تبعات على (أم رؤوسهم) وإلا فليتركوا مناصبهم ويذهبوا إلى بيوتهم.. ولا يهلّون علينا بطلعتهم ونياشينهم تحت هذا الانقلاب المتوحّش..!
لا جدوى من إضافة وزير العدل إلى هذه القائمة..! فهو قد ترك هذه الدماء في الشوارع والميادين والبيوت وذهب إلى جنيف وفي معيته وفد كبير ليناقش حقوق الإنسان في الأمريكتين والأناضول وشبه الجزيرة الأيبيرية.. الله لا كسّبكم..!!
المصدر: صحيفة التغيير