يوم المرأة.. إلى لونا في آلائها
يوم المرأة.. إلى لونا في آلائها
بثينة تروس
حدثتني الصبية العشرينية الذكية، ذات الطلعة التي تشبه وهج الصباح، المطرز بنداوة الطل، بصوت الساعة الواحدة بتوقيت الثورة. “هم أسموني آلاء”، هكذا تقول شهادة ميلادي، وأنا أحب أهلي، لكنني لم أحب يوماً اسمي ولم يكن لي حظ في اختياره.
ببداهة، سبق ذلك استنارتي بحقوقي، رغم معرفتي أنه من جوامع النعم، ما عابه عندي غير ملل المكرور، ولم نتصالح سوياً، ورغبت أن يناديني الناس باسم أحببته، اخترته لنفسي، تنفست صعداء حق الاختيار في أخص ما لدي، فأسميت نفسي (لونا) معناه القمر، وأنا روحي مسرجة بعشق الضياء، وقلبي وله بالنقاء.
اسم أصله فرنسي، وجذوره ضاربة في عمق الحضارة الرومانية وإله القمر، هو زهرة الشهداء والحب لدى الحضارة الفارسية.
دعمتني أسرتي، ويسرت لي كل سبل إنجاز هذا القرار، ثم اصطدمت بحواجز التحيز في طلب الحقوق، وانعدام المؤسسية في دواوين (اللا دولة)، وأن تغيير اسمك في بلدي من الممنوعات، يعد ترفاً في بلاد المسغبة، وحرية الأفراد تعد من فارغ الأعمال.
أسهبت توصيفاً عن استفزازات موظفين وموظفات الدولة، من الذين تحولوا إلى فقهاء ووعاظ، رفعوا في وجهها آية ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ مما اضطرها لأن تواجه بشجاعة الضغوط النفسية، والمشقة في تجميع المستندات التعجيزية، والدفاع عن هويتها كمسلمة، وأن اللبس العصري من البنطلون وتصفيف الشعر الأنيق لا ينقص من يقينها بنعم الله التي لا تحصى، ومنها الكرامة الإنسانية في حق الاختيار.
حكاية لونا، حكاية كل امرأة ناضلت من أجل تحرير ذاتها وتحمل مسؤوليتها، كي تغسل هذه البشرية عار ظلمها الموروث ضد المرأة.
ومن أجل (كسر التحيز) الذي اختير شعاراً ليوم المرأة العالمي 8 مارس هذا العام، وفي تقديري خلاصة معانيه ترقية وتسخير القوانين الدستورية لخدمة مزيد من الحقوق والحريات للمرأة، حتى تنال حظها الملائم لما حققته من إنجازات، وتواكب تطور المجتمعات الحديثة التي تعيش فيها دون خوف أو إرهاب.
وللأسف، رغم السجلات النضالية النسوية الزاخرة بالعطاء، إلا أنه هنالك عقبات شتى ذات أصول مشتركة المصالح، تحول دون بلوغ تلك الغايات، منها العقل الذكوري، والخطاب الديني المتخلف، والرأي العام الذي يجبن عن شجاعة التغيير.
نجد أن العقل الذكوري عبر بوابة وصاية النظام الأبوي صاحب مصلحة في محاربة النزعات النقدية والتحررية للمرأة، لذلك يلجأ في مناهضتها إلى إبقاء ميراث غابر المجتمعات، بالاستعانة بمؤسسات الخطاب الديني الرجعي التي يشرع لها شيوخ رجال الدين ما يناقض ويجافي واقع المجتمع، ومن ثم يقع التمايز وعدم المساواة على عاتق المرأة.
ومن أنصع النماذج لذلك قوانين الأحوال الشخصية المتخلفة التي يضعها ويجيزها مجمع الفقه الإسلامي بقضاة شرعيين قاصرين عن استصحاب الآراء المستنيرة في الفقه، ثم يبعثون بها إلى مجلس الوزراء للإجازة.
أما السياسيون فقد أكدت التجارب، حتى إبان الحكومات الديموقراطية، في سبيل التمسك بالسلطة، أنهم يخشون رجال الدين ويتحاشون إرهاب التكفير والوصم بالعلمانية والغربنة، وقفوا عاجزين عن إحداث تعديلات حقيقية في قوانين الأحوال الشخصية لأنها مستمدة من الشريعة الإسلامية والتي كانت حكيمة في خدمة عقول إنسانية القرن السابع، لكنها لا تحل التعارض البادئ بين ما عليه حال الإنسانية وما هو منصوص فيها. أما قصور المشرعين للقوانين فبجهلهم أن هذا الوضع مرحلي في الدين، انتفت الحكمة منه بترقي المجتمعات والتطور الحديث للمرأة، إذ لا توجد فيها حقوق المواطنة المتساوية وتجيز للرجل التسلط على المرأة، إذ هي نصفه ونصيبها ربع رجل في الزواج، كما تجيز زواج الطفلات، ومن حقه أن يعنف زوجته ويضربها يهجرها في الفراش بغرض تأديبها، بل عند بعض الفقهاء في الشريعة المرأة (الأكول) ليس على الرجل إشباعها، وإذا مرضت يردها إلى بيت وليها حتى تصح.
ويحرم على المرأة المستنيرة حقها في أن تتولى أمر نفسها في عقد زواجها، بحسب ما ورد في المذهب الحنفي، الذي لا يرى مانعاً من أن تزوج المرأة نفسها بمن تشاء، بشرط الكفاءة.
وهكذا ترفع توصيات القوانين المتخلفة إلى المجلس التشريعي الذي كان يخضع لثلاثين عاماً لسيطرة حكم الإخوان المسلمين، وتعج منصاته بالنساء السياسيات جنباً إلى جنب مع الرجال بنسبة (30%) فكن كوادر تحشيدية للنظام لا غير، من أمثال القاضية بدرية سليمان مشرعة القوانين الإسلامية، وقبلها قوانين سبتمبر 1983 التي أذلت الشعب. ومن المفارقات تعادل شهادة بدرية سليمان أمام القانون النصف من شهادة زميلها القاضي لأنه رجل.
وللأسف، صوتت البرلمانيات بالموافقة على القوانين التي تجرم وتعنف النساء، وأجزن قوانين النظام العام، متوهمات أنهن يحافظن على تقاليد وتدين المجتمع. وعلى النقيض تماماً، في ذلك العهد انهار النسيج الأسري، وتعددت ظواهر العنف، وانهارت ركائز القيم، وتفاقمت أزمة الأخلاق.
والحق، إن ثورة ديسمبر مستمرة النضال، قامت من أجل الحياة الكريمة، وإلغاء القوانين المجحفة التي تجافي سماحة الإسلام، وتعترف بالمساواة، إلا أن غياب الرؤية الفكرية المستنيرة لصناع القرار السياسي واستلاب سطوة العقل الذكوري لدى (بعض) اللاتي تقلدن مناصب حيوية في حكومة حمدوك فشلن في تعديل القوانين والتوقيع على اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة، وتبين أنهن لا يؤمن بفكرة الدولة المدنية، ولا عدم التحيز، وذلك لالتزام بعضهن بأيديولوجية دينية سلفية، وأخرى حزبية سياسية لا تسمح لهن بالاستقلالية واتخاذ القرارات فرهن إراداتهن الفكرية لتلك المنظومات، فكن دون المستوى المطلوب للثورة.
فالاتجاه صوب المدنية يوجب توسيع دائرة الوعي بين رجل وامرأة الشارع العام، بضرورة تطوير قوانين الأحوال الشخصية، والاستعانة بتجار الدول العربية والمسلمة التي سبقتنا في هذا المجال. ثم بشرى وتحية للمرأة في يومها، وأن نصرها مرهون بإقامة الدولة المدنية.
المصدر: صحيفة التغيير