إلى امرأة ما صدف أنّها:
إلى امرأة ما صدف أنّها:
خالد فضل
لاجئة تُقتلُ، وتتمة الخبر، طعناً بالسكين على يد رجل يمتهن رسمياً القتل! مرور عادي في الغالب، ربما هزّ بعض المشاعر، وجع لدى الأطفال الستة وحرقة لدى الأقارب وحفنة معارف، ربما ارتياح من طرف ثالث!
فاللاجئة تظل لدى محجوب شريف عليه واسع الرحمات ممن: بالوسم سكان وبالرسم جيران، كانت نازحة في سنوات ماضية، إن أنسى لن أنسى ذاك المشهد، كنا لم نزل طلاباً في الجامعة النازحة حينها، في أرض المعسكرات بالخرطوم، يجاور معسكر ضخم لنازحين، اندلع عنف قبلي مقيت بين مجموعتين ممن تجمعهم المصائب وتفرقهم غبائن القبائل، لجأت امرأة حبلى إلى داخل المقر، ألجأها المخاض إلى جدار غرفتنا تستظل به من رمضاءين، فإذا برمضاء المخاض تنجب صرخة طفل، لطفك يا أيها الرب المبجل، وتتولى بعض النسوة رفيقات المصيبة الأمر، هكذا المرأة أخت لأختها في لحظة الوجع المشترك، رغم أنّها يمكن أن تكون خصماً لدوداً في ساعة غير! وهذا جزء من خصال البشر.
موغلة في الهموم والمسؤولية، غير عابئة كثيراً بما يقال، مع الفجرية البكرانية توقد موقدها، تهبُّ نار المنقد كي تزداد اشتعالاً، ومع اللهيب المتصاعد تتصاعد آمالها في قوت يوم جديد للماشين المدارس في المصاريف والكتب، أحد طلابي أخبرني ببراءة وعفوية عن (عرقي) والدته الذي من ريعه يعتاشون!.
وأخرى، لم تودع ابنها الشهيد، وست النفور، خرجوا/ ن يبغون الكرامة الإنسانية التي ليست لحسن الحظ حكراً لنوع بشري اسمه الرجال، هل سمعتم بالمناسبة بشرطية تطلق الغاز وزخات الرصاص الراعف في صدور المتظاهرين السلميين والرؤوس، مثلما يفعل ؤلاء الوحوش المصوّرة على هيئة البشر! وفي صدور الأخوات غصة، وفي دموع الخالات والعمات والجارات، والرفيقات والزميلات والحبيبات، ومن ست النفور إلى مهسا أميني في إيران، الثورة اسمها مؤنث، وريزمها شفيف وعفيف، وصوت الحق يعلو ولا تعلو عليه عناصر القبح (باسيج أو أشباح ظل)، تتزيأ بالكاكي أو تتخفى في الكدمول، ترتدي السفاري أو تنتعل الصنادل، تتخرج في كلالي القتل أو تحت أشواك السدر في الخلا، ترطن فارسي أو تتهجأ عربي هجين، كل الأشباح لها فعل واحد لا يشبه فعل امرأة ناضجة واحدة، تدافع عن الحياة التي في الأصل تهبها بإذن الله.
كل الفتوات والعصبجية ممن يحملون البنادق التي لا تنطلق إلا ضد الأبرياء السلميين، فعلتهم في شوارع أم درمان التي تأتي في قطار الثامنة على حد تعبير محمد محمد خير كما هي في شوارع زهدان وطهران، والشهيدة حبلى بالأغنيات المجيدة وأناشيد الثورة الرصينة، والكنداكة في ساحة الاعتصام تخلب الأنظار بالتوب المهفهف وبياض أنقى من الحليب وقلب رحيم.
ومهسا أميني كل جريرتها في ملكوت الملالي السقيم (طرحة) سقطت وانسدلت على الكتفين خصلات الشعر تبادل النسيم رقته، وتسبح مع الهواء سبيباته الناعمة الناعسة، فكان القتل سلاح الجبناء في أقبية المعتقلات المظلمة وأوكار الجريمة المنظمة المسماة زوراً وتضليلاً (مقار الأمن).
ويرتقي الشهيد إبراهيم المجذوب في شرق النيل قبل يومين، والقاتل وحش يسعى على قدمين اثنين! وأم وشقيقة يزدردن العبرات ويقتسمن مع نساء الحي (ويب ويب والويب) يا لحرقة الحشا في قتل الجنا، وأمهات الشهداء أم عظمة وأحمد وعبد الرحمن وبابكر وهزّاع وكشة ومطر و.. و… إلخ السبط المنير من شهب السماء، والنساء صامدات، ومحامية الطوارئ بعبارات تزيل الصدى عن الأذن الصماء تبين بوضوح الجريمة المنظمة والممنهجة لثلة من الفاسدين المرتشين تحت لافتة رسميين!!.
والاغتصاب وسيلة وقحة تواجهها نساء نازحات يومياً في الأقاليم المنكوبة وعلى رأسها دارفور، بل أمسية مليونية عارمة في الخرطوم، ولا نظلم الجوارح والضواري مما تُسمى وحوش؛ فهي لا تفترس إلاّ جائعة (إلاّ الضباع ففيها طباع بعض البشر)، ولا تغتصب أنثاها على الإطلاق، وللمعاشرة والمواقعة الجنسية أوان ومواعيد و(بالرغبة والرضا) لحفظ النوع.
8 مارس، وهل يحيط بهذا الكائن الجميل يوم؟ وهل يفي البوح بما في الصدر حرف؟ وهل أحاط البصر مهما امتدّ بخضرة السهل الخصيب.
كل سنة أنتن بخير يا كل نساء الكون، أمي التي صبّت في دُجى بلعومي لون الصباح (والقول لصديقنا أيوب مصطفى) وزوجتي بنتي وبنيّاتي أختي زميلتي صديقتي جارتي ملهمتي معلمتي….. يقيني وإيماني نوري السماوي ربيعي وخريفي وبعض أقوالي أمام الله.
المصدر: صحيفة التغيير