كرمها الملك تشارلز.. التشكيلية السودانية البريطانية أميمة مضوي في حوار لـ«التغيير»:
بعد أن كرمها ملك بريطانيا الملك تشارلز الثالث، لفتت إليها أنظار من لا يعرفونها من السودانيين، فضلاً عن الانتباه العالمي، فتوالت القصص عنها وعن تجربتها الجديرة بالتوثيق…سعدية الصلحي: السودانوية في أبهى صورها
حملت معها وطنها الأم «السودان» وجدانياً واستقرت في المملكة المتحدة لتنال الجنسية البريطانية وهي لا تزال متمسكة بأصلها الذي تجلى في عملها الفني في مجال الإكسسوارات ليمتد نشاطها لخدمة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وهي صماء، ما دفع الملك تشارلز الثالث ملك بريطانيا لتكريم التشكيلية السودانية الموهوبة «أميمة عثمان خالد مضوي» تقديراً للجهود الإنسانية الكبيرة التي كانت تقوم بها دون كلل أو ملل في الفن التشكيلي الموجه لخدمة قضايا الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والتي استحقت بها وسام المملكة، أميمة تحدثت لـ«التغيير» عن تكريمها وعن محاور أخرى أجابت عنها ببعض التفصيل في ثنايا الحوار:
حوار: عبد الله برير
ترجمة: عائشة سليمان
* بدءاً.. هل توقعت الفوز بهذه الجائزة؟
عندما تلقيت مظروفاً من قصر بيكنغهام كتب عليه «سري» تساءلت متعجبة: ما عساه يكون؟، ثم قمت بفتحه فوجدت شعار القصر، عندها اعتقدت أنه أحد مقالب زوجي. لم تكن لدي فكرة عن الفوز.
لم تكن لدي فكرة عن الفوز وأكثر ما أثر في هو اعتراف الناس بشغف حياتي وعملي
* كيف كان شعورك عندما علمت بأنك فزت بوسام الإمبراطورية البريطانية؟
كنت في حالة ذهول وارتباك، لماذا تم منحي هذا الوسام؟ وماذا يعني؟ اعترف أنني لم أكن أعرف ما هو وسام الإمبراطورية البريطانية وكان علي أن أبحث عن معناه.
علمت أنه تم ترشيحي للخدمات التي قدمتها للصم وذوي الاحتياجات الخاصة في مجال الفن ولكن لم أعرف من الذي قام بترشيحي للجائزة. واكتشفت في نهاية الأمر أن من رشحني هو مجلس الحرف تقديراً لفترة الـ25 عاماً التي قضيتها في العمل لأكون قدوة إيجابية وتطوير مشروعات تجمع الفنانين غير الصم بزملائهم الصم.
لقد قمت بعمل مع مجلس الحرفيين ركز بشكل خاص على سياسات الوصول للفرص والمساواة ويساعد في تأكيد حصول الحرفيين والفنانين الصم على فرص متساوية وعمل في مجالاتهم.
حافظت على سرية الجائزة حتى تم إعلانها في مطلع يناير 2022م ضمن قائمة الشرف للعام الجديد التي تضعها الملكة. لقد غمرني التجاوب الذي وجدته من أناس اتصلوا للتهنئة ووسائل الإعلام المختلفة التي تريد عمل لقاءات معي كما تلقيت رسالة خاصة من نائب دائرتي بالبرلمان.
إن أكثر ما أثر في هو اعتراف الناس بشغف حياتي وعملي، ومن ثم بدأت أحس بالفخر أن صرت قدوة للفنانين والحرفيين الصم المتطلعين لغد أفضل.
كما أود أن أبرهن للمجتمع العريض أن الصم يستطيعون إنجاز أي شيء إذا تم الاعتراف بحاجتهم للتواصل وأشبعت هذه الحاجة. الطموح لا تحده حدود! انني فخورة لكوني امرأة مسلمة وملونة تم الاعتراف بها لعملها كفنانة أولا ولكنها صماء ثانياً.
ما يعنيه لي هذا الفوز أن الفنانين الشباب من مختلف الخلفيات الثقافية، واتفق أنهم من الصم أيضاً، سوف يرون أن من الممكن أن تتحقق أحلامهم لأن عملهم يأتي في المرتبة الأولى ثم صممهم أو أياً كانت احتياجاتهم الخاصة في المرتبة الثانية وليس العكس.
فخورة لكوني امرأة مسلمة وملونة تم الاعتراف بها لعملها كفنانة أولاً ولكنها صماء ثانياً
* هل تركت زيارتك إلى قطر تأثير ما على مهنتك؟
عندما زرت قطر كانت ابنتي في الثالثة من عمرها وكانت المرة الأولى التي ابتعد فيها عنها لهذه المدة الطويلة ولذلك كان الأمر صعباً، ولكنها ساعدتني حقاً في فتح أبواب لتشبيكات جديدة كان لها دور في تعزيز عملي المهني.
العلاقة التي ربطتني بالمجلس الثقافي البريطاني قادت إلى إقامة علاقات مع المركز العربي البريطاني وفيما بعد أقمت معرضي المنفرد الأول بمساندة منه. وهذا بدوره مكنني من لقاء كثير من كبار الفنانين غير الصم مما ساعدني في تنمية ثقتي بنفسي والإيمان بقدراتي. وفي نهاية المطاف أدت كل هذه التشبيكات التي أقمتها منذ ذلك الحين في فوزي بجائزة من المركز العربي البريطاني عام 2019م ونلت في نفس العام زمالة كلور وهي منظمة غير ربحية في لندن تمنح الزمالة لقادة العمل الثقافي المتميزين.
أحمل السودان في قلبي خلال كل حركاتي وسكناتي وذكرياتي شكلت إلهاماً للعديد من معارضي
* ما هو الأثر الذي تركته ثقافتك السودانية في أعمالك؟
الأشكال والزخارف المتكررة التي تظهر في أعمالي هي نتاج تأثير مباشر لأرثي السوداني.
أشكالي متأثرة بعدد من الأشياء منها أصداف الودع وحبات السبحة وتقوسات الخط العربي والهندسة المعمارية.
ويعتبر اللون جزءاً هاماً في أعمالي لاسيما الألوان التي تعكس حرارة المناظر الطبيعية في السودان مثل اللون الأحمر والبني والبرتقالي، وأنا أميل لاستخدامها مع الألوان المغايرة لوطني الجديد بريطانيا لأعكس الطبيعة التكاملية لهويتي.
لقد شكلت ذكرياتي كطفلة في السودان إلهاماً للعديد من معارضي خذ مثلاً «نهر يتدفق» حيث عملت مع عدد من أفراد الجالية السودانية في المدينة التي أسكن فيها، وهي براتون وهوف، لنكتشف ماذا يعني لهم نهر النيل وكيف كان له أثر في مسيرة حياتهم في بريطانيا.
إنني أحمل السودان في قلبي خلال كل حركاتي وسكناتي.
* هل تذكرين الفترة التي قضيتها بالسعودية؟
أذكرها كفترة وحدة شديدة جداً حيث لم يكن هناك فرصة للتعليم. لم يكن هناك تفهم يذكر لما يحتاجه طفل أصم كي يفهم ما يقوله المعلم ولذلك كانت تجربة محبطة.
كنت أحس أنني الطفلة الصماء الوحيدة في العالم لأنني لم أر أبداً أصماً سواء كان طفلاً أو شخصاً كبيراً. وكان ذلك هو الوقت الذي اتخذ فيه قرار الهجرة لبريطانيا.
أخبار ثورة ديسمبر كانت صادمة في البداية ولاحقاً أحسست بالإجلال وأنا أرى النساء في طليعة المظاهرات
* هل تنوين إقامة معرض في الخرطوم؟
أقمت معرضاً بالخرطوم في فندق الهيلتون عام 2002م وتمكنت من بيع عدد قليل من أعمالي رغم أن صالة العرض لم تكن كما ينبغي وكان تحدياً أن أقيم معرضاً فيها. لم يكن هناك تفهم جيد لاحتياجات فنان أصم وبالتالي لم يكن سهلاً تجاوز العقبات.
أود أن أنظم فعالية تحتفي بأعمال فنية أنجزها أشخاص صادف أن كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة أو صماً على إلا تكون هذه الصفة هي محور التركيز.
* كيف كان شعورك حينما شاهدت اندلاع ثورة ديسمبر في السودان؟
كانت هذه أخبار صادمة في البداية لأنني بصراحة كنت قلقة على والدي وإخواني وغيرهم من أفراد أسرتي الذين يسكنون الخرطوم. ولكن عندما اتضح لاحقاً حقيقة ما يحدث أحسست بالإجلال وألا مستحيل تحت الشمس وأنا أرى النساء في طليعة المظاهرات خاصةً الفتاة التي كانت تقف على ظهر سيارة وتنشد أمام الجموع والتي صارت صورتها شهيرة في أرجاء العالم.
حظيت بدعم كبير من أسرتي وأدين لأمي فبسبب نكرانها لذاتها صرت على ما أنا عليه
* إلى أي مدى كان تأثير دعم الأسرة لك؟
حظيت بدعم كبير من أسرتي وأنا طفلة وكان قمة ذلك اتخاذ قرار بالهجرة لبريطانيا كأفضل شئ لي ولأخي أحمد الذي هو أصم أيضاً لنتلقى التعليم وغيره من أشكال الدعم التي تمكننا من أن نكون معتمدين على أنفسنا في مستقبل حياتنا.
ومنذ ذلك الحين كانت والدتي تقضي الكثير من وقتها معنا في بريطانيا مما يعني حرمانها من الحياة السودانية وصديقاتها.
ومن المؤسف أن تأخر حفل استلام وسام الإمبراطورية البريطانية بسبب «الكورونا» وتوفيت أمي قبل أن يقام الاحتفال وكان أبي قد سبقها للدار الآخرة بوقت قصير مما يعني أن يوم استلامي الجائزة سيكون مشحوناً بالمشاعر لغيابهم. لكن الحمد لله بالرغم من أن أبي توفي قبل سماعي بنبأ الجائزة كانت أمي على قيد الحياة وشاركتني الفرحة وبكينا كثيراً ذلك اليوم لأننا كنا ندرك أن هذا التكريم ما كان ممكناً لولا تضحياتها المهولة.
إنني أدين لأمي فبسبب نكرانها لذاتها صرت أنا على ما أنا عليه الآن وأنجزت ما أنجزت.
أوصتني أمي أن أتذكر تراثي كامرأة سودانية بارتداء الثوب يوم التكريم وكنت فخورة جداً بارتداء الثوب الذي أحضرته لي اختي والعقد الذي أهدتني أمي إياه عند رحيلها.
المصدر: صحيفة التغيير