الديمقراطية بين الشعار والممارسة السودانية , اخبار السودان
الديمقراطية بين الشعار والممارسة
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن إشكالية الديمقراطية في الساحة السياسية السودانية، تعاني من ضعف للثقافة الديمقراطية، وأيضا؛ أن الممارسة الديمقراطية لا تجد لها مساحة داخل القوى السياسية، حيث هناك قيادات مسيطرة سيطرة كاملة على عملية الحراك السياسي داخل المؤسسة الحزبية، فالقضايا ذات الإشكاليات الفكرية، لا ترغب القيادة مناقشتها أو الموافقة على فتح حوارات حولها، لأنها لا تقف في الحدود التي تحددها القيادة، وسوف تتجاوزها وفقا لمجريات الحوار والوصول به لنتائج، وتتخوف القيادة من الحوارات الفكرية المفتوحة لأنها سوف تجر وتطال قضايا أخرى تصطدم بالقضايا التنظيمية، وأيضا؛ تتخوف القيادات أن تطالها عملية الحوار الداخلي بالتقييم، والمطالبة بإحداث تغييرات جوهرية في القيادة، وأيضا تصل إلي اختبار قدرات القيادة الفكرية والسياسية. باعتبار أن العديد من القيادات السياسية، والتي تصل إلي قمة الأحزاب دون كفاءة ومقدرات متواضعة دائما تتخوف من الحوارات المفتوحة، مما يجعلها تقلص حرية الممارسة الديمقراطية، فتصبح الديمقراطية محكومة برغائب هذه القيادات بهدف المحافظة على مواقعها. فالشعارات الديمقراطية التي ترفعها الأحزاب ليس شرطا ممارستها دخل المنظومة الحزبية، فهي شعارات تكتيكية، أو مناورات تحاول بعض الأحزاب تجميل نفسها بها، ومعلوم أن طريق التحول الديمقراطي يحتاج لقيادات سياسية ذات معرفة فكرية، ولها إرادة قوية في عملية التغيير بشروط الديمقراطية، وليس بشروط نخبة مصلحية.
وهنا تصبح الديمقراطية معطوبة لآن العديد من القيادات تريدها شعارات ليس لها واقعا في الممارسة، والديمقراطية تتطور وتتقدم من خلال قدرة المجتمع وإرادته على إنتاج ثقافتها، ويصبح الرآي الأخر مكان أحترام عند الجميع. والديمقراطية في حاجة أيضا للفكر، باعتباره آداة التغيير، والفكر والإنتاج المعرفي يمثلان القاعدة الأساسية التي تشيد عليها صروح الديمقراطية. هذا ما أشار إليه المفكر السوداني الراحل محمد بشير المعروف عبد العزيز حسين الصاوي في كتابه “في الفكر السياسي وديمقراطية الاستنارة الجزء الثاني” يقول الصاوي ” مع الركود التدريجي لقدرات الإبداع لدى النخبة السودانية وتداعي مقومات الاستنارة في المنظومة التعليمية تحت ضغط محاولات القولبة السلطوية، وتفشي اللامبالاة والفساد كتعبير مباشر عن ضعف الشعور بالمسؤولية بسبب انعدام المشاركة السياسية، حل الوقت الذي عجزت فيه الديكتاتوريات عن تقديم الدليل على صحة المعادلة التي سوقتها كتبرير لمشروعيتها وهي التلازم بين فقدان الحرية والتنمية الاقتصادية” والركود والصحوة تؤثر فيهما السلطة الحاكمة، لإنها تقليص مساحات الحرية، ومناهج التعليم التي تكون محكومة بمنظومة أيديولوجية لا تسمح بحرية الاجتهادات العلمية، وأيضا القبض على مفاصل الأجهزة الإعلامية واحتكاريتها. والأحزاب أيضا لها دور ويبرز بصورة واضحة عندما تكون هناك مساحات من الحرية لا تستطيع الأحزاب استثمارها الاستثمار المطلوب الذي يعزز الديمقراطية داخلها.
وإذا نظرنا في الجانب الأخر لمسرح الوعي السياسي: وتتبعنا العديد من البرامج السياسية الحوارية في القنوات السودانية، تجد أن البرامج الحوارية تأتي بمحاورين سياسيين أو أكاديميين من ذات المرجعية، المتحاورون يمثلون القوى السياسية و العسكرية المتصارعة في الساحة السياسية، وهؤلاء يرددان ذات الخطاب الذي تم ترديده عدة مرات في مقابلات أخرى، لا جديد في هذه الحوارات. كل متخندق في مكانه لا يريد أن يتزحزح. من المفترض قدرة وإبداع مقدمي البرامج أن تحل هذه العقدة، أن يأتوا بمتحاورين أخرين تكون طريقة تفكيرهم أقرب للفكر منها إلي الخطاب السياسي، خاصة أن الخطاب السياسي محكوم برغائب ومصالح حزبية أو شخصية، لكن الخطاب الفكري غير مرتبط بهذه المصالح الضيقة، بل محكوم بالبحث عن مخارج عن الأزمة، وهذا التفكير يبدأ في طرح أسئلة جديدة، بهدف تغيير طريقة التفكير السائدة عند السياسيين وفي المجتمع، المفكر غير محكوم بحدود حزبية أو شخصية بل محكوم بالقضية العامة لعملية التحول الديمقراطي و مطلوباتها، أيضا مهمته فضح الخطابات المغلقة التي ليس لها بعدا اجتماعيا أو وطنيا. لكن الملاحظ أن بعض مقدمي البرامج فقط يريدون ملأ فراغات في تلك القنوات. وهؤلاء نسوا أن دورهم تبصيري وخلق وعي جديد عند الجماهير، وأيضا وعي جديدا عند النخبة السياسية، والبعد عن الدغومائية، والموضوعات المتكررة التي لا تضيف جديدا غير تأزيم الأزمة أكثر.
أن الإعلام يجب أن يكون رائدا في عملية التحول الديمقراطي، من خلال التنوع في الحوار السياسي ليكسب تيارات فكرية أخرى تعطي الحوار الحماسية المقرونة بالمعرفة، وليس التصطيح السياسي التي تمارسه بعض القيادات التي تحاول أن تكرر حديثا محفوظا لديها يكشف عن تمسكها بمصالح أحزابها دون مصالح المجتمع والوطن. أن حالة الإضطراب السياسي متوقعة في دولة كانت ثلاثين عاما تحت حكم الشمولية، وفي ظل ثقافة ديمقراطية ضعيفة، فالصحافة والإعلام لهما القدرة على تجاوز هذه المعضلة. نسأل الله حسن البصيرة.
المصدر: صحيفة التغيير