لا جديد يقال … ولا قديم يعاد؟! ،،، محمد سالم
قال: تقززا من حال التدهور التي آل إليها، وكأنَّك تتلقَّى على رأسك أنقاض الكون فى عالم الخرس، غير معقول.. ماذا أدَّى بنا إلى هذه الحال المحزنة حقٍّا؟ وماذا تعني هذه البلطجة والوحشية ؟! كيف أدركت روحنا الشيخوخة؟ كيف تدهورنا رويدًا رويدًا حتى فقدنا وحدتنا.. جميل مزايانا؟ وها نحن نقلِّب أيديَنا في الظلام يملؤنا البؤس والشعور الصفري بالإثم؟ ثم تساءل بحنق: خبرني يا أستاذنا، ما معنى هذا كله؟! خبرني فقد احتار دليلي.. دون توقف ولا مجيب؟!
تتطايرت أمواج الغضب وتكهفر الجو كسحب من قطع الليل؛ ويشتد الحوار كالصواريخ ، وتنهل الكلمات كرصاص هارب من غضب السلاح ، فتجلت نظرة حزينة غاضبة في عيني الأستاذ، فقال بحنق: قولاً واحدًا، قضي علينا بأن نموت مرتين؛ لولا الفشل السياسي والتناحر الداخلي والاقتتال والاعتداء على الدماء، والولوغ في الدم الفلسطيني من اجل المصالح، وحمي العراك والمطامع، ما وصلنا إلى هذه الحال.
في سجال مع مجموعة من الأصدقاء؛ اختزل الأستاذ الحوار الذي كان يدور. بعبارة قصيرة ولكنها شديدة الدلالة، عندما أكد أن السلطات السياسية لا يجب أن تتصرف بمنطق التاجر.؟! هذه العبارة في رأيي أكثر تعبيرا عن الحالة من مقالات مطولة؛ وبمعايير السياسة فإن سياسة هؤلاء قد انتهت، انتهت بمعنى أنه لم يعد لديها ما تعطيه حتى لو مجرد وعود من كلمات وألفاظ لا سند لها من الحقيقة والواقع ، انتهت بمعنى أن قدرتها على التعامل مع تحديات الواقع بدرجة معقولة من الكفاءة والمهنية والاحتراف قد وصلت إلى مربع العجز الكامل، فلا سياسة ناجحة دون وحدة حقيقية، ولا قدرة دون كفاءة ، ولا كفاءة دون احترام واجبات الحفاظ على الدستور والقانون واحترام لمعايير العقل والعدل والعلم والحكمة والحرية ورضا الشعب؛ ويجب أن نعيد النظر في موقفنا كله.
وهي مفاتيح السياسة الناجحة قديماً وحديثاً ، فسياسية مثلث حكم الفساد الحالية ، انتهت بمعنى أفلست ليس فقط مالياً لكن إفلاس الفكر وغياب الرؤية وفقدان الحجة وانحراف البوصلة، لأنها تخالف أبسط قواعد المنطق ثم تنتظر نهايات سعيدة .. فتنتهي بالكابوس. وبنفس نمط السياسة غير المتوازنة الذي انتهجته وراكمت فوقه سوء الإدارة السياسية لمجتمع شاب نشط ومتعلم، وبجانب هؤلاء فإن المجتمع بأكمله دفع ثمنا غاليا خصوصا فيما يتعلق باستنزافنا سياسيا واقتصاديا، بعد أن تجاوز مخطط الانقسام والخراب أسوأ توقعات المتشائمين، ما زلت على قناعتي أن النماذج الشائهة المسطحة التي نراها من حولنا في جميع المواقع، هي النتاج الحتمي لمنظومة سياسية انقسامية فاسدة. وإذا لم تتغير هذه المنظومة، فإن هذه النماذج ستستمر في التكاثر، كي تخنق وجودنا، وتنغص علينا حياتنا، وتدمر حلم الوحدة والاستقلال والحرية ومستقبلنا وإيقاع الضرر الكبير بالمصلحة العليا للشعب الفلسطيني.
فاض الحزن بالأستاذ ودلَّتْ تقلُّصات وجهه على مُنتَهى القرف. ولم تخلُ عينه من خيبة في أعماقها وتعزَّز نفورُه الأبديُّ من سدنة وموالسة الانقسام والخراب والفساد، من جباة الفردة والإتاوات، رعاة أموال السحت، ولكثرة ما يَعترض قضية شعب من أحجارٍ ونُفايات وكم غنَّيت فوق أشلاء الجُثث كالمرض متفشٍّ في الوطن ؛ فقال بقسوة في موجَّهة الزيف: الحكمٌ الثلاثي الفاسد لا ترتضيه طبائع الأشياء، ولا تقتنع به الشعوب المتوثِّبة للاستقلال والوحدة والحرية والحياة، وهنا يتضح الهدف الحقيقي من تنفيذ واستمرار مخطط الانقسام والخراب الصهيوني، وهو السيطرة على الشعب، وإجباره على العيش بما يخدم مصالح ثالوث الفساد والقمع والخراب، أيْ نَمَط الحُكم شبه حُكم القائم على الفساد واللصوصية ونهب الثروات العامة، والاتجار في الوظائف، والمحافظة على ديمومة ذلك كله، وتلميع الأشخاص الذين يسرقون بلدهم، وتدمير قضية شعب ومؤسساتِه.
فقال لصاحبه وقد ارتفعت حرارة اهتمامه الخامد لدرجة الغليان : المشكلة الحقيقية تتلخَّص في كلمةٍ واحدة: الوَحْدة. الهدف المستحيل، أي شيء إلا الوحدة؟! تدرك أنك تريد أن تغلق ابواب شركات مساهمة حزبية غير محدودة ! كما وتعدم سعادتهما من أن تتوسِّعا من مجال نشاطها، هي غارقة حتى قمة رأسها في أعمالها الحزبية والمصالح الخاصة، وبفضل هذا النجاح الواسع قَوِيت.. وازدادت إمكانيَّاتها، واستطاعتا بحكم اتساع مجالاتها الحزبية ورخص ثمن اسهم الاكتتاب فيهما،ان تستمر؛ فالأسهم والمصالح كالقِمار تتحوَّل في النهاية إلى نار موقدة. هذه هي المشكلة! الآصل مسألة تتعلق بالاستغلال والاستحواذ الحزبي لضمان المصالح.
حَدَجَه بنظرة ذاهلة من عينيه المستديرتَين، فقال: هل هذه الحياة صالحة حقٍّا للبشر؟ قال لصاحبه: ليس لنا مأوًى غير هذه الأرض.. احياء اموات.. فالموت أهون من الرجوع إلى الوراء، والليل يجثم لنبقى بلا دَوْرٍ في بلد وشعب بلا رأيُ ..صامت اصابه الخرس التام خَسارة.. أيام تأكلها أكلًا وتأكل نفسك، كشمعة لم يَبْقَ منها إلَّا عقب فتيلة..مواطن غير مستقَرٌّ بمجامع روحه وهو مَنْفيٌّ في وطنه حيث موضع الوجع. تحت الاحتلال و حكم سلطتين وفساد وانقسام وانانيَّة تدوم على هذا المنوال. على الشعب أن يستثير همَّته أن يثور ليبدأ عملًا ثوري حرٍّا جديرًا به.. ثورة كبرى تحثُّه على الخروج من صمته؛ يجب أن ينتصر المتكلِّم على الصامت، وأن يحتقر ويحاسب سدنة الانقسام والفساد والخراب بكل جرأة.
قال صاحبه: يا للأسف. بدَّدتُ وقتَكَ الثمين! وتُراعِي حتمًا ما يجب أن يُقال، لكنهم عِبئًا حقيقيٍّا مسؤولون ..غير مسؤولين. فلا جديد يقال، ولا قديم يعاد؟! فقال: لو أرادا أن يقولوا لنا شئ لقالوه بالأفعال, أَلَا يتحملون شيئًا من المسؤولية؟ كأنكَ لا تُصدِّقني! ما زلتُ أذكر آراءَك عن المسئوليةِ الوطنية، وهان أيُّ شيء. نحن ما زلنا في الماضي واستسلمنا لهم. أوُ قِل الاستكانة، قانعون بالفُرْجة، والاحتجاج الصامت .. كلام ، ولم تكف الألسنة عن الكلام فقط؟! بدون بحثٍ عقيم عن المسؤولية.. فالجميع يَتجاهَلها! فقال: للضرورة أحكام , والتجارة له حكام ! وكلُّ شيءٍ مفهومًا بعد ذلك! باغَته صوت من فوق رأسه، قائلًا: مساء الخير.. يا أستاذنا.. ماذا أطلب لكِ؟. اطلب قهوة عال.