هذه أربعة تحولات جيو إستراتيجية بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء
سلط محمد الزهراوي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، الضوء على نتائج الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء بعد مرور سنتين عليه، مبرزًا تداعياته على كافة الجوانب الميدانية والإستراتيجية والجيوسياسية، ومنبها إلى أن “هناك جوانب أخرى لم تناقش وهي مرتبطة بهذا الاعتراف”.
وتناول الزهراوي، خلال مشاركته في حلقة نقاشية تفاعلية بعنوان “سنتين على الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.. ماذا تغير؟”، موضوع الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء من خلال أربعة مداخل، هي “سياق الاعتراف الأمريكي”، و”تداعيات الاعتراف على المنطقة المغاربية”، و”المكاسب الميدانية”، و”انعكاسات الاعتراف الأمريكي على قضية الصحراء”.
سياق الاعتراف الأمريكي
أشار الأستاذ الجامعي إلى محددين وصفهما بالأساسيين في الاعتراف الأمريكي، “الأول مرتبط بالتطبيع والتوازنات الجيوسياسية، والثاني يرتبط بالتحول الذي عاشه المغرب في نونبر 2020، حيث كانت هناك بعض التحرشات الميدانية المناهضة للوحدة الترابية من طرف بعض الأفراد المنتمين إلى ميليشيات البوليساريو والجزائر؛ وتجلت تلك الاستفزازات في محاولة غلق معبر الكركارات والاعتداء على أفراد من القوات المسلحة الملكية”.
وشدد أستاذ القانون الدستوري، في الحلقة النقاشية المنظمة من طرف فريق البحث في الدراسات القانونية والاجتماعية والإستراتيجية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية آيت ملول، على أن “المناوشات جعلت المغرب يتخذ قرارا في فجر يوم 13 نونبر بالتدخل وطرد الميلشيات وتأمين المعبر بشكل رسمي، وبالتالي تسطير الحدود مع موريتانيا؛ ولأول مرة ستصبح للمغرب حدود مؤمنة بشكل كامل مع عمقه في الغرب الإفريقي”.
كما أوضح الزهراوي أن “انخراط المغرب في اتفاقيات أبراهام جاء بخلفية جيوسياسية ترتكز بالأساس على إيجاد دعامة دولية لهدا التحول الميداني، وتفادي تكرار ما حدث سنتي 2016 و2017، المتعلق بسيناريو طرد المكون العسكري من بعثة الأمم المتحدة واحتفاظه فقط بالمكون المدني؛ إضافة إلى أن التدخل العسكري سنة 2020 جعل الفاعل الرسمي الذي يتجلى في المؤسسة الملكية يقرر البحث على دعامة دولية لكي لا يكون هناك ضغط أمريكي والعودة إلى ما بعد 13 نونبر، وبالتالي كان المغرب يراهن ويفكر في تفادي قرار دولي يدفعه إلى الانسحاب من الكركارات”.
وأورد الأستاذ الجامعي أن “سياق الاعتراف جاء كذلك لتفادي تقلبات مزاج الإدارات الأمريكية المتعاقبة”، مضيفا أن “العلاقات المغربية الأمريكية منذ سنة 1974 كانت تتخذ موقفا حياديا، خصوصا مع الأزمة التي حدثت مع الرئيس كارتر سنة 1978 عندما اتخذ قرارا بوقف بيع الأسلحة للمغرب، وبعد سنة تدخل الكونغرس الأمريكي وأقنع الرئيس الأمريكي بأن المغرب هو حليف إستراتيجي، وبالتالي رفع الفيتو والسماح الأمريكي ببيع الأسلحة”.
تداعيات الاعتراف على المنطقة المغاربية
قال محمد الزهراوي إن “القيادة العسكرية الجزائرية استغلت عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية وبلورت خطة دعائية إستراتيجية لشيطنة النظام المغربي، وهي تقنية تدرس في علم السياسة تسمى شيطنة العدو، وهو ما مكنها إلى حد ما من رسم صورة قاتمة علينا كمغاربة في عمقنا المغاربي، الذي كان ومازال المغرب إلى حد كبير يلعب فيه دورا حيويا من نهر السنغال إلى تونس”.
وأضاف الأستاذ الجامعي، في السياق ذاته، أن “الجزائر وظفت نقطة عودة العلاقات مع إسرائيل لتنعت وتصف المغرب بـ’العدو الصهيوني’، وبأنه باع القضية الفلسطينية، وهو العكس تماما، إذ إن المغرب، تاريخيا، وعبر لجنة القدس، يقدم دعما ميدانيا وفعليا للقضية الفلسطينية، لكن الدعاية تُصرفُ عليها أموالٌ طائلة، وهو ما يجعل في بعض الأحيان المتلقي خاضعا لها، سواء كان متعلما أو غير متعلم، لأن للدعاية أدوات قد تؤثر على الجميع، وبالتالي في لحظة ما أصبحنا شبه معزولين في المنطقة المغاربية”.
وذكّر الأستاذ الزهراوي بـ”دعوة بعض الأحزاب التونسية، كحزب النهضة وبعض الأحزاب الإسلامية في الجزائر وموريتانيا، إلى إنشاء تكتل مغاربي يستثني المغرب، نتيجة الاعتراف الأمريكي وعودة العلاقات المغربية الإسرائيلية”، مشيرا إلى أن “الجزائر كانت عينها على محاولة عزل المغرب عن عمقه المغاربي، من خلال توظيف عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية”.
وفي هذا السياق، قال الزهراوي إن “الخطأ الذي وقع فيه المغارب أنه لم يبلور أي إستراتيجية إعلامية للخارج، إذ كان المغاربة على المستوى الرسمي يخاطبون المغاربة، وتناسينا الفضاء المغاربي الذي أصبح ينظر إلينا في لحظة من اللحظات بحكم البروباغندا الإعلامية الجزائرية على أننا صهاينة، وهو توظيف مدروس من طرف الجزائر، لم تكن غايته فلسطين، وإنما ضرب هذا التحالف ومحاولة تصويره بشكل سلبي”.
المكاسب الميدانية
بعدما تساءل الزهراوي “ما هي مكاسب المغرب من هذا الاعتراف الأمريكي عمليا؟ وماذا تغير؟”، تطرق إلى ما أسماه “المكتسب الميداني”، موضحا أن “مجلس الأمن، ومنذ سنتين، أصدر قرارين خاليين من أي دعوة إلى سحب القوات المسلحة الملكية من الكركارات، وهو ما يُعتبر مكسبا، إذ إنه سنتي 2016 و2017 كان هناك ضغط على المغرب للخروج من الكركارات، وهو الأمر الذي لم يتكرر سنة 2020”.
وأورد الأستاذ الجامعي أنه “بالإضافة إلى المكاسب الميدانية المباشرة المتعلقة بتأمين وتسطير الحدود بشكل رسمي مع موريتانيا، هناك مكاسب غبر مباشرة من قبل قوى كبرى”، مشيرا إلى “الفكرة المهمة المتعلقة بالثقافة السائدة التي تهمش الدور المغربي في هذا السياق، وتربط كل التحولات بالاعتراف الأمريكي، إذ إن الدور الأمريكي قد يؤثر بشكل غير مباشر والمغرب بدوره يتفاوض ويحاول التموقع ويدافع عن مصالحه وقد يخطئ وقد يصيب”.
أما بالنسبة للموقف الإسباني فقال الزهراوي: “المغرب اشتغل عليه لسنوات من خلال ممارسة الضغط على إسبانيا ومحاصرتها اقتصاديا وتجاريا، عبر مختلف المنافذ الحدودية، الأمر الذي جعل إسبانيا تراجع مواقفها، إلا أنه في التحليل العلمي خاصة في مجال العلاقات الدولية لا يمكن تغييب دور القوى الكبرى مثل أمريكا في هذا الجانب، وهناك ربما تحول على مستوى قوى كبرى في ما يخص قضية الصحراء”.
انعكاسات الاعتراف الأمريكي على قضية الصحراء
بخصوص الانعكاسات والتداعيات، أشار محمد الزهراوي إلى “الحفاظ على الوضع القائم في معبر الكركارات بمعنى شرعنة هذا الترسيم على المستوى الدولي والأممي الذي أصبح أمرا واقعا”، و”تفادي تحول مزاج الرؤساء داخل الإدارة الأمريكية”، و”تسييج الموقف الأمريكي في علاقته باللوبيات المتمثلة في جماعات الضغط التي يعترف بها القانون الأمريكي وينظم كذلك طرق التمويل الخاصة بها، خاصة أن الجزائر، ومع ارتفاع مداخيل الغاز والبترول، استطاعت أن توظف لوبيات في البيت الأبيض والكونغرس تلعب دورا مهما في ملف الصحراء المغربية”.
وسجّل الزهراوي، ضمن الانعكاسات، “انخراط قوى إقليمية ودولية في مسار دعم الحكم الذاتي؛ وإذا كانت أمريكا تدعم الحكم الذاتي فهذا المسار سيلقى دعما دوليا أكثر في المستقبل”، منبّها إلى “ميزان التسلح في المنطقة المغاربية”، و”التعاون المغربي الإسرائيلي في مجال الصناعات الدفاعية، ما جعل المنطقة المغاربية تعرف توازنا عسكريا بين المغرب والجزائر، عكس ما كان في السابق حينما كانت توظف مداخيل الكبرى للجزائر، من الغاز والبترول ضد مصالح المغرب، سواء في التسلح أو شراء اعترافات دول إفريقية ضعيفة وفقيرة وفي توظيف اللوبيات”.
وبعدما أكد الأستاذ الجامعي أن “هذا المكسب الإستراتيجي العسكري مكن المغرب من تأمين نفوذه وحماية ما بعد الحزام الرملي باستخدام الطائرات المسيرة”، طرح عددا من الأسئلة من بينها: كيف يكمن للمغرب أن يخرج الاعتراف الأمريكي من دائرة الصمت إلى الفعل والرئيس الحالي لم يتحدث عن قضية الصحراء؟ وهل وظف المغرب هذا الاعتراف كما يجب؟ وهل يمكن توظيفه بشكل أكثر إيجابية؟ وماذا يحتاج المغرب في المستقبل لكي يستفيد من هذا الاعتراف في العلاقات الأمريكية المغربية؟ وهل فعلا العلاقات الإسرائيلية المغربية قابلة للتطوير بشكل يمكن المغرب من الاستفادة من بشكل أكبر؟.
المصدر: هسبريس