الإصلاح وتكافؤ الفرص .. مؤلف جديد يناقش التعاقد في التشغيل العمومي
نقاش قانوني بالجامعة يواكب النقاش العمومي حول “التعاقد في التشغيل العمومي بالمغرب”، جمع أطواره مؤلف جماعي جديد صادر عن سلسلة فقه القانون والقضاء الإداري، ضمن منشورات “مجلة العلوم القانونية”.
يضم هذا المؤلف أشغال الندوة الوطنية حول “التعاقد في التشغيل العمومي بالمغرب”، التي نظمها سنة 2022 مختبر الدراسات السياسية والحكامة الترابية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية.
قدم هذا العمل محمد شادي، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، ونسقه كل من صالح النشاط، وخديجة الناصري، ومحمد المودن، وعبد الحي الغربة.
من بين ما يبحث فيه المؤلف، “التشغيل الجهوي في قطاع التربية الوطنية بين النظام التعاقدي والإطار النظامي”، و”التوظيف بالتعاقد بين نموذج عقد تشغيل الأساتذة المتعاقدين أطر الأكاديميات وبين عقد الشغل في المدونة الشغلية”، و”نموذج الخبراء في التشغيل بموجب عقود في الإدارات العمومية”، و”منازعات التعاقد أمام القضاء الإداري”، كما يبحث في “حدود وإشكالات التأمينات الاجتماعية للمتعاقدين ومبدأ المساواة”.
وقال سعيد خمري، رئيس شعبة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، إن “التعاقد في التشغيل العمومي بالمغرب” يمثل “موضوعا بالغ الأهمية، باعتبار أن التوظيف أو التشغيل من أهم حقوق الإنسان، بل هو وسيلة أساسية من وسائل حفظ كرامته وتحقيق مستواه المعيشي واستقراره العائلي وارتقائه الاجتماعي”.
وأضاف: “ينهل نظام الوظيفة العمومية في المغرب من النموذج الأوروبي، وخصوصا الفرنسي، حيث أن التوظيف في المغرب يتسم بطابع الديمومة، والاستقرار الوظيفي، حسب النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية بالمغرب. إلا أنه انفتح أخيرا على التوظيف بالتعاقد باعتباره صورة من صور النظام المفتوح، وهو موضوع جدير بالاهتمام والبحث والمناقشة من قبل الباحثين، للإحاطة بأهم الإشكالات المطروحة سواء على مستوى التأطير القانوني لعقود التشغيل في الوظيفة العمومية، أو على مستوى الحقوق المخولة للمتعاقد والواجبات الملزم بالقيام بها”.
وفسر خمري هذه الأهمية بكون “مضامين هذه العقود، وإن كانت عقودا للقانون العام، فهي تنهل من نظام الوظيفة العمومية من جهة، وقانون الشغل من جهة أخرى، وقواعد هذا الأخير هي الطاغية في العقد بشكل يكرس معيار السلطة العامة للإدارة وطغيان امتيازاتها، ويظهر ذلك من خلال المقتضيات المتعلقة بالرخص والتأديب وفسخ العقد والإخطار به والتعويض عن إنهاء العقد، وهي إشكالات تتطلب توفير ضمانات أكبر للمتعاقد تشجع على استقطاب الكفاءات لمزاولة المهن بوضعية تعاقدية”.
أما خديجة الناصري، مديرة مختبر الدراسات السياسية والحكامة الترابية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، فقالت: “لا غرو أن دور الجامعة أساسي في حياة الأمم والشعوب على اختلاف مراحل تطورها في مختلف المجالات، حيث انتقلت من أهدافها التقليدية من حيث البحث عن المعرفة، والقيام بالتدريس، إلى التفاعل مع المجتمع والبحث عن حاجياته وتوفير متطلباته، فكان لزاما علينا الانفتاح على بعض القضايا التي يعيشها المجتمع المغربي والاهتمام المباشر بها”.
وأبرزت المتحدثة ما يحظى به التعاقد في التشغيل العمومي بالمغرب من “اهتمام كل الباحثين والإداريين والفاعلين الجمعويين والمراقبين لتدبير الشأن العام”، مما تطلب الإسهام في النقاش، من باب “ترسيخ ثقافة تبادل الخبرات والرقي بمنظومة البحث العلمي”.
وباسم اللجنة المنظمة، قال محمد المودن إن موضوع الندوة المنشورة في المؤلف الجماعي “يستأثر في الوقت الراهن باهتمام الكثير من المسيرين والباحثين، خاصة وللتشغيل العمومي دور كبير في رفع كفاءة وفعالية المؤسسات لمواجهة التحديات والمنافسة في ظل ديناميكية البيئة الحالية، حيث إن سر نجاح الإدارة في تحقيق أهدافها لم يعد يكمن في مقدرتها على استخدام مواردها المالية فحسب، بل أيضا في مقدرتها على توظيف أكفأ الموارد البشرية، وهذه المهام تقع على عاتق وظيفة الموارد البشرية، وذلك من خلال تحديد وتوفير احتياجات الإدارة من الكفاءات اللازمة في الوقت المناسب وبالعدد المناسب”.
وأضاف: “نظرا لأهمية العنصر البشري والدور الذي يقوم به في تفعيل سير وتطور الإدارة بشكل خاص والتنمية المستدامة بشكل عام، وضعت المؤسسات والإدارات العمومية، أو ما يسمى بالوظيفة العموميةباعتبارها جزءا مهما في ضمان العملية الإدارية للدولةمبادئ موضوعية وقواعد مضبوطة للتوظيف”.
وزاد: “هذا الاهتمام نلمسه على الصعيدين الدستوري والقانوني، إذ نجد أن أغلب الدول، ومن بينها المغرب، اعتمد دائمية الوظيفة واستقرارها ودوامها بمثابة الركن الأساسي في تعريف الموظف، وأن علاقته بالدولة هي علاقة نظامية. إلا أن هذا لم يمنع المشرع المغربي من إقرار امكانية الأخذ بنظام التعاقد في التشغيل بعد صدور الفصل 6 مكرر بموجب القانون 50.05 بتغيير وتتميم الظهير الشريف 1.58.008 بمثابة النظام الأساسي للوظيفة العمومية سنة 2011، ثم المرسوم 2.15.770 بتحديد شروط وكيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية”.
هذه النصوص “نصت جميعها على إمكانية تلبية حاجيات الإدارة من الكفاءات والخبرات عن طريق التعاقد، لإضفاء نوع من الدينامية والتشجيع على الفعالية والمردودية”.
وفي هذا الإطار جاء النقاش في فضاء الجامعة “لا لمعالجة كل ما يمكن أن يبوح به الموضوع من إشكالات؛ لأن الموضوع واسع جدا، وإنما فقط خلق حوار علمي وبناء في موضوع تتجاذبه العديد من المداخل، وله تماس مع مشاكل ارتبطت به، وهي بالأساس تتعلق بإشكالات مفهوم التعاقد، وتكييف هذا النوع من العقود، وتأطيرها القانوني، ومنازعاتها، وضمان حقوق المتعاقدين، والمساواة وتكافؤ الفرص في التوظيف، وحماية المتعاقد”.
المصدر: هسبريس