اخبار المغرب

المتحف الوطني بمسقط يقدم تاريخ تشكّل الثقافة والسياسة في سلطنة عمان

ماذا لو كان بالإمكان التعرف على تاريخ شعب، بلد، تحوّلات تاريخية، انتصارات وانكسارات، ما يستحق العيش من أجله، وما يلذ العيش به، في جولة؟

هذه تجربة يوفرها المتحف الوطني لسلطنة عمان، الذي ينتقل بالزائر من عصور ما قبل التاريخ إلى عصر “عظمة الإسلام”، مرورا بتاريخ تشكّل الثقافة والسياسة العمانيتين، وكيف نظر إليها العالم، من خلال أعين وكتابات، من بينها على سبيل المثال لا الحصر رحلة المغربي ابن بطوطة.

وتنطلق الرحلة من أثر التاريخ في اللباس والحليّ والأكسسوارات النسائية والرجالية، ويرى الناظر كيف تنعكس ثقافة العيش في المظهر: لباس نسائي أطول من الخلف لمحو آثار أقدام لابسته، خنجر لُبس أوّل مرة للدفاع عن النفس صار رمز انتماء في عصر السلم، واعتقاد لدفع الشر وجد به “قرن الغزال” طريقه إلى القلائد، وإيمان وضع القرآن في حاوية خاصة تلبس انتماء وتجملا وحماية.

أما التطيب فجزء لا يتجزأ من المعيش العُماني، ممّا اقتضى تخصيص جزء من المعرض له، مع حضور مستمر لأدواته عبر المتحف: نباتات بخور، وكرم بالرائحة يستقبل به الضيوف، ومبخرات متعددة الأشكال والألوان والنقوش، من بينها ما اتخذ شكل سفينة.

لهذه السفينة تاريخ خاص بسلطنة عمان، تفصح عنه “قاعة التاريخ البحري”، التي تقول إن تاريخ هذه الحاضرة “بحري بامتياز”؛ حيث “أبحر الصيادون لقرون مضت على طول هذه السواحل، بحثا عن لقمة العيش، وارتحل التُّجّار العمانيون حاملين بضائعهم عبر البحار والمحيطات”، قبل خمسة آلاف سنة.

عمان التي كانت في العهد الإسلامي جزءا من شبكة تجارية واسعة تمتد من الصين إلى إفريقيا، يخبرنا معرضها هذا بعلاقتها بالسفن، وبنائها، وحياتها البحرية والعلمية، وعلاقاتها العالمية، مع إيراد ما يشهد على ذلك من أدب الرحلات، ولُقى، من بينها براميل حملت سلعا من الجزائر وتونس.

في قاعة “التاريخ البحري” نفَس تاريخي قوي، يُربط بالحاضر، وتشي لُقاه ورسوماته ومجسّماته بحياة غنية، أبت الاكتفاء بالاستقرار في اليابسة وخاضت مغامرة العيش بحرا، بحثا عن الحياة.

ويلمس الزائر تحوّلات الزمان في المتحف الوطني لسلطنة عمان، من زمن كانت فيه الأسلحة ضرورة لصَون الذات والمحيط، إلى زمن صارت فيه زينة، ومن زمن غابر صقلت فيه الرماح، إلى زمن نقشت وتنقش فيه السيوف والخناجر والبندقيات.

كما يحضر أثر الدين في الحياة اليومية وما يتعارف عليه الناس، فتحضر من بين المعروضات مكحلة رجالية تحمل تشبثا وتشبها بالسنة النبوية، ثم انتقال الزمن عبر توريث الذاكرة: يمنح الطفل حزاما خاصا في الخامسة، وبعد البلوغ يهدى خنجرا عُمانيا ليتشبث بتقليد الأجداد، ويعضّ بالنواجذ على الانتماء.

وهكذا تتشكّل الدولة ورموزها؛ تتوالى الأزمنة، واللقاءات، وتطوّرات الثقافة داخل فضائها في أقصى الخليج، وباقتباسات من محيطها العربي ومحيطها الإسلامي الآسيوي والإفريقي، بل من أوروبا أيضا، حتى صار “الشعار الوطني” سيفين منحنيين متقاطعين من نوع “الكَتّارة”، يتوسّطهما خنجر.

من الرموز أيضا شجرة اللّبان، التي تقدم في المتحف بوصفها جزءا لا يتجزأ من الانتماء العماني، مع الحديث عن المعتقدات المرتبطة بها، وَجُودِها الذي داوى وطيّب وجمّلَ، وحرّك القوافل والأساطيل التجارية.

ويجد الناظر هذا التشكّل الحضاري في آثار منقوشة باللغات القديمة لجنوب الجزيرة العربية، بلغات مثل السبئيّة المكتوبة بخطّ المسند، وصولا إلى شواهد القبور الإسلامية بالأحرف العربية الحالية، من عهد الّرسوليين.

ويتشبث المتحف الوطني بالتاريخ القديم لعُمان، عارضا قبورا ولقى وجدت داخلها تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، أدرجتها “اليونسكو” في قائمة التراث العالمي للإنسانية، وهي مدافن حجرية ببات والخُطْم والعين، تظهر ارتباطا حضاريا ببلاد الرافدين وبلاد فارس ووادي السِّند.

كما يحضر في المعرض رأس فأس يعود إلى مليوني سنة، وهو أقدم اللقى التي عثر عليها في شبه الجزيرة العربية، ومبخرة تعود إلى العصر البرونزي الأوسط، أي إلى أزيد من ألفي سنة قبل الميلاد، ونقش معاصر لها أو أقدم يعرف بـ”حجر آدم”.

بهذا المتحف أيضا تاريخ العمران بعُمان، ونظرة على نقوش بديعة على الخشب وغيره من المواد، ونظرة في الأثر الإسلامي العميق على هذه الحاضرة.

في شق “عظمة الإسلام” غنى؛ كنز من المخطوطات ومختلف أدوات العيش والكتابة والزخرفة، بل محراب كامل بنقوشه وكتاباته ومُصلّاه.

وتحضر الكتابة في مصاحف عديدة من مختلف العهود الإسلامية، بخطوط عديدة، وتذهيب، وعناية في التزيين والتجليد، ومخطوطات من بينها ما نسَخ “بردة” البوصيري.

أما قاعة التراث اللامادي فتجود بصورة عن الإبداع الفني بالسلطنة، خاصة في شق الموسيقى والرقصات، الرجالية والنسائية والجماعية، مع إتاحة الإبحار عبر أنغام عمانية.

ويصلُ المتحفُ تاريخَ السلطنة بحاضرها، فتحضر مقتنيات وهدايا ومعروضات من عهد السلطان قابوس، وأسلافه الذين امتد حكمهم إلى زنجبار بالقارة الإفريقية، وعلاقات الدولة بالعالم، إلى أن يحط الزائر الرحال قرب وثيقة توصية السلطان الراحل بمبايعة السلطان الرابع عشر هيثم بن طارق، التي تمت سنة 2020.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *