هولاكو مرة أخرى في نابلس والفلسطينيون لا زالوا في انتظار قطز..
بقلم العميد: أحمد عيسى المدير العام السابق لمعهد قلسطين لأبحاث الأمن القومي
ضرب جيش الإحتلال الصهيوني (هولاكو العصر الجديد) مدينة نابلس مرة أخرى يوم الأربعاء الماضي الموافق 22 شباط/فبراير –2023، حيث ارتكب مجزرة هي الأكبر في الضفة الغربية منذ نهاية الإنتفاضة الثانية، إرتقى على اثرها أحد عشرة شهيد معظمهم من الشيوخ والأطفال الأبرياء، وجرح أكثر من مئة من المدنيين الأبرياءجراح بعضهم وصفت بالحرجة.
وفيما كان هولاكو هذا قد ضرب الفلسطينيين منذ بداية العام الجاري أكثر من مرة وفي أكثر من مكان كجنين ومخيمها، وأريحا ومخيمها، وبيت لحم ومخيمها، والقدس وضواحيها، إلا أن جريمتههذه المرة كانت مختلفة عن المرات السابقة، ليس من حيث غزارة الدماء التي أراقها، أو من حيث حجم الدمار الذي أحدثه في المدينة، بل من حيث مدي العنجهية والإفتنان بالقوة التي بدى عليهما وعدم إكثراته بالعرب أو بشركائه المنافقين من الغرب الإستعماري، الأمر الذي تجلى بوضوح أيما وضوح في تنفيذه المجزرة وضح النهار وبعد مرور اقل من 48 ساعة على إستجابة الفلسطينيون للطلب الأمريكي وسحبهم (وسط إستغراب فلسطيني واسع) مشروع قراركانوا قد تقدموا به لمجلس الأمن لإدانة الإستيطان خاصة بعد قرار الحكومة تشريع تسع بؤر إستيطانية في الضفة الغربية توصف (ببؤر لا شرعية) والإكتفاء ببيان إدانة يصدر عن رئاسة المجلس، مقابل وقف الخطوات أحادية الجانب خاصة إجتياحات المناطق الفلسطينية وقتل الفلسطينيين.
في الواقع يستنسخ نتنياهو وبن غفير وسموتريتش في تغولهم علىدماء الفلسطينيين ومقدساتهم وما تبقى لهم من أرض لدولتهم الموعودة، وإستخفافه كذلك بل وإحتقاره للعرب والمسلمين، لا سيما الذين طبعوا علاقاتهم مع إسرائيل وبايعو قيادتها في حربها على أولى القبلتين وثالث المسجدين، بالقائد المغولي (هولاكو خان)عندما إحتاح بغداد حاضرة الخلافة الإسلامية العباسية في القرن الثالث عشر الميلادي وحرق مكتبتها ودمر معالمها وأباد معظم سكانها، علاوة على استخفافه واحتقاره لمن إستسلم لقوته وجبروته من الأمراء المسلمين وبايعه لجهة الحفاظ على سلطانه وإمارتهوحكمه.
وفيما بلغت عنجهية هولاكو ذروتها لا سيما بعد أن سيطر على العراق والشام، وبدأ بالإستعداد للهجوم على مصر شهدت فلسطين نهايته، حيت دارت على أرضها معركة عين جالوت التي تعتبر أبرز المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي والتي أحدثت تحول جوهري في ميزان القوى في المنطقة، إذ إستطاع جيش المسلمين (المماليك) بقيادة سيف الدين قطز إلحاق اول هزيمة قاسية بجيش المغول أو الجيش الذي لا يقهر في حينه بقيادة (كتيغا) ابن هولاكو، الأمر الذي يتوجب على العقلاء من اليهود (إذا لا زال لهم مساحة من التأثير) قرائته وإستخلاص ما فيه من عبر، لا سيما وأن نتنياهو وشركائه في الحكم قد فقدوا عقولهم ولا يروا الأشياء إلا من باب القوة والقوة فقط، والأهم أن عقولهم مسكونة بوهم أن هزيمة الشعب الفلسطيني ممكنة بتوظيف مزيد ما بحوزتهم من قوة.
فالمجازر المتتالية لتتار العصر في نابلس وجنين والقدس وأريحا وغزة وغيرها من المناطق الفلسطينية لم تستفز الفلسطينيين وحدهم بل إستفزت يقيناً الملايين من العرب والمسلمين وغيرهم من الأحرار حول العالم، الأمر الذي يستدعي من الفلسطينيين قبل العقلاء اليهود قرائة العبر الكامنة في نماذج قطز والظاهر بيبرس وصلاح الدين وغيرهم من نماذج النصر التي كانت فلسطين مسرحها في التاريخ.
وفي هذا الشأن أجادل أن أول العبر المستخلصة من نموذج قطزتتجلى في كونه يعتبر النموذج الأوضح للعقل والقلب المملوئين بالإيمان بالله وحتمية النصر، الأمر الذي ظهر بوضوح في رده على رسالة هولاكو التي دعاه فيها لأخذ العبر مما حل بالمسلمين في العراق والشام والإستسلام دون قتال، والتي كان أحد أمراء الشام الذين إستسلموا، قد كتبها له، حيث كان من بين ما قاله قطز في رسالته {أفيكون من الموت فرارنا وعلى الذل قرارنا… قولوا لكاتبكم الذي رصف مقالته، وفخم رسالته، ما قصرت بما قصدت، وأوجزت وبالغت، والله ما كان عندنا كتابك إلا كصرير باب أو طنين ذباب، قد عرفنا إظهار بلاغتك وإعلان فصاحتك، وما أنت إلا كما قال القائل: حفظت شيئا وغابت عنك أشياء…} الأمر الذي يجد تجلياته في رسائل ووصايا الشهداء في نابلس وجنين وشعفاط وسلوان وبيت لحم وغيرها من المناطق الفلسطينية
أما ثاني العبر فتكمن في دور قاضي القضاة في حينه المعز بن عبد السلام الذي كان له الدور الأهم في تربية وإعداد قطز للنصرفي وقت مبكر من حياته، عندما كان عبدأ في أحد بيوت تجار الشام المسلمين، ثم دوره الإستشاري والتوجيهي عندما عاد مع قطز لمصر وتولى العرش فيها العام 657 هجري/1259م.
وتدور العبرة الثالثة في ترتيب البيت الداخلي لمصر حيث بدأ بقمع ثورات الطامعين بالحكم، ثم اصدر عفواً عاماً عن الهاربين من مصر بعد مقتل فارس الدين أقطاي بمن فيهم بيبرس الذي سيكون من نصيبه القضاء على هولاكو وجيشه، ثم طلبه من القاضي العز إصدار فتوى تجيز له جمع الضرائب من المواطنين لتجهيز الجيش.
صحيح أن قمة العقبة قد إنعقدت للجم هولاكو الجديد ومنعه من تنفيذ مزيد من المجازر بحق الفلسطينيين، وهذا لا يضير من حضر من الفلسطينيين والعرب، إذ أنهم يقيناً ليسوا مستسلمين ولا مفرطين، ولكن أين سيكون الإتجاه بعد نكث هولاكو للعهود وارتكابه مجزرة جديدة بحق النساء والشيوخ والأطفال من الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم؟ لا سيما وأن من فقد بصيرته فقط هو الذي ينكر أن الظلم الواقع على الفلسطينيين والتجبر عليهم يدفع الأمة لإنتاج نماذج جديدة من قطز وبيبرس وصلاح الدين (ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا).