تؤكد إفادات حقوقيين وسياسيين تورط الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني في جرائم وانتهاكات جسيمة وتأسيس ميليشيات مسلحة، مع تباين المواقف حول تصنيفهما إرهابيين، وسط دعوات لحوار شامل وضمان محاسبة مرتكبي الجرائم ومنع الإفلات من العقاب..

التغيير: فتح الرحمن حمودة

في ظل استمرار الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي دخلت عامها الثالث تتزايد المخاوف من تعقيدات مسارات الحل السياسي في وقت تتصاعد فيه الاتهامات ضد أطراف بعينها بلعب دور محوري في تغذية النزاع وعرقلة جهود وقف إطلاق النار بين الأطراف المتقاتلة.

ومنذ سقوط نظام البشير المحلول في أعقاب ثورة ديسمبر المجيدة وبدء المرحلة الانتقالية التي أسسها اتفاق الوثائق الدستورية بين المكون العسكري والمدني هناك كانت قد شرعت الحركة الإسلامية في إعادة تنظيم صفوفها واضعة نصب أعينها للعودة إلى الحكم بأي وسيلة ممكنة، وقد كان انقلاب الجيش على الحكومة المدنية في 25 أكتوبر أحد أبرز تلك الوسائل وهو ما مهد لاحقا إلى اندلاع الحرب في أبريل من العام التالي .

منذ سقوط نظام البشير المحلول، إثر ثورة ديسمبر المجيدة، انطلقت المرحلة الانتقالية التي تم تأسيسها وفقًا لاتفاق الوثيقة الدستورية المبرم بين المكون العسكري والمكون المدني، والذي شكّل الإطار القانوني والسياسي لتنظيم الفترة الانتقالية. وفي ظل هذه المرحلة، شرعت الحركة الإسلامية في إعادة تنظيم صفوفها، واضعة هدف العودة إلى الحكم بأي وسيلة ممكنة. وكان انقلاب الجيش على الحكومة المدنية في 25 أكتوبر أحد أبرز تلك الوسائل، وهو ما مهد لاحقًا لاندلاع الحرب في أبريل 2023.

واليوم، وبعد أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع الحرب، تقود المجموعات الإسلامية القتال إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع. ووفقًا لتقارير دولية وإعلامية موثوقة، فقد تورطت هذه المجموعات، إلى جانب الدعم السريع، في ارتكاب انتهاكات وجرائم ضد المدنيين، مما أضاف فصولًا جديدة إلى سجل الحركة الإسلامية الحافل بالانتهاكات خلال العقود الماضية.

المؤتمر الوطني كتنظيم إرهابي

وتزامنت هذه التطورات مع تصاعد الدعوات لتصنيف حزب المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية السودانية كتنظيم إرهابي في ظل استمرارها في تعطيل مساعي التفاوض ووقف الحرب وسعيها الواضح لترسيخ نفوذها داخل المؤسسة العسكرية تمهيدا للعودة إلى السلطة .

بداية أغسطس الجاري، دعا التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) إلى حملة سياسية جماهيرية وإعلامية وقانونية شاملة لتصنيف حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية كمنظومة إرهابية دولياً ومحلياً وحظرها دستورياً وقانونياً وتجريم الانتماء إليها.

وأوضح التحالف عبر بيان أن هذه الدعوة تستند إلى سجل طويل من الانقلابات والعداء للديمقراطية وارتكاب جرائم إبادة جماعية ورعاية الإرهاب والفساد، إضافة إلى استخدام العنف كوسيلة وحيدة للبقاء في السلطة ورفضها المتواصل لأي حلول سلمية للأزمة السودانية.

وفقًا لمتابعة “التغيير”، أثار البيان تباينًا في ردود الفعل بين الأطراف المختلفة. فقد عبّر مؤيدون عن دعمهم لتصنيف المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية كجهات رئيسية تتحمل مسؤولية إشعال الحرب، باعتبارهما من قاد البلاد نحو هذا المسار. في المقابل، اعتبر آخرون أن الحركة الإسلامية ليست الطرف الذي بدأ الحرب، مطالبين بتوجيه التصنيف نحو بعض القوى المدنية التي يرونها متورطة في تصعيد النزاع. أما فريق ثالث، فرأى أن الخطوة تمثل تطورًا إيجابيًا، لكنه شدد على ضرورة شمول قوات الدعم السريع ضمن الجهات المصنفة لضمان شمولية ومصداقية الإجراء.

قال عضو المبادرة السودانية لوقف الحرب، فضيل عمر، إن موقف المبادرة ثابت ضد جميع أشكال الانتهاكات، مع تجديد الدعوة إلى تحقيق السلام عبر حوار سودانيسوداني شامل لا يستثني أحدًا، بما في ذلك التيارات الإسلامية. لكنه شدد في حديثه لـ”التغيير” على أن ذلك لا يعني تبرئة الحركة الإسلامية من الجرائم التي ارتكبتها في عهدها السابق، أو من دورها في نشر الإرهاب باسم الدين، مبينًا أن ممارسات الحركة الإسلامية تتقاطع مع سلوكيات العديد من الحركات الإسلامية في العالم التي أدت دورًا بارزًا في نشر العنف والتطرف وتقويض استقرار الدول.

عضو المبادرة السودانية لوقف الحرب، فضيل عمر

وأكد فضيل أنهم لا يسعون إلى تصنيف الحركة الإسلامية، فهي مصنفة عالميًا استنادًا إلى وقائع وأحداث شهدها السودان. وبيّن أن المقصود هنا بالحركة الإسلامية هو الكيانات التي ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق الشعب السوداني، وعلى رأسها الجناحان السياسي والعسكري المتمثلان في حزب المؤتمر الوطني المحلول وأذرعه السياسية والأمنية، التي كانت الأداة الرئيسة لتنفيذ تلك الممارسات. ويرى فضيل أن شكل التصنيف النهائي وما يترتب عليه من إجراءات هو حق أصيل للشعب السوداني ليحدد موقفه وفق رؤية وطنية جامعة.

وتتقاطع إفادة عضو المبادرة السودانية لوقف الحرب، فضيل عمر مع ما طرحه الناشط الحقوقي والسياسي محمد السيسي في تشخيص واقع الحركة الإسلامية ودورها في الأزمة السودانية، إذ يشدد كلاهما على مسؤولية الحركة عن جرائم وانتهاكات جسيمة سواء في عهد النظام السابق أو خلال الحرب الحالية مع الإقرار بتورطها في نشر العنف والتطرف باسم الدين، وبينما يركز فضيل على ضرورة أن يحدد الشعب السوداني بنفسه شكل التصنيف والإجراءات المترتبة عليه معتبرا أن الحوار السودانيالسوداني هو المدخل الأساسي لوقف الحرب يرى السيسي أن التصنيف كجماعة إرهابية خطوة واقعية ومتأخرة، لكنه يحذر من العقبات المرتبطة بتنفيذها خاصة في ظل التغلغل العميق للحركة داخل مؤسسات الدولة واستمرارها بنفس الأيديولوجيا التي قادت البلاد سابقا إلى الانقسام والحروب وما قد ينجم عن ذلك من تهديد لوحدة السودان واستقراره.

الناشط الحقوقي والسياسي، محمد السيسي

ويشير السيسي إلى أن تصنيف أي جهة يرتبط مباشرة بأفعاله وما يقوم به، وأوضح في حديثه لـ”التغيير” أن الحركة الإسلامية تنظيم استغل الإسلام لخداع البسطاء، في حين أن أفعاله الإجرامية لا تمت للإنسانية أو الإسلام بصلة، ويضيف أنه بناء على ذلك يعتبر تصنيف الحركة كتنظيم إرهابي أمر واقعي، بل إن هذه الخطوة جاءت متأخرة خاصة وأن العديد من الدول اتخذت إجراءات متشابهة حيث حلت هذه التنظيمات، أو وصفتها بالإرهابية.

ويشير السيسي إلى أن العقبات والتحديات تكمن في التنفيذ بسبب تمكين الحركة الإسلامية في كل مفاصل الدولة كما أقر بذلك الرئيس المخلوع عمر البشير، ويظهر ذلك بوضوح بعد الثورة إذ، رغم صدور قرار بحل حزب المؤتمر الوطني، فإن خلايا الحزب داخل المؤسسات كانت تعرقل التنفيذ، ويضيف أن هناك تحديا اجتماعيا يتمثل في إقناع البسطاء بأن الحركة الإسلامية محاربة في دينها وهو ما يعزز التعاطف معها.

إنهيار الدولة

ويؤكد أن استمرار وجود الحركة الإسلامية بنفس نهجها وأيديولوجيتها القديمة يعني نهاية الفعل السياسي، وقد يقود إلى انهيار الدولة بالكامل، كما حدث سابقًا من حروب وانتهاكات جسيمة في عهدهم، وصولًا إلى مطالبة قادتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية وتقسيم البلاد وفصل الجنوب. أما حرب 15 أبريل، فقد تنتهي بتمزيق البلاد وتهديد وحدتها. ويرى أن التعامل مع الحركة والمؤتمر الوطني وفق النهج القديم يمثل مكافأة لهما وتعزيزًا لثقافة الإفلات من العقاب، بما يضمن لمرتكبي الجرائم السابقة النجاة من المحاسبة مستقبلًا.

وفي السياق نفسه، لا يبتعد موقف الحقوقيين والقانونيين كثيرًا عن رؤية محمد السيسي. إذ يؤكد المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، عثمان حسن صالح، أن مسألة التصنيف لا تقتصر على بعدها الأخلاقي أو السياسي، بل تخضع لمعايير وشروط واضحة تضعها وتطبقها الجهات الرسمية والدولية، ما يجعلها عملية معقدة تتطلب أسساً قانونية وإجراءات دقيقة لضمان فعاليتها ومصداقيتها.

توافر الشروط

يوضح عثمان حسن صالح، في حديثه لـ”التغيير”، أن تصنيف أي جهة كتنظيم إرهابي لا يرتبط بعامل الزمن، بل بتوافر الشروط والظروف اللازمة لذلك، مشيرًا إلى أن هذا التصنيف يصدر عادة بناءً على تقييم شامل تجريه الحكومات أو المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة.

ويضيف أن الحركة الإسلامية نفذت انقلاب 30 يونيو 1989 ضد نظام ديمقراطي منتخب، وفرضت أجندتها بقوة السلاح، وقطعت الطريق على السلام، وأنشأت “بيوت الأشباح” وارتكبت انتهاكات واسعة. كما خططت في عام 1995 لاغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا، وارتكبت العديد من الجرائم الأخرى التي تدعم تصنيفها كمنظمة إرهابية من بينها جريمة فض الاعتصام ضد المدنيين السلميين ثم انقلاب 25 أكتوبر ضد حكومة الثورة التي كانت جزءاً منها قبل أن تشعل حرب 15 أبريل بهدف العودة إلى الحكم.

 

المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، عثمان صالح
المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، عثمان صالح

ويشير صالح إلى أن الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني أنشآ ميليشيات مسلحة خارج إطار القوات النظامية، مثل “كتائب البراء” و”كتائب الظل”، وهو ما يعد كافيًا لتصنيفهما تنظيمًا إرهابيًا. لكنه يوضح أن وجود حكومة مستقلة ومحايدة في السودان يُعد شرطًا أساسيًا لإجراء تقييم شامل، غير أن سيطرة الحركة على مفاصل الدولة تحول دون ذلك. أما على الصعيد الخارجي، فإن مسألة التصنيف تعتمد على مدى توافر الشروط والأنشطة التي مارسها التنظيم، إضافة إلى تأثير التوازنات السياسية والمصالح الدولية على القرار.

ويشدد على أن موقفه من الحركة الإسلامية لا يرتبط فقط بمسألة تصنيفها كتنظيم إرهابي، بل بممارساتها التي تعمل ضد إرادة الشعب، وتسعى لفرض أجندتها عبر العنف والتطرف.

ويرى صالح أن التعامل مع الحركة الإسلامية في السودان، يجب أن يبدأ داخلياً من خلال رفع الوعي الشعبي بممارساتها والوصول إلى إجماع وطني عبر مؤتمر دستوري جامع يضع ثوابت الدستور المستقبلي بما في ذلك الحكم الديمقراطي المدني ومنع إنشاء أحزاب أو تنظيمات قائمة على أفكار دينية أو متطرفة وإعادة هيكلة القوات النظامية بما يقطع الطريق على تكرار ممارسات الحركة.

ومن الزاوية التحليلية السياسية يلتقي طرح عثمان حسن صالح مع ما يورده الصحفي والمحلل السياسي، شوقي عبد العظيم الذي يستند بدوره إلى شواهد التاريخ وتجارب مشابهة في دول أخرى لإبراز خطورة الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني على المشهد السياسي في السودان.

وأكد شوقي أن تصنيف المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية كتنظيمات إرهابية يستند إلى شواهد التاريخ وممارسات الحركة في السودان حيث مارست السياسة بالعنف والسلاح، وارتكبت جرائم كثيرة، وأشعلت الحروب وأنشأت مليشيات، بل واعترف قادتها بذلك حتى قوات الدعم السريع كما يقول هي نتاج مباشر للحركة الإسلامية.

ويضيف لـ “التغيير” إن هذه الشواهد تجعل الحركة مؤهلة للتصنيف كتنظيم إرهابي خاصة مع احتكارها للقوة عبر الجيش مشيراً إلى أن تجارب مشابهة حدثت في دول أخرى مثل الجزائر بعد “العشرية السوداء” ومصر، والإمارات، والسعودية، والأردن حيث تم اتخاذ إجراءات مماثلة ضد تنظيمات إسلامية مسلحة.

ويرى عبد العظيم، أن الحركة منذ يومها الأول اعتمدت على العنف كما شكلت بيئة خرجت منها تنظيمات مثل “التكفير والهجرة” وغيرها من التنظيمات المتبنية للعنف، ويخلص إلى أن هذا التصنيف، رغم إبعاده السياسية ضروري للمشهد السياسي؛ لأنه يميز بين ممارسة السياسة السلمية وممارسة العنف كوسيلة للسلطة.

وتتفق رؤية الصحفي والمحلل السياسي شوقي عبد العظيم مع ما طرحه إيهاب مادبو حول أحقية تصنيف الحركة الإسلامية كجماعة إرهابية، إذ يستند كلاهما إلى سجل الحركة الحافل بالعنف والحروب وتكوين المليشيات وما اعترف به قادتها من ممارسات مسلحة لإحكام السيطرة على السلطة، وفي حين يركز شوقي على أن هذه الممارسات تجعل الحركة مؤهلة للتصنيف استنادا إلى شواهد التاريخ وتجارب مماثلة في دول أخرى يشدد مادبو على أن القرار المرتقب سيستند إلى أدلة تثبت دور الحركة في إشعال حرب 15 أبريل، 2023، وأنه سيشكل أداة فعالة لوقف تمويلها ومنع تسليحها بما يضعف قدرتها العسكرية، ويمهد لتسوية سياسية توقف الحرب في السودان.

الصحفي والمحلل السياسي، إيهاب مادبو

قرار وشيك

ويقول مادبو إن السودانيين يترقبون بقلق قرار وشيك قد يصدر خلال الأسابيع المقبلة يقضي بتصنيف الحركة الإسلامية كجماعة إرهابية، وذلك بعد توافر أدلة تثبت تورطها في إشعال الحرب .

وأوضح  في حديث مع “التغيير” إن أدبيات هذا التنظيم تؤكد أن البندقية هي وسيلته للوصول إلى السلطة، وأنه لا يختلف عن تنظيمات الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط كما أشارت بعض التقارير الموثوقة إلى أن هذا التنظيم يمثل الامتداد الدولي لجماعة الإخوان المسلمين في هذه الحرب بهدف إعادة تموضعه في دول الإقليم خاصة في منطقة إفريقيا شمال الصحراء.

وأضاف مادبو أن تصنيف الحركة الإسلامية كجماعة إرهابية سيؤدي إلى منع بيع الأسلحة لها ووقف التمويل الذي تحصل عليه إلى جانب تعطيل تداول أموالها مما سيحد من قدراتها المالية والعسكرية، ويرى أن هذه الخطوة ستمهد الطريق لأي تسوية مستقبلية تهدف إلى وقف الحرب في السودان.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.