تاج السر عثمان بابو
١
أشرنا سابقا أن الحرب الجارية هي امتداد لمجزرة فض الاعتصام، وانقلاب ٢٥ أكتوبر 2021، الذي أعاد التمكين للطفيلية الاسلاموية التي راكمت اموالها طيلة أكثر من ٣٠ عاما بالنهب اقتصاديا والقمع سياسيا ، ومواصلة حماية المصالح الطبقية المتجسدة في شركات الجيش والدعم السريع والمليشيات المتحالفة معهما، بالتالي من الوهم تصور تسليم السلطة للمدنيين، كما كشف أخيرا تعيين كامل إدريس كواجهة لحكم العسكر، الهدف هو تصفية الثورة، والتمكين للمحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب لنهب ثروات البلاد، مما يتطلب تشديد المقاومة في جبهة جماهيرية قاعدية لوقف الحرب واسترداد الثورة، وتفكيك التمكين وعودة أموال الشعب المنهوبة، وعدم الإفلات من العقاب، وخروج العسكر والدعم السريع والمليشيات من السياسة والاقتصاد، وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي
وقد أوضحنا في مقال سابق تلك المصالح الطبقية التي تزايد نهمها للنهب والفساد في الحرب اللعينة الجارية، والتي تقف حجر عثرة أمام تسليم السلطة للمدنيين، بعنوان ” وهم تسليم السلطة للمدنيين”، الذي نشر في موقع الحوار المتمدن بتاريخ : ١٨ /٩ /٢٠٢٢، ويفيد إعادة نشره.
٢
واهم من يصدق حديث البرهان وحميدتي بتسليم السلطة طوعا للمدنيين، فالسلطة الانقلابية متورطة في جرائم ضد الانسانية وابادة جماعية، سوق تظل متشبثة بها حتى اقتلاعها اقتلاعا من تربة الوطن، فضلا عن مصالح طبقية تشدها للتمسك بالسلطة حتى الموت ، كما في شركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع ، وشركات الرأسمالية الطفيلية الإسلاموية والجديدة الصاعدة من حركات جوبا وغيرها الداعمة للانقلاب الدموي.
أشرنا سابقا إلى خطاب فولكر أمام مجلس الأمن الذي اعطي معلومة مضللة لمجلس الأمن عندما ذكر أن مشروع الإطار الدستوري الذي عُرض على الآلية الثلاثية ورد من نقابة المحامين ، علما بأن اللجنة التسييرية لنقابة المحامين لا تمثل مجموع المحامين في اعدادها للإعلان الدستوري، والواقع أن مقترح الاعلان تم فرضه من الخارج في غياب جماهير شعبنا ، لتمرير التسوية التي تعيد إنتاج الشراكة مع العسكر تحت اسم مجلس الأمن والدفاع ، والاعتراف بالدعم السريع مع حديث في الإعلان الدستوري عن دمجه في الجيش ، والإبقاء على إنفاق جوبا الذي تحول لمحاصصات ، وفشل في وقف الحرب والعنف القبلي الذي اشتد بعد الاتفاق وبعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي شاركت فيه حركات جوبا.
كما جاء في الأخبار زيارة حميدتي للإمارات التي استغرقت (36 ساعة) بعدها عادت الإمارات إلى الآلية الرباعية، بهدف الاسراع في عملية التسوية.
بعد ذلك تم اجتماع لحميدتي مع البرهان أقر بتولي المدنيين اختيار رئيس مجلس السيادة والوزراء منهم ، والتزم بخروج المؤسسة العسكرية من العمل السياسي والانصراف تماما لمهامها المنصوص عليها في الدستور.
٣
تزامنت مع تلك الخطوات تهديد العقيد الحوري بساعة الصفر لانقلاب عسكري ، وفك حسابات (152) لشركات وأفراد من النظام المدحور ، وقبلها تم فك حسابات (150) منهم ، فضلا عن عودة نشاط منظمة الدعوة الإسلامية، وإحكام قبضة التمكين في الخدمة المدنية والقضائية والنيابة والعسكرية، كما هو جاري من الإعفاءات الجارية حاليا في الجيش والخدمة المدنية، كلها خطوات تصب في الهيمنة على جهاز الدولة ليسهل التزوير في الانتخابات المتوقعة في نهاية الفترة الانتقالية.
من الجانب الآخر تتسارع الخطوات لنهب ثروات البلاد في ظل الحكومة الانقلابية غير الشرعية، كما في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير المالية جبريل إبراهيم الذي أكد علي الشراكة مع العسكر لمواصلة القمع والفساد ونهب ثروات البلاد ، واوضح فيه العرض الإماراتي لبناء ميناء علي ساحل البحر الأحمر في منطقة أبو عمامة على بعد(230) كلم من ميناء بورتسودان ، يضم المشروع : منطقة صناعية ومنطقة سياحية ، ومشروع زراعي بمنطقة ابوحمد شمال السودان بمساحة ( 500 ألف) فدان ، وتشييد طريق للربط بين الميناء والمشروع الزراعي.
هذا اضافة للوفد الروسي للتنقيب عن الذهب في حلفا شمال برفقة مبارك اردول ، وما تم التوصل اليه من اتفاق مع الروس حول التنقيب عن الذهب وغيره في زيارة وزير المعادن الأخير محمد بشير ابونمو مع اردول ، كل تلك المشاريع مرفوضة من جماهير شعبنا في الشرق والشمال وغيرهما ، في ظل السلطة الانقلابية غير الشرعية التي لا تملك الحق في إبرام اتفاقات كهذه في غياب المؤسسات الشرعية الدستورية ، اضافة لزيادة النهم لنهب ثروات البلاد ، مع اهتزاز الانقلاب تحت ضربات المقاومة المستمرة.
من جهة أخري صرح الرئيس الإسرائيلي أنه متفائل بتقدم المفاوضات مع السودان للوصول إلى اتفاق تطبيع كامل ، فرغم إعلان الفريق البرهان التوصل لتفاهمات مع اسرائيل في سبتمبر 2020 ، مقابل رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ، فانه لم يصل حتى الآن إلى اتفاق كامل مع اسرائيل.
لتحقيق كل الأهداف أعلاه في تصفية الثورة بالتسوية التي تخلق استقرارا لنهب ثروات البلاد ، وقيام الميناء الإماراتي، وهدف ابعاد أمريكا وحلفاؤها العسكر من التقارب مع روسيا والصين في الصراع الدولي المحتدم من أجل نهب ثروات السودان وافريقيا ، و من أجل تعزيز الوجود العسكري على ساحل البحر الأحمر، واستكمال التطبيع مع الكيان العنصري الصهيوني الذي تقف خلفه الإمارات التي عادت مرة أخري للرباعية، والاسراع في انجاز الشراكة على أساس الإعلان الدستوري المقدم من الآلية الثلاثية عبر اللجنة التسييرية لنقابة المحامين الذي فصلته على مقاس التسوية التي تعيد إنتاج الوثيقة الدستورية “المعيبة” التي انقلب عليها العسكر.
٤
أما حديث البرهان وحميدتي بتكوين حكومة مدنية ورئيس مجلس سيادة ورئيس وزراء مدني ، في ظل الشراكة الجديدة المقترحة في الإعلان الدستوري، فهو يتعارض مع المصالح الطبقية التي ما قام انقلاب اللجنة الأمنية في 11 أبريل وامتداده في 25 أكتوبر 2021 ، إلا للدفاع عنها ، كما رشح عن شروط الانسحاب مثل: أن تكون الاتصالات في يد وزارة الدفاع والخارجية في بنك السودان يد المكون العسكري ، ، مما يعني تجريد الحكومة المدنية من قوتها الاقتصادية الفاعلة ، ويجعلها تدور في حلقة مفرغة تحت ظل هيمنة العسكر باسم مجلس الأمن والدفاع.
معروف أن مصالح شركات الجيش والجنجويد والرأسمالية الطفيلية الإسلاموية والجديدة، ترتبط بالمحاور الخارجية مثل محور ( السعودية الإمارات مصر) بتصدير القوات السودانية لحرب اليمن التي تتعارض مع احترام استقلال وسيادة الدول الأخرى ، وتصدير تلك الشركات المحاصيل النقدية لمصر والماشية ، والذهب القذر الملوث بدماء ضحايا الابادة الجماعية في مناطق التعدين واستخدام المواد الضار بالبيئة في استخراجه ( السيانيد ، الزئبق.الخ) إلى الإمارات ( على سبيل المثال بلغ صادر الذهب للإمارات العام 2020 حوالي 16 مليار دولار)، كما تدعم الإمارات مليشيات الدعم السريع بالاسلحة لنهب ثروات البلاد وأراضيها لمصلحة استثماراتها مع الدول الخليجية الأخرى ، والتي تصل عقودها إلى 99 عاما ، فضلا عن استنزاف المياه الجوفية ، وعدم تعمير مناطق الاستثمارات ، ونسب عائدها الضئيل للدولة ، وبالتالي عاد السودان لعهد الاحتلال التركي المصري عام 1821م بهدف الرجال ( العبيد ) والمال ( الذهب) واستنزاف موارد البلاد الزراعية واراضيها وتصدير الأرباح لتلك الدول مع افقار شعب السودان وحكمه بالحديد والقمع والنار والمزيد من الضرائب والجبايات، و ابادة السكان الاصليين كما يجري في دارفور حاليا ( أحداث جبل مون، منواشي، معسكر كرنديق، جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق ، وغرب كردفان الأخيرة. الخ) بهدف نهب اراضيهم أو حواكيرهم وثرواتهم الحيوانية والاستيلاء علي مناطق التعدين كما حدث في جبل عامر، ويحدث حاليا في جبل مون وغيره الغني بالذهب والمعادن الأخري.
٥
يتم نهب ثروات البلاد في ظروف تعاني منها البلاد من كوارث الفيضانات والسيول ، وشبح المجاعة ، وارتفاع الأسعار وشح الجازولين وارتفاع أسعاره وتدهور الإنتاج الزراعي والصناعي و خدمات المياه والكهرباء ، وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية والبيئة . الخ. ، فيتم تهريب ذهب السودان كما الأمثلة التالية :
في تهريب الذهب كشف وزير المعادن السابق موسى كرامة بأن المنتج من الذهب 250 طنا سنويا تُهرب منها 200 طنا سنويا (الشرق الأوسط: 11 يناير 2020م) ، أي أكثر من 70% من إنتاج الذهب في السودان يتم تهريبه.
هذا اضافة لما كشفه تحقيق قناة ال (سي.ان.ان) الأخير عن تهريب الذهب لروسيا الذي بلغ عائده 13 مليار دولار..
كما كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أن قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ حميدتي تسيطر على مناجم عدة للذهب في دارفور ومناطق سودانية أخرى، مشيرة إلى دور إماراتي في استيراد هذا الذهب مما يزيد من نفوذ حميدتي ومليشياته ( رويترز : 11/ 2/ 2020).
وبحسب التحقيق الصحفي، فإن الإمارات هي أكبر مستورد للذهب السوداني في العالم، إذ استوردت 99.2% من الصادرات، وفقا لبيانات التجارة العالمية لعام 2018.
ولفتت الغارديان في هذا السياق إلى تعاقد الإمارات أيضا مع قوات الدعم السريع للقتال في اليمن وليبيا، حيث قدمت الأموال إلى تلك القوات.
ويجدر بالذكر أن رويترز نشرت في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني تقريرا يكشف عن دور حميدتي وعائلته في السيطرة على الذهب، وقالت إن شركة الجنيد تتجاوز قواعد البنك المركزي لتصدير الذهب وتبيعه للبنك المركزي نفسه بسعر تفضيلي ( المصدر غارديان).
اضافة لاستمرار انتهاك السيادة الوطنية كما في توقيع الخرطوم والقاهرة بروتوكولا للتعاون في الصناعات الدفاعية والأمنية (الراكوبة: 2 /12/ 2021) مما يعني كشف أسرار البلاد العسكرية واستباحة البلاد في ظل احتلال مصر لحلايب وشلاتين وأبورماد.
كما جاء في الأنباء أن البرهان منح الدعم السريع نسبة 30% من منظومة الصناعات الحربية ، علما بأن الدعم السريع مرتبط كما اشرنا سابقا بالامارات والسعودية، مما يعني التفريط في السيادة الوطنية واسرار الجيش السوداني.
٦
تلك هي المصالح الطبقية لتلك الدول للحفاظ علي الحكم العسكري في السودان لتأمينها، كما في التدخل لفرض “الوثيقة الدستورية المعيبة” التي كرّست هيمنة العسكر ، وقننت الدعم السريع دستوريا، والإفلات من العقاب بتجاهل مجزرة فض الاعتصام، وتسليم البشير للجنائية ، وكانت ايضا وراء انقلاب 25 أكتوبر،
وتحاول تكرار ذلك بالإعلان الدستوري المقدم من اللجنة التسييرية لنقابة المحامين لإعادة إنتاج الشراكة الفاشلة والانقلاب العسكري من جديد، واستمرار هيمنة العسكر علي مفاصل الاقتصاد والأمن والدفاع والعلاقات الخارجية وبنك السودان والاتصالات، والإعلام ،مع وجود شكلي لسلطة مدنية لا حول لها ولا قوة، وهذا ما ترفضه قوى الثورة ، والتي تمضي قدما في المزيد من التنظيم وانتزاع النقابات والتحالفات القاعدية وتوحيد المواثيق ، و المذكرات والعرائض ، والمقاومة بمختلف الأشكال كما هو جارى الآن في الإضرابات والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات والمواكب والمليونيات حتى الانتفاضة الشعبية الشاملة والاضراب السياسي العام والعصيان المدني لإسقاط الانقلاب وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي، وحماية ثروات البلاد ، والسيادة الوطنية وقيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم بعيدا عن المحاور والأحلاف العسكرية وقيام القواعد العسكرية على أراضي البلاد، وحماية موانئ البلاد.
المصدر: صحيفة التغيير