أخيراً حصلت “توتو” وهي أم لأربعة أطفال، على ملوة ذرة من سوق كادوقلي بعد يومين من تحويلها مبلغ 30 ألف جنيه لأحد التجار ثم الانتظار مع آخرين فعلوا ذات الشيء ليتم تسليمهم حسب أقدمية التسجيل.
هكذا أصبحت الأوضاع المعيشية في كادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان، نتيجة الحصار الذي تتعرض له من قبل الحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو من جهة وقوات الدعم السريع من جهة أخرى.
بصوت يملؤه الألم والحزن، تحدثت “توتو” لـ”دارفور24″ عن معاناتها اليومية في كادقلي قائلة “يوم أمس الساعة 2 ونصف بعد الظهر، حصلت على ملوه ذرة بعد أن قضيت يومين كاملين في الانتظار، أخيرًا حصلت على حصتي بعد تسجيل اسمي وتحويل المبلغ”.
وتابعت “لم يكن الأمر سهلاً، فقد كنت أصرخ وأنا واقفة في الصف مع باقي الأسر طوال الأيام الماضية، كنت أنتظر من الساعة 5 صباحًا في السوق، وكلما جاء دوري، أكتشف أن الحصة نفدت”.
وواصلت توتو: “هذا حالنا في كادقلي، كل أسرة هنا تذهب إلى السوق باكرًا، في الخامسة صباحًا، فقط لتتمكن من الحصول على ملوة واحدة من الذرة، وفي كثير من الأحيان، نعود إلى بيوتنا بلا شيء، أطفالنا يعانون الجوع ولا نجد ما نطعمهم له”.
الجيش يحتكر الذرة
وتأتي هذه الذرة من مخازن الجيش السوداني الذي احتكر تجارتها بعد نقل كل الكميات الموجودة في السوق إلى مخازنه بالمدفعية واللواء 55 ومخازن الفرقة 14، وفق مصدر مطلع.
وقال المصدر المطلع إن قيادات الجيش عقدت لقاءًا مع إدارات أهلية خلال “مائدة قبيلة كادوقلي”، حيث طمأنت القيادات المواطنين بتقليل سعر الجوال من 600 ألف إلى 500 ألف، وصرحت بأن لدى الجيش 7 آلاف جوال ذرة سيتم توزيعها على مراكز البيع بسعر 11 ألف جنيه للملوة.
وأضاف “بعد ذلك، تم بيع كمية كبيرة من الذرة في السوق السوداء بسعر مرتفع بلغ 28 ألف جنيه”ـ وتابع “يفعل الجيش ذلك عل ذلك حتى لا يفكر المواطنين في مداهمة المخازن”.
وأكد المصدر أنه لا يوجد تاجر في السوق لديه الإمكانيات المالية للتجارة في العيش عدا تاجر واحد، يُعتبر وكيلًا لقادة الجيش والأمن والشرطة، الذين وحدهم لديهم كميات كبيرة من الذرة المخزنة. وأضاف “هذا التاجر يمتلك حاليًا ما يزيد عن 25 ألف جوال من الذرة”.
وأكد أن وكيل الجيش يوزع في اليوم فقط جوال أو جوالين من الذرة لمراكز البيع، الأمر الذي يجعل المواطنين ينتظرون يومين أو ثلاثة للحصول على ملوة واحدة فقط من الذرة.
واتهم المصدر المدير التنفيذي لمحلية كادوقلي وقيادات الجيش والشرطة والأمن، بالمشاركة في الأزمة، وأشار إلى أن السلطات الأمنية منعت منح التجار تصريحاً لجلب البضائع من الدلنج وبيعها بأسعار مناسبة، في وقت تم تفريق أفراد من الجيش لجلب البضائع من الدلنج.
كارثة وشيكة
ويعاني سكان مدينة كادقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان، أوضاعًا معيشية متدهورة، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية وشيكة قد تصل إلى حد المجاعة، وفق مصادر محلية.
من جانبها، قالت مصادر مطلعة لـ”دارفور24″ إن غرف الطوارئ بدأت في تقديم خدماتها قبل أسبوعين بعد توقف المنظمات الإنسانية بسبب القيود التي فرضتها السلطات على عمل هذه المنظمات.
وأضافت المصادر أن “غرف الطوارئ تعاني من نقص التمويل، حيث أن الدعم الذي يصلها غير كافٍ لتغطية احتياجات الأسر المستهدفة، كما أن هناك معوقات من جانب السلطات، مما يمنع الغرف من شراء كافة الكميات التي تحتاجها من الأسواق”.
في ظل هذا الوضع، بدأت غرف الطوارئ في استقطاب الدعم من أبناء المدينة في الخارج لتأمين بعض الموارد الضرورية.
وكانت السلطات قد أوقفت في أبريل الماضي غُرف الطوارئ العاملة في المدينة، وهي المبادرات المحلية التي تُقدم مساعدات طارئة للمتضررين من الحرب في دور الإيواء والأسر الضعيفة، كما أوقفت السلطات أنشطة المنظمات الإنسانية تمامًا، واعتقلت عدد من المتطوعين تحت ذريعة مصادر التمويل المشبوهة، في استهداف ممنهج للعمل الإنساني في المدينة”، حسب المصادر.
ارتفاع الأسعار واختفاء السلع
قال أحد التجار بسوق كادقلي، لـ”دارفور24″ إن الأسعار ارتفعت بشكل غير مسبوق، حيث وصل سعر ملوة العيش إلى 30 ألف جنيه، وملوة البصل إلى 100 ألف جنيه، وكيلو الدقيق 26 ألف جنيه، وكيلو السكر 26 ألف جنيه.
كما أشار إلى اختفاء العديد من السلع من السوق، مثل الزيت، في ظل الأزمة الاقتصادية والضغط الكبير الذي يواجهه المواطنون.
وأضاف التاجر أن “السبب وراء هذه الزيادة في الأسعار يعود إلى الحصار المفروض على المدينة، بالإضافة إلى قيام الجيش بنقل بعض السلع من مخازن السوق إلى مخازنه الخاصة في السرف”.
وتابع “هذه الزيادة في الأسعار جعلت العديد من المواطنين غير قادرين على شراء المواد الغذائية الأساسية، مما دفع العديد من الأسر إلى التحول إلى متسولين في السوق، في محاولة للحصول على ما يسد جوعهم”.
وكانت مصادر “دارفور24” في كادوقلي كشفت عن استيلاء السلطات الأمنية على مساعدات غذائية تم شراؤها من قبل برنامج الأغذية العالمي (WFP) من أحد التجار المحليين بغرض توزيعها على المحتاجين.
تكميم الأفواه
من جهته قال مصدر في كادقلي طلب حجب اسمه لأسباب أمنية إن “السلطات تقيّد حرية المواطنين وتكمّم أفواههم لمنعهم من التعبير عن حالة الجوع التي يعيشونها”.
وأضاف أن “السلطات تعتقل كل من يحاول أن يعكس حالة الجوع التي تعيشها المدينة، وأن شباب غرف الطوارئ ما زالوا يداومون في مكاتب جهاز الأمن منذ أكثر من أسبوع”.
وذكر أن الوضع في كادقلي أصبح كارثيًا، إذ لا يمكن للعديد من الأسر تأمين الطعام لأطفالها بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار، بينما تواصل السلطات تضييق الخناق على أي محاولة لإيصال صوت الجوع والمجاعة إلى العالم الخارجي.
وقال: “إذا لم يتم التعامل مع الوضع بشكل عاجل، فالمواطنون سيموتون جوعًا.”
وطالب منظمات المجتمع المدني، والحكومة المحلية والمجتمع الدولي بالتدخل العاجل لتخفيف معاناة سكان كادقلي.
وأضاف أن “هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود المفروضة على المنظمات الإنسانية وتسهيل عمليات الإغاثة لتوفير الغذاء والمساعدات الأساسية لسكان المدينة الذين يواجهون ظروفًا قاسية تهدد حياتهم”.
المصدر: صحيفة الراكوبة