منعم سليمان

حين تعجز سلطة العسكر والكيزان، الذين أشعلوا نار الحرب، عن مواجهة الحقيقة، تُلاحق أصحابها في الداخل عبر النيابات، وفي الخارج عبر السفارات، لا كمجرمين، بل كمنفيّين بلا حقٍّ في الهوية الصوريّة.

وها نحن نراهم اليوم، في قعر انحطاطٍ لا قرار له، وقد انحدروا كما يليق بهم إلى أدوات القمع الصغير: تسليح الأوراق، ومنع إصدار جوازات السفر أو تجديدها، وتعطيل الهويات الورقية، ضد أولئك الذين هزموا رصاصهم بالفكرة والكلمة.

إنّ ما يتعرّض له أعضاء تحالف القوى المدنية الديمقراطية *(صمود)* من منعٍ تعسفي لإجراءاتهم الرسمية في سفارات السودان، ليس إلا انتقامًا سياسيًّا خسيسًا، سبق أن طال ولا يزال كلَّ من رأوا في سحنته أو لكنته، أو ظنّوا في اسمه، أن أصوله من دارفور أو كردفان، وقد ارتدّوا، بعد الهزائم الثقيلة التي تجرّعوها في حربهم، إلى حيث ينبغي لهم أن يكونوا؛ مع منافقي التاريخ، الذين من شدّة خبثهم ورُعبهم، يحسبون كلَّ صيحةٍ عليهم.

إنّ هذه الإجراءات التعسفية ليست إلا إعلانًا صريحًا بأنّ هذا الجيش لم يعُد جيش السودان، بل جيش الكيزان، الذين قَبِلوا أن يدمّروا البلاد، ويحرقوها، ويقتلوا شعبها، ويُجوّعوهم، ويُشرّدوهم، في سبيل عودتهم إلى الحكم: باقين على رؤوسنا، وباغين على بلادنا!

وهو تأكيدٌ كذلك على أنّ الدولة التي يسعون إلى تأسيسها ليست سوى *دولة الكوز* والغنيمة، وأنّ سفراءهم في الخارج ليسوا ممثّلين للشعب، وأنّ قناصلهم في سفاراتهم ليسوا سوى كلابِ حراسةٍ قذرة، لا تملك حتى حواسّ الكلاب؛ فالسوداني الذي جاؤوا “لخدمته” هو ذلك الكوز المتكرّش بالفساد، وذاك الكائن الباهت الذي لا وطنية له ولا كرامة؛ يرى في حرب عودتهم إلى السلطة “كرامةً للوطن”، وفي جيش الكيزان جيشًا للسودان!

لكن ما لا تُدركه سلطة العسكر والكيزان في بورتسودان، أن تحالف *(صمود)* لم يكن يومًا ختمًا على ورقة، ولا ملفًّا محفوظًا في درج سفيرٍ صغير؛
*صمود* فكرةٌ راسخة، تسكن قلوب الملايين ممّن يحلمون بوطنٍ ديمقراطي، سيّد، حرّ، وإنساني.

وهي، إذًا، ليست حركةً تُقمع، ولا كيانًا يُلاحَق، بل فكرةٌ لا تموت .. فكرةٌ تنهض، كلما أرادوا وأدها، أشدَّ تماسكًا، وأعمقَ توحُّدًا، وأقوى حضورًا.

ثم إنّ جواز السفر، في جوهره، لا يمنح الانتماء، ولا يصنع المواطنة؛ بل يُيسّر المرور فقط.
أمّا المواطنة الحقّة، فليست تلك التي تُصاغ في ورقة تُختم بشعار دولةٍ فاسدة، بل هي ذلك الانتماء العميق، الذي يفضح زيف الجواز حين تمنحه سلطةٌ غير شرعية، كسلطة *كيزان بورتسودان*.

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.