خيبة الأمل… من حكومة تكنوقراط إلى مهزلة تكنوكوز وتكنوكلاش!

حسن عبد الرضي الشيخ

قالوا لنا، ذات مؤتمر صحفي مفعم بالهيبة المصطنعة: إنها حكومة الأمل!
فصفّق البسطاء، وهلّل الحالمون، وأطلق التكنوقراط الجُدد لحاهم الذهنية، كما تُطلق البالونات في حفلات التخرُّج.

لكننا سرعان ما اكتشفنا أن الأمل المقصود لم يكن خلاص الشعوب من مستنقعات الموت والفساد والغباء السياسي… بل كان أملًا بسيطًا جدًّا: الجلوس على الكراسي… بأيّ ثمن، ولو على جماجم الوطن!

في خطابه السياسي، طرح الدكتور كامل إدريس ما سمّاه: “حكومة تكنوقراط مستقلة”، تقود ما تبقّى من الدولة، بعد فشل الفلول، والكيزان، والبرهان، وأشباه القادة في الوصول إلى توافق.
ابتدعوا مبادرة اسمها “ميثاق الأمل”، دعمها بقايا النظام السابق، وقادة الحركات المسلحة، ورجال أعمال، ونُخب تبرّجت بالوطنية، وهي تُسوّق للفكرة الفخيمة: “الكفاءة لا الولاء”.

ثم قيل لنا من جديد، وبصوتٍ مبحوحٍ بالثقة: “إنها حكومة كفاءات”، وكان الشعار يومها صاخبًا صارمًا: “كامل لا يُجامل!”
لكننا، وبعد حين، فهمنا أن كامل لا يُجامل في تعليمات البرهان ومن أتوا بهما!

الواقع قال لنا غير ذلك:
وزير المالية هو جبريل إبراهيم، رجل تحالف مع النظام البائد، وعُرف بطرح “جبايات الإبداع” رسوم البلاغات نموذجًا.
فها هو جبريل إبراهيم، القائد المسلّح غير القبلي كما جاء في منشورات العلاقات العامة يُعيَّن وزيرًا للمالية، ثانية وثالثة (كية)!
نعم، جبريل ذاته الذي أوصى جنوده ألّا يهدموا عمارات الخرطوم لأنهم “سيسكنونها لاحقًا”.
جبريل الذي يُبرّر تمسّكه، في سذاجة مضحكة، بوزارة المالية بحجّة الحفاظ على استحقاقات “سلام جوبا” الذي لم يذق السودانيون طعمه بعد!
جبريل نفسه الذي جعل من فتح البلاغات مشروعًا استثماريًّا: يعني لو (دقّوك)، لازم تدفع عشان تقول “آي”!

أليست عبقرية؟ حكومة لا تحميك… لكنها تُجبرك على دفع رسوم إذا أردت أن تشتكي منها!
إنها ليست حكومة، بل شركة جباية ذكية، شعارها:
“اضرب المواطن… وخليه يدفع كمان!”

التشكيلة كلها مشبوهة باللاشفافية:
لا برنامج، لا إعلان، لا حوار مع الشعب.
تدوير نفايات سياسية، نفس الوجوه، بربطة عنق جديدة.
وغياب التوافق، فقط توزيع غنائم.
تضارب في الهوية، إذ تكنوقراط بالاسم، أحزاب ومليشيات بالمحتوى.
وانفصالها عن الواقع، فهي حكومة “نُخب مُكيّفة” في ظل حرب وانهيار.

ثم جاءت القفشة الكبرى:
“تكنوقراط غير حزبيين… ما عدا المؤتمر الوطني!”
وهنا يسأل الساخرون، ببراءةٍ تشبه خبث الأطفال:
هل “عدا” أداة استثناء، أم اختراع لغوي جديد في علوم الحكم بالتقسيط؟

إن كانت استثناءً نحويًّا، فمن الطبيعي أن يطلّ علينا الدكتور عبد الله محمد دَرَف الكوز الجوّال، اللاعب الحر في دوري وزارات الإنقاذ لا مؤاخذة تنقّل بين الصحة والعدل وغيرها!
رجل (إريتري) بمواصفات “جوكر” حقيقي في حكومة التكنوكوز، محامي البشير سابقًا، ورمز العدالة الانتقالية لاحقًا بحكم الخبرة، لا المبادئ.
وقد تولّى وزارة “العدل” لليونة المبادئ!

أما التشكيلة الوزارية نفسها، فهي ليست حكومة، بل كولاج سياسي، أو دعنا نقول:
“كرتون أكشن” مختلط بالفانتازيا وقصص الزومبي المُعاد تدويرهم!

وزير الدفاع: كوز ودبّاب سابق. وزير الشؤون الدينية: من حركة مسلّحة، ليؤدّي الفرائض بسلاح ميري، ووزير الزراعة: كوز مُخضرم. وزير التعليم العالي: متخصص في خصخصة العقول قبل الجامعات. وزير المعادن: من حركة مسلّحة أخرى، جاء ليحرُس الذهب لا لينمّي الموارد.

أما “محاسن الكوزة”، فقد تم تدويرها من جديد كقائد وسط الملعب الوزاري…
كأنّك تشاهد إعادة مباراة قديمة، لكن بتعليق جديد! وتكتمل الخيبة بتدوير النفايات، إذ يحتفظ محمد كرتكيلا، القيادي في الحركة الشعبية مالك عقار بحقيبة وزارة الحكم المحلي والتنمية الريفية.
كيف يُنمّي الريف من يعد ويُهدِّد، في فيديو شهير، بتدمير الخرطوم؟!

وهكذا، وبسلاسة مريبة، تدرّجت “حكومة الأمل” من وهم “التكنوقراط” إلى حكومة هجينة من “التكنوكوز” و”التكنوكلاش”!
نعم، حكومة التصادمات الإيديولوجية، والمصالح المتشابكة، والوزارات التي تُدار كما تُدار محلات الشيشة في سوق ليبيا (زمااااان)…
كل زول فاتح ليهو ركن حكومة!

لم تعد هذه حكومة وطن، بل أصبحت أشبه بـ”قروب واتساب”:
تُشكَّل بالرسائل الصوتية، وتُدار بالمذكرات السرية، وتُموَّل بالجبايات…
ثم سوف تنهار فجأة!

ونحن؟ نُصفّق… ثم نئن… ثم نصمت… ثم نرجع نُصفّق!

يرفض هذه الحكومة الشارع، ولجان المقاومة، وكل من لا يرضى أن يُحكم بوصفة كيزانية في عبوة تكنوقراطية مزيفة.

فيا أهل السودان…
هذه ليست حكومة أمل، بل إعادة تدوير نفايات سياسية في أكياس ملوّنة،
وإذا لم نقل “كفى” اليوم، فسنُجبر غدًا أن نقولها ونحن نحمل الوطن في تابوت من صفيح “التكنوكلاش”!

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.