كتب : بابكر فيصل
في الثالث من يوليو الجاري أعلن مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون الإفريقية، مسعد بولس، أن واشنطن ستستضيف قريباً مؤتمراً وزارياً لبحث الأزمة في السودان وأشار إلى أن المؤتمر سيعقد بمشاركة وزراء خارجية السعودية والإمارات ومصر، إلى جانب وزير الخارجية الأمريكي.

وأضاف المبعوث الأمريكي أن المؤتمر يهدف إلى إعادة إحياء المبادرة الرباعية الرامية إلى إيجاد حل سلمي للنزاع الدائر في السودان، قائلاً : “ندرك جميعاً أن الأزمة في السودان لا يمكن حسمها عسكرياً، والحل الوحيد الممكن هو الحل السلمي الذي يتطلب قبولاً من جميع الأطراف”.

كنا قد قلنا منذ وقت مبكر أن تطاول أمد الحرب و إنعدام الإرادة الداخلية لوقف القتال سيؤدي في خاتمة المطاف لتدخل خارجي يوقف الحرب وفقاً لأجندته ورؤيته ومصالحه التي قد لا تتوافق بالضرورة مع المصالح الوطنية.

ويبدو جلياً أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد قررت إطفاء الحرائق في إفريقيا وأماكن أخرى من العالم وفقاً لما أطلقت عليه “الدبلوماسية التجارية” التي تستند في الأساس على تحقيق مصالحها الإقتصادية التي يقف في مقدمتها الحصول على “المعادن النادرة” في سباقها المحموم مع الصين وروسيا للتحكم في مصادر الطاقة وتكنلوجيا الذكاء الإصطناعي.

ومن جانب آخر، فإنَّ دول الرباعية الأخرى ( السعودية، مصر ، الإمارات) التي ستجتمع مع الإدارة الأمريكية في واشنطن، تسعى لتحقيق أهدافها وتأمين مخاوفها في السودان، وهو أمرٌ مفهوم في إطار العلاقات بين الدول والتي تتحكم فيها المصالح أولاً وقبل كل شيء.

وعندما تكون الجبهة الداخلية متشظية ومتضاربة المصالح والرؤى والأهداف، فإنَّ من المرجَّح أن تُفرض عليها حلولاً قد لا تؤدي لمعالجة أسباب الحرب الجذرية وتمنع إندلاعها مرة أخرى في المستقبل القريب.

أمام هذه المعطيات فإنه تتوفر ثلاث سيناريوهات لوقف الحرب :

أولاً/ إجراء حوار وتفاوض بين السلطتين القائمتين (بورتسودان ونيالا) لوقف إطلاق النار والتوصل لإتفاق سياسي يتضمن قيام حكومة “وحدة وطنية” بين الطرفين، وهو السيناريو الذي تم التوصل له في الحرب الأخيرة بدولة جنوب السودان.

ثانياً/ التوصل لإتفاق وقف إطلاق نار بين الطرفين المتقاتلين (الجيش, الدعم السريع) بحيث يحتفظ كل طرف بالمناطق التي يسيطر عليها ضمن سلطته المعلنة (حكومته)، وهو الإتفاق الذي تم التوصل له في ليبيا.

ثالثاً/ التوصل لإتفاق شامل لوقف وإنهاء الحرب ويتضمن إتفاق وقف إطلاق نار و عملية سياسية يُشارك فيها الطرف المدني.

من الجلي أن السيناريوهين الأولين لن يؤديا لإنهاء الحرب بل لإطفاء حريقها مؤقتاً كما تؤكد ذلك احداث تجدد القتال كل يوم (جنوب السودان) وتزايد إحتمالات تقسيم البلاد (ليبيا). كل المعطيات تُشير إلى أن هذين السيناريوهين يتماشيان مع الرغبة الخارجية في وقف القتال بأي شكل.

السيناريو الثالث الذي يهدف للوصول لحل شامل يضمن وقف و إنهاء الحرب بمخاطبة جذورها هو الذي يضمن إستدامة السلام و عدم تجدد الحرب ولكنه يتطلب توافقاً مدنياً عريضاً يعمل على الضغط على الأطراف المتحاربة والخارجية بطريقة لا تستبعد تحقيق مصالح تلك الأطراف في إطار المصالح الوطنية العليا.

ومع تسارع إيقاع مساعي وقف الحرب، يتوجب على القوى المدنية أن تعمل على قيام مؤتمر المائدة المستديرة وتكوين الجبهة العريضة في أقرب وقت حتى تتمكن من فرض رؤيتها وتجنب تحقق سيناريوهات حكومة الوحدة الوطنية وحكومات الأمر الواقع التي لا محالة ستؤدي لتجدد القتال مرة أخرى كما تُضاعف من مخاطر تقسيم البلاد.

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.