منتدى الإعلام السوداني
صباح محمد آدم
الخرطوم، 23 أغسطس 2025 ، (مركز الألق للخدمات الصحفية) أدى اندلاع الحرب في السودان إلى تدمير او إغلاق معظم المستشفيات والمرافق الصحية العامة والخاصة التي تقدم الرعاية الطبية للنساء الأمر الذى اجبر العديد منهن، خاصة النساء الحوامل، إلى الولادة في ظروف غير مناسبة سواء في المنازل أو داخل مخيمات النزوح.
ارتفاع معدلات وفيات الأمهات
د. سوسن عبد القيوم اخصائية النساء والتوليد قالت: ارتفعت معدلات وفيات الأمهات وحالات النجاة من الموت الناتجة عن النزيف او العدوى او تسمم الحمل وغيرها من المضاعفات، فالقابلات المجتمعيات والكوادر الطبية اضطروا للنزوح والفرار من مناطق النزاع داخلياً أو إلى خارج البلاد، مما فاقم الأزمة وضاعف العبء على النساء واطفالهن. وفى المدن الأكثر أمانا واجهت النساء تحديات أخرى تمثلت في نقص خدمات الرعاية السابقة واللاحقة للولادة نتيجة الضغظ الهائل على النظام الصحى، كما صعّبت الأوضاع الأمنية وانعدام وسائل النقل وارتفاع تكاليف المعيشة من إمكانية الوصول إلى المرافق الصحية القليلة التي ما زالت تعمل في هذه الظروف، كما تعاني النساء من انعدام خدمات تنظيم الأسرة وصعوبة الحصول على وسائل منع الحمل.
تقاطعات الانتهاكات والمخاطر الصحية
أما الناجيات من الاغتصاب، فالكثير منهن لم يتلقين العلاج اللازم بسبب صعوبة الوصول إليهن وضعف منظومة الدعم، في حين تمتنع كثيرات عن الإفصاح عما تعرضن له، وهو ما يشمل ضحايا من الذكور والإناث على حد سواء. وتؤكد د. سوسن أن العواقب الجسدية والنفسية لهذه الانتهاكات هائلة، والحمل الناتج عنها غالبًا ما يُحرم من خيار الإجهاض.
وإلى جانب ذلك، تواجه النساء والفتيات في مناطق النزاع صعوبات في الحصول على الفوط الصحية، لا سيما في مخيمات النزوح . كما تعاني النساء في مرحلة ما قبل وبعد انقطاع الطمث من انعدام الرعاية الصحية والأدوية اللازمة لحالاتهن.
هذه الحقائق ترسم صورة قاتمة لواقع النساء في مناطق الحرب، حيث تتقاطع المخاطر الصحية مع الانتهاكات الإنسانية، لتشكل أزمة مركبة تهدد حياة الآلاف وتترك آثارًا طويلة الأمد على المجتمع.
نساء على حافة الخطر
في قلب مناطق النزاع، حيث أصوات الانفجارات تعلو على أنين المرضى، تتكشف مأساة صامتة للنساء والفتيات. حيث تؤكد د. ماجدة محمد على ان أكثر من 70% من المستشفيات أغلقت أبوابها، والمستشفيات المتخصصة في الولادة تحولت إلى مبانٍ خاوية أو ركام. مشيرة الى انه في ظل هذا الخراب، تجد آلاف النساء الحوامل أنفسهن مضطرات للولادة في ظروف غير آمنة، بين جدران منازل متهالكة أو داخل الخيام، دون أي تجهيزات للتعامل مع نزيف حاد أو ولادة متعثرة قد تنتهي بالموت.
فالرعاية الصحية للأمهات تكاد تكون معدومة، والوصول إلى الفحوصات السابقة للولادة أو المتابعة بعدها أصبح حلمًا بعيد المنال، تعيقه المخاطر الأمنية وانعدام وسائل النقل وارتفاع التكاليف، بينما ينهار ما تبقى من مرافق صحية تحت ضغط الأعداد الهائلة للمرضى. ونقص الكوادر الطبية جعل المشهد أكثر قتامة، وترك نساء كثيرات بلا أمل في الحصول على أبسط حقوقهن الصحية.
الناجيات في دائرة الإهمال
وفي هذا الواقع القاسي، تتلاشى فرص تنظيم الأسرة، فتزداد حالات الحمل غير المرغوب فيه، وتتضاعف مخاطر الوفاة أثناء الحمل أو الولادة. أما الناجيات من الاغتصاب، فغالبيتهن لا يتلقين العلاج ولا يجدن من يسمع صوتهن، فوصمة العار والخوف تسكت الكثيرات، بينما يظل الألم الجسدي والنفسي حبيس الصدور.
قصص النساء هنا لا تحتاج إلى أرقام لتثبت المأساة، فكل وجه يحمل رواية عن معاناة، وكل ولادة في ظل هذه الظروف هي معركة للبقاء. هذه الأزمة ليست مجرد شأن صحي، بل كارثة إنسانية تتطلب تدخلًا عاجلًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولحماية حق النساء والفتيات في الحياة والكرامة .
العنف الجنسي يفاقم المخاطر
وفاء آدم اخصائية علم الأجنّة تقول : انهار النظام الصحى الهش أصلا في السودان بالكامل، لتصبح خدمات الصحة الجنسية والانجابية النادرة في الأصل، شبه معدومة . وفى ظل تفشى العنف الجنسى على نطاق واسع وغياب الوصول الى الى العلاج يواجه السودان خطراً مرتفعا لحدوث أزمة صحية عامة مرتبطة بانتشار فيروس نقص المناعة البشرية (الايدز ) وغيره من الأمراض المنقولة جنسياً .
وتتفاقم الأزمة الصحية أيضا بسبب حالات الحمل الناتجة عن العنف الجنسي المستمر، حيث تتزايد الروايات عن عمليات اجهاض غير آمنة مما يعرض النساء والفتيات لمعدلات مرتفعة من المرض والوفيات في ظل انعدام الخدمات. وتزيد وصمة العار المرتبطة بالاغتصاب والحمل من خطورة الوضع على الصحة للمتزوجات والفتيات واسرهن بلجؤهم الى اخفاء الولادة خوفا من الوصم الاجتماعى مما يؤدى الى ولادات في ظروف بالغة الخطورة .
كما ان انقطاع الوصول الى وسائل منع الحمل يظل يمثل تحديا إضافيا، فالسودان كان يعتمد بشكل كبير على تمويل المانحين وخدمات القطاع الخاص لتوفير خدمات الصحة الإنجابية، ومع الوضع الراهن تعطلت هذه الخدمات التي كانت في الأصل توزع بشكل غير عادل ما يعنى انعدام توفر او إمكانية الحصول على وسائل منع الحمل الحديثة للنساء والفتيات داخل السودان. وفي ظل هذه الظروف يصبح ضمان الوصول الى خدمات الصحة الجنسية والانجابية ضرورة لإنقاذ حياة النساء والفتيات واسرهن ومجتمعهن. كما تبرز الحاجة الملحة لتدخل وطنى للصحة العامة بهدف منع حدث (وباء الايدز) بعد الحرب بالاستفادة من دروس وتجارب الدول الأخرى التي مرت بذات الظروف المشابهة لواقع السودان .
* ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد (مركز الألق للخدمات الصحفية) لتسليط الضوء على الأثر المدمر للحرب على صحة النساء والأمهات في السودان، حيث أدى انهيار النظام الصحي إلى حرمانهن من الرعاية الأساسية لمجمل النساء والناجيات. كما زاد انعدام خدمات الولادة والرعاية الإنجابية من معدلات وفيات الأمهات والمخاطر الصحية. ويدعو إلى تدخل عاجل لحماية حق النساء والفتيات في الحياة بكرامة.

المصدر: صحيفة التغيير