
عبدالله رزق أبو سيمازه
يعتبر نشوء جماعة الإخوان المسلمين في مصر ، على يد حسن البنا الساعاتي ، في الإسماعيلية ، عام ١٩٢٨، في نظر كثير من المؤرخين ( د. رفعت السعيد ، عبدالله أمام ، د.عبدالعظيم رمضان ، مثلا) ، ردا على سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا ،عام ١٩٢٤ ، ومن ثم كانت عودة الخلافة ، وحكم الإسلام في مقدمة مستهدفاتها . وقد خلص رمضان من معاينة سجلها الدموي ، من مقتل القاضي الخازندار إلى اغتيال البنا، إلى مسؤولية الجماعة عن إدخال العنف في الحياة السياسية ، ومن ثم توفير المبررات للسلطة لاستخدامه ، وهو ما يشير له مؤرخو الإخوان بالمحنة الأولى والثانية والثالثة . ومع ذلك فقد شهدت السنوات الخمس والسبعين الماضية ، جولات متواترة من الصدام بين الاخوان والدولة . هذا النزوع نحو العنف لدى الإخوان ، جعل الجماعة تتحول لمصدر رئيسي لما عرف ، عالميا ، بالارهاب ، مما دفع عدة بلدان عربية لحظرها ، ما يرهص بنهاية قرن الإخوان ، الذي كانت انتفاضة ديسمبرابرز علاماتها الكبرى . وبسبب من افتقارها للبرنامج السياسي ، واعتمادها على الشعارات العامة ، فقد اعتبرت دائما جماعة ضغط ، غير مؤهلة للحكم . وفي السودان ، ظلت الجماعة ، لوقت غير قصير ، وهي تبشر بدعوتها ، منذ منتصف اربعينات القرن الماضي ، تفتقد المبررات الموضوعية الصلبة ، التي يمكن أن تسند نشأتها ، على هامش المعركة المحتدمة من أجل الاستقلال ، دون أن تشكل إضافة ، كمية أو نوعية ، للقوى الوطنية ، ترفد المعركة . ويبدو أن اخوان السودان ، كما هو شأن اخوان مصر ، ليست لديهم حساسية كافية تجاه الاستعمار . فقد قدمت نفسها ، او هكذا بدت ، كجماعة دينية تدعو لمكارم الاخلاق ، لا كحزب سياسي . هذه الصفة مكنتها ، في وقت لاحق ، من أن تفلت من الحل ، بعد انقلاب ١٧ نوفمبر في السودان ١٩٥٨، كما في مصر ، بعد ٢٣ يوليو ١٩٥٢ . لذلك بقيت عشر سنوات ، منذ بدء وصول المبعوثين المصريين ، في مرحلة التبشير ، قبل أن تعقد مؤتمرها الأول عام ١٩٥٤، مؤتمر العيلفون ، الذي شاركت فيه ثلاث مجموعات ، لكن المؤتمر خرج منقسما على ثلاث مجموعات أخرى ، حمل التيار الرئيسي منها ، اسم جماعة الإخوان المسلمين ، ولكنه رفض الارتباط التنظيمي بمركز الجماعة الام ، في القاهرة ، حسب ، الدكتور حسن مكي ، في كتابه عن جماعة الإخوان المسلمين .
الإخوان .. الوجه الاخر للشيوعية..
تدين جماعة الإخوان المسلمين في تعزيز مبررات وجودها واستمراريتها للشيوعيين ، الذين تكون حزبهم في نفس الفترة ، منتصف اربعينات القرن العشرين ، بعد أن ظلت لوقت طويل ، تفتقد قابلية الاستمرار ، وجدارة التنافس مع الأحزاب المنخرطة في معركة الاستقلال . ولاحظ د.حسن مكي ،( حركة الإخوان المسلمين ) ، تواتر حالات تساقط عضوية الجماعة ، خلال هذه الفترة التأسيسية المتطاولة . لكن الجماعة وجدت في محاربة الشيوعية ، هدفا استراتيجيا ومبررا كافيا ، وهو أمر كان له تأثيره الكبير على تطورها . فقد اكتسبت الكثير من خبرات وطرائق عمل الشيوعيين ، وتكتيكاتهم ، فأصبح لهم ،على سبيل المثال ، منظماتهم الجماهيرية ، خاصة ، وسط الشباب والنساء والبروليتاريا . فعلى ايقاع محاربة الإلحاد والشيوعية ، دخلت الجماعة ميدان النشاط السياسي ، حيث شغل الاخوان باستثارة العواطف الدينية للمواطنين . وملاحقة الشيوعيين في كل مكان ، بما في ذلك عطبرة ، ذات الرمزية الخاصة الشيوعيين ، هذه الملاحقة التي لم تخل من استخدام العنف ، خصوصا ، في الوسط الطلابي ، في جامعة الخرطوم ، تحكمت في تحديد خريطة انتشار الاخوان ، بدلالة انتشار الحزب الشيوعي . مما له دلالة في هذا الصدد ، ان الترابي أقر بأن جماعته فشلت في الدخول في الريف بسبب هيمنة الاسلام الصوفي ، وهو نفس ما قاله الخاتم عدلان بصدد انتشار الحزب الشيوعي في الريف ، خلال مناقشة داخلية ، معينا السبب نفسه . فقد أصبحت الجماعة بمثابة “عفريتة ” ، نيقاتيف ، الشيوعية ، بالمعنى الفوتوغرافي الدارج للمفردة ، او نوعا من الشيوعية المؤمنة . لذلك ، وبسبب ارتهانها كليا لنشاط وفعل الحزب الشيوعي ، كرد فعل معاكس له في الاتجاه ، وان لم يكن مساويا له في القوة ، فإنها تجد نفسها مضطرة لاختلاق العدو الشيوعي إن لم تجده ، أو دمغ اي خصم ، ايا كان ، بالشيوعية . ولعبت الجماعة ، من خلال موقعها التبعي للقوى الرجعية ، دورا مؤثرا في التحريض على حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان ، عام ١٩٦٦، بالاستثمار في حادثة افك منسوبة لأحد الشيوعيين ، مما أدى إلى أزمة سياسية ، أفرزت انقلاب العقيد جعفر نميري عام ١٩٦٩.
الترابي في المسرح السياسي
يعتبر صعود الدكتور حسن الترابي ، في المسرح السياسي ، وفي قيادة الجماعة ، خاصة ، علامة فارقة في تطورها . ويميز الترابي ، نفسه ، في كتابه عن (الحركة الإسلامية .. النشأة والتطور والكسب )، بين مرحلتين : التقليدية والحديثة . والاخيرة هي فترة قيادته للجماعة ، مدى الحياة ، الا قليلا ، لولا تمرد التيار الرئيس ، الذي ارتبط بالقيادة العسكرية للإنقاذ . لم يكن الترابي إسلاميا ، بالمعني السياسي للمفردة ( الإسلام السياسي تأليف المستشار محمد سعيد العشماوي ) ، حتى أنهى دراساته العليا في لندن ثم السوربون ، ومن ثم عاد ليعمل أستاذا للقانون بجامعة الخرطوم . فقد كتب لزميله في الدراسة في باريس ، الدكتور منصور خالد ، يخطره برغبته في دخول الحياة السياسية ، بعد عودته للبلاد ، وهو ما صرح به د. منصور خالد ، نفسه ،في مقابلات صحفية . ويعتقد أن أول نشاط سياسي للترابي ، هوحديثه في ندوة ، من سلسلة ندوات في جامعة الخرطوم ، عن مشكلة الجنوب ، واول ظهور له هو مخاطبته موكب تشييع الشهيد احمد القرشي ، شهيد ثورة أكتوبر ١٩٦٤ ، في ميدان عبدالمنعم ، نيابة عن أساتذة جامعة الخرطوم ( مذكرات محمد سيداحمد الحسن تحرير عادل سيد احمد ) . وقد حل الترابي ، محل الرشيد الطاهر بكر ، في منصب مرشد الجماعة ، فيما كان الرشيد يقضي حكما بالسجن ، إثر محاولة انقلابية فاشلة عام ١٩٥٩ ، للإطاحة بحكم الفريق ابراهيم عبود ، الذي جاء عبر أول انقلاب عسكري ، تشهده البلاد ، بعد عامين من إعلان الاستقلال . وقد اختار الترابي ، منذ يومه الأول في المعترك السياسي ، الانحياز بحزبه الناشيء إلى جانب حزب الأمة ، في تحالف غير متكافئ ، حصره في لعب دور محدود ، كذراع لقوى اليمين وسط القوى الحديثة . وهو حدث له تأثيره العميق ايضا ، في تطور الجماعة ، كرديف لحزب الأمة ، وتبلور اتجاهها السياسي ، بتكريس طابعها اليميني الرجعي . وبجانب نشاطها فيما تسميه محاربة الشيوعية والالحاد ، نشطت ، أيضا ، في محاربة الطرق الصوفية ، بتأثير من الوهابية ، وفي محاربة الحزب الجمهوري ، بزعامة محمود محمد طه.
الإخوان والسلطة السياسية
بعد سنوات من الاصطفاف في معارضة نميري ، بجانب حزب الأمة والاتحادي الديموقراطي ، في الجبهة الوطنية ، التحق الاخوان بقيادة الترابي ، وحزب الأمة ، بنظام نميري . وظل جزء من النظام لسبع سنوات ، حتى بعد تراجع المهدي ، مساهما في إطالة عمره . غير أن تلك المشاركة لم تكن مشروطة بالتزام النظام بتطبيق الشريعة الإسلامية . وهو مؤشر لضعف التزام الجماعة بمشروع إسلامي أو حضاري، أيا كان ، وقابليتهم للمساومة بذلك المشروع ، أن وجد ، واستعدادهم للتخلي عنه ، متى ما تحصلوا على المقابل . لقد تبنى الإخوان ، شكليا ، إسلاما براغماتيا ، تحت لافتة فقه الضرورة ، لاباحة التنصل من أي حكم ديني لا يخدم أيا من مستهدفاتهم الدنيوية . وفي غياب الوضوح بشأن الشريعة وتطبيقها ، والتي ظل يدعو إليها الاخوان ، فقد استقر عندهم أن تطبيق العقوبات الحدية ، هي جماع الشريعة . ومع أنهم دفعوا نظام نميري ، في لحظة إفلاسه ، لتبني ذلك الفهم للشريعة ، كنظام للعقاب ، ومشاركة كوادرهم ، كقضاة ، في إنفاذ تلك العقوبات ، إلا أنهم ، عندما انفردوا بالحكم ثلاثين عاما ، لاذوا بالتقية ، وامتنعوا عن تطبيق تلك الاحكام ، التي عرفت بقوانين سبتمبر، واوعزوا لقضاتهم بالاجتهاد ، في درء الشبهات ، لتفادي تطبيق الأحكام الحدية ، ولتجنب الصدام مع المجتمع الدولي ، بشأن قضايا حقوق الإنسان ، كما حدث في عهد النميري . لقد استخدم الإخوان الإسلام كجهاز لقمع الخصوم السياسيين ، وارهابهم ، ولتبرير حكمهم ، عندما استولوا على السلطة ، والذي تجسد في التمكين السياسي والاقتصادي ، مثلما تم توظيفها من قبل ، حسب الترابي ، وسيلة ضغط على الحزبين التقليديين ، الامة والاتحادي . وكانت الدعوة للدستور الاسلامي ، في ستينات القرن الماضي ، ابرز تكتيكات الضغط والابتزاز ، التي تعرض لها الحزبان ..
السلطة والسلطة الملتبسة بالإسلام في خدمة الرأسمالية الطفيلية
بخروجهم على ما يتواضع عليه عالميا باللعبة البرلمانية ، وفي عداء صريح الديموقراطية ، انقض حزب الاخوان ، الجبهة الإسلامية القومية على السلطة ، التي يشارك فيها على المستوى التشريعي ، بانقلاب عسكري ، في ٣٠ يونيو ١٩٨٩ ، لغرض الانفراد بالحكم ، ووضع الدولة في خدمة وتنمية شريحة محددة ، هي الرأسمالية الطفيلية ( الاسلاموية ) ، التي تكونت في رحم النظام المايوي ، من عوائد الفساد والسمسرة والأنشطة الكمبرادورية والتجارة في الإغاثة والعملة الحرة والمضاربة في الأراضي والسلع الاستهلاكية . وهو ما تجسد في قرارات الخصخصة ، التي اتخذها النظام العسكري ، بتصفية المؤسسات العامة ، وتمليكها للقطاع الخاص ، او المخصوص ، حسب تعبير الصادق المهدي ، ممثلا في الإسلاميين وحلفائهم ، الذين تكشفوا عن عصابة مالية سياسية ، تمرست في الاتجار بالدين . فخلال ثلاثة عقود من الحكم منفردين ، لم يستطع الإسلاميون تقديم نموذج للحكم الاسلامي ، لانهم لا يمتلكون تصورا نظريا أو رؤية شرعية ، قائمة على اجتهاد يوائم بين النص المقدس وحاجات العصر . ويؤكد خصوم الترابي ، من رجال الدين ، والذين خرجوا غالبا ، من الجماعة ، ان الترابي لم يقدم أي اجتهاد أو تحديث أو تجديد ، مدعى ، للدين . كما لم يستطيعوا بما اوتوا من سلطة ، تأكيد سلامة شعار أن الإسلام هو الحل ، لمختلف المشكلات التي تعيشها البلاد ، في الاقتصاد والسياسة ، وفي الحكم والإدارة ، وفي الثقافة والرياضة والاجتماع وغيرها . لقد قدم الإخوان ، حسب وسعهم ، السياسي والديني ، الإسلام ، كنظام حكم دكتاتوري ، كعامل شقاق وخلاف وصراع ، في بلد أحوج ما يكون للوحدة بين مكوناته الثقافية المختلفة ، وكمبرر للحروب باسم الجهاد ، مثلما تم تقديمه ، من خلال تجربة الحكم ، كآلية لحماية النخبة المتسلطة ، واكلة المال العام ، وسارقي قوت الشعب . وفي حين ينتظر في نظام الإنقاذ تجسيد معادلة ربط الدين بالدولة ، التي ظل ينافح عنها الإخوان ، مقابل العلمانية ، اوفصل الدين عن الدولة ، او استقلال كل منهما عن الآخر ، في فضاء خاص به ، حسب د. محمد عمارة ، فقد بدا من التجربة الانقاذية ، أن الإخوان ينحون لان يكونوا هم المعادل الموضوعي للدين ، والمتحدثون باسمه ، دون الآخرين ، ولايكون الدين ، إلا حيث يكونون . الأمر الذي انعكس تشويها للدين بالممارسات المناقضة لأحكامه ولجوهره ، على كل الأصعدة . غير ان ما حدث ، من ربط مفترض للدين بالسياسة ، لم يكن غير تجل للاستبداد السياسي والديني والاقصاء . فممارسة الإخوان ، في بلد مثل السودان ، متعدد الثقافات والاديان ، التي لم تستند لاجتهاد جديد أو تنظير متقدم ، أو هدى من كتاب منير ، بدت ، دائما ، نوعا من القهر الثقافي ، حتى للجماعات والطوائف المسلمة . ويتصل الأمر ، أيضا ، بالانفراد بتقرير هوية الشعب والبلاد ، في غياب الشركاء الوطنيين ، المختلفين ثقافيا ودينيا . وهو أمر كانت نتيجته دفع الجنوب نحو الانفصال ، وجبال النوبة والنيل الأزرق لخنادق القتال . لقد أظهر الإخوان فقرا بينا في جانب الابداع الفكري ، خاصة فيما تعلق بالفكر الاسلامي ، وهو أبرز نقاط ضعف تجربة الإنقاذ . فهي لذلك لم تخرج من الإطار التقليدي للأنظمة القائمة أو المفاهيم السائدة بشأن الاسلام . فقد جرت العادة أن يتهرب الإخوان من مواجهة المسائل الفكرية ، التي تعترض سبل الممارسة السياسية ، حيث يعمد الإخوان ، أما لتجاهل المسألة أو الالتفاف حولها ، في حين يقتضي الأمر وضوحا نظريا ، يتضمن معالجة المسألة في مظانها ، بضوء الكتاب والسنة ، ومعارف العصر ومقتضياته ، مثل مسألة الحدود وتطبيقها .
المشروع الحضاري والشعب الفادي …..
لم يكن انقلاب لجنة البشير الأمنية ، في ١١ ابريل ، باقتلاع رأس نظام الإنقاذ ، تحت ضغط انتفاضة ديسمبر الشعبية ، غير اعتراف بفشل ما تم التواضع عليه باسم ” المشروع الحضاري “، من سدنته ، والقائمين عليه ، وسقوطه . وحكما تاريخيا ، من جهة الشعب ، بإعدام التجربة التي تتلبسه ، وكل ما يتصل به من شعارات ومن ممارسات . ففي الواقع ، لم يكن ثمة مشروع من هذا القبيل ، اصلا . إذ لا مشروعا حضاريا الا في سماء الشعارات . فما حدث إنما هو سقوط لمنظومة سياسية ، مدرعة بالعنف المتطرف ، المادي والمعنوي ، المغطى بالدين ، اغتصبت الدولة ، ووظفتها في نهب موارد البلاد ، وتحويلها لمصلحة فئة صغيرة . لان الإخوان لم يكونوا كلا موحدا ومتجانسا ، سواء على مستوى الحزب الواحد او على مستوى عديد الأحزاب الإخوانية ، التي تدعي وحدة في الدعوة ، فقد ظلت الخلافات تعصف بهم ، منذ يومهم الاول في مقاعد السلطة الانقلابية ، حتى يومها الاخير . تنبع الخلافات ، اساسا ، من غياب ادراك موحد للإسلام وتاويله ، ومن التقلب في مواقف المنظومة السياسية ، الميكيافيلية . ولم تبدأ الخلافات داخل نظام الإنقاذ بخلاف الشيخ والجنرال ، الذي غذاه التنافس على السلطة ، ولم تنته به . وقد عبرت الخلافات عن نفسها في أشكال عديدة ومختلفة . الا أنها كانت تجتمع عند حقيقة أن الإسلام السياسي ، ليس عامل وحدة وتوافق ، حتى وسط اهله . لقد حول الإخوان الإسلام إلى جهاز لتبرير حكمهم ، القائم على التفرد بالسلطة واحتكارها ، بعيدا عن الديموقراطية ، ودون أن يتوفروا على مقدرة أو أهلية لتقديم نموذج للشورى المدعاة ، ولحماية الفساد الذي تورطت فيه النخبة الاسلاموية ، منذ يومها الأول ، بشهادة الترابي نفسه ، ولقمع وإرهاب خصومهم السياسيين ، ولقهر المختلف ثقافيا ، باسم الجهاد ، خاصة . مثلما حولته ، بالعموم ، إلى شعارات فارغة من المحتوى . بالمقابل ، قدر للشعب السوداني أن يفتدي بقية شعوب العالم ، بان يدفع من حاضره ومستقبله ، ضريبة الكشف عن حقيقة الإسلام السياسي ، كتوليفة فذة من الدين والجريمة المنظمة ، بشهادة شاهد من اهله : أسامة بن لادن . فعشية انتصار انتفاضة ديسمبر، بالاطاحة برأس النظام الاسلاموي ، كانت الملايين من جماهير الشعب السوداني ، التي خرجت إلى الشوارع ، لتقول حكمها في النظام المنهار ، مدفوعة بمعاناة الفقر والفاقة ، بجانب ويلات حروب النظام ، في وقت لم يعد الوطن غير بعض وطن ، بعد أن عرضه الإسلاميون للتشظي ، وما تبقى منه للمساومة ، ليضمنوا بقاءهم في الحكم . ان البؤس الأخلاقي للإخوان لا يقتصر على المتاجرة بالدين ، حسب ، وانما يمتد للمتاجرة بالوطن . وان فاعلية الحركة الإخوانية ، البادية ، وقدرتها على اختراق الوضع السياسي ، والوصول لغاياتها ، باختطاف الدولة ، وتسخيرها لمصلحتها ، لا تتصل باخلاقيتها ، الاسلامية بالضرورة ، وانما بلا اخلاقيتها ، المتجذرة في الذرائعية والمكيافيلية .
المصدر: صحيفة التغيير