الحفاظ على حياة الناس هو الكرامة بعينها و ليس الموت دونها أو باسمها

بكري الجاك

انهيت للتو زيارة الى معسكر بيالي فى مقاطعة كرياندنقو بشمال يوغندا بصفتي الشخصية كمواطن سوداني و كفاعل فى الفضاء العام، و كما ذكر لي هي اول زيارة من اي جهة خارجية للمعسكر منذ وقوع الاحداث الدامية منذ اسابيع و التى ادت الى موت مواطن سوداني و تعرض عدد ليس بالقليل لاصابات بليغة.

معسكر كريندقاو

و رغم تكاثر الاحن الا انه هالني ما سمعت عن ما حدث و ما رأيته يحدث بعيني للالاف من الأسر السودانية و هي تواجه الخوف و الرعب و المصير المجهول، اذا ان الوضع مازال خطرا و مفتوحا علي كل الاحتمالات و تشوبه تعقيدات جمة، و سيتطلب تحقيق الحد الأدنى من الأمن تدخلات مختلفة فى مجالات متعددة و فى مستويات عدة.

استمعت الي رجال و نساء يقفون بكل إباء و كبرياء و رؤوسهم شامخة (رغم انه لم يتذوق اي منهم طعم الاكل منذ اكثر من ٢٤ ساعة و قد اسر لي أحدهم بهذه المعلومة بعد نهاية الاجتماع) فى مقاومة الجوع و القهر و الخوف و الموت، يقفون كالاشجار التى تموت واقفة و هذا ما ظل يفعله المدنيون السودانيون في كل محطات النزوح و معسكرات اللجوء و هو الكرامة ذاتها فى ابهي تجلياتها.

تمنيت فى تلكم اللحظة التى نزلت فيها دموع احد المتحدثين لاشعوريا من صعوبة الحكي و قسوة وصف ما يحدث و تبعتها دموع الحاضرين التى توارت خجلا من خلف الأكمة، تمنيت ان يكون قادة هذه الحرب من القوات المسلحة و القوات المتحالغة معها و قوات الدعم السربعة و حلفائها فى تأسيس ان يكونوا حضورا بيننا ليروا بعيونهم و يسمعوا باذانهم الموارد التى اوردونا اليها باستمرار هذه المقتلة، التى قبل كل شيء لم تبق من كرامة الانسان السوداني شيء بل و احالت حياته الى كابوس مستمر يكاد ان يكون الموت افضل من معايشته صباخ مساء.

نتوسل اليكم جميعا ايها الفاعلون فى الحرب بدءا من اللذين يعطون الأوامر و اللذين يحملون السلاح و اللذين يدعمون اطرافها و يروجون الى سردياتها و اللذين يبررون لاستمرارها باي حجج كانت، باسم هؤلاء الموتي و الثكالي و المشردين و النازحين و اللاجئين، نتوسل اليكم ان أوقفوا هذه المقتلة الوطنية و هذا الخراب العظيم و يمكن ان نواصل جدلنا و خلافنا حول الماضي و الحاضر و المستقبل دون قتل او نزوح او تشرد. لا توجد سردية على وجه الأرض مهما كانت صحيحة و موثقة تبرر اخلاقيا لاستمرار هذه الحرب و القتل الجماعي، و تذكروا يا قوم أنه من السهولة ان يخلق الانسان سردية مقدسة لاي حرب ما و هذا ما ظلت تفعله البشرية لقرون تارة باسم الرب و تارة باسم الوطن و تارة اخري باسم الحق المقدس، الا ان الامر الذي لا شك فيه و اثبتته وقائع و احداث هذه الحرب ان لا مشروعية أخلاقية لها.

وقف هذه الحرب اليوم كافي لانقاذ الاف الارواح قد

تكون من بين هذه الارواح انت او شقيقك او اختك او صديق الطفولة او تلكم الشخصية الفكاهية المحبوبة فى النادي او فى لمة الدكان او فى الملمات.

بكري الجاك

٨ أغسطس ٢٠٢٥

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.