مهدي داؤد الخليفة

خرج علينا الناجي عبد الله، وغيره من دعاة الزيف، بزعم أن أمريكا تخطط لمحو الإسلام من السودان! يا سبحان الله! هل يُمحى الإسلام بمذكرة أمريكية أو بقرار دولي؟!

الحقيقة التي يجب أن نصرخ بها اليوم: الإسلام لم يكن يوماً في خطر في السودان… الخطر الحقيقي هو أنتم!

أنتم من شوهتم الدين، وحولتموه إلى وسيلة سلطة ونهب وفساد، حتى صار الإسلام عند الناس مرادفاً للقهر والكذب وسفك الدماء. الإسلام لم يكن يوماً في خطر في السودان، بل وحدة السودان هي التي في خطر!
الإسلام في السودان… عمق تاريخي لا تهزه المؤامرات. الإسلام في السودان ليس غريباً، ولا وافدا طارئا ، ولا حزباً سياسياً يُحلّ أو يُمنع.

الإسلام في السودان روح متجذرة في الأرض منذ أكثر من ألف عام، عاش بين النيل والصحراء، وامتزج بعاداتنا وثقافتنا حتى صار هوية أمة لا تموت بموت نظام ولا بسقوط دولة. تمازج الإسلام مع الثقافة السودانية حتى صار جزءاً من نسيجها الاجتماعي والأخلاقي.

من سنار إلى دارفور، ومن بربر إلى كردفان، ظل الإسلام روح المجتمع السوداني، يتوارثه الناس بالإيمان قبل الوراثة. فهل بعد هذا العمق يخشى على الإسلام من الزوال؟! لكنكم أنتم من حوّلتم الدين إلى شعار على رايات الحرب، وأنتم من دنّستم قدسيته في مسالخ السياسة! عندما قدمت مع أسرتي إلى ولاية ميريلاند في الولايات المتحدة، ذهبت لتسجيل أبنائي في المدارس عبر المركز الدولي (International Center).

هناك، وبعد أن أتمّ أطفالي اختبار اللغة الإنجليزية، جلست معنا مديرة المركز لتقول جملةً ما زالت ترنّ في أذني: “أمريكا بلد متعدد الثقافات واللغات، فاحرصوا على التحدث بلغتكم الأم في المنزل حتى لا يفقدوا أبناؤكم هويتهم. نحن نهتم بأن يندمج الأطفال في المجتمع ، لكننا نريد الحفاظ على التنوع.” ثم سألتنا بكل احترام: “هل لديكم معتقد ديني؟” فأجبنا: “نعم، نحن مسلمون.” ابتسمت وقالت: “إذن ربّوهم على معتقدكم الديني، لأن مدارسنا لا تقدم منهجاً دينياً. تمسّكهم بدينهم سيحفظ قوة أمريكا كأمة متعددة الأديان والثقافات.” أي مؤامرة هذه التي يتحدثون عنها؟!

أمريكا تحترم حرية الدين إلى حد أن مسؤولة حكومية تحثّني على تعليم أبنائي الإسلام حتى لا يذوبوا في مجتمع بلا هوية دينية على بُعد أميال من حيث أعيش، في مدينة سيلفر سبرينغ بولاية ميريلاند يمتد شارع نيو هامشير و يسمّى “الطريق السريع إلى الجنة”. فيه مساجد، كنائس، معابد هندوسية، جمعيات بوذية، وحتى أماكن للروحانيين. هذا المشهد ليس ديكوراً سياحياً، بل هو حقيقة أمريكا: دولة تحترم كل الأديان بلا استثناء، حتى تلك الديانات التي ظهرت حديثاً. المساجد هنا لا تُحارب، بل تنمو، وتدعو، ويشهد الناس يومياً دخول أمريكيين في الإسلام، ومعظمهم من البيض.

فهل يُعقل أن الدولة التي تتيح لك بناء مسجد بجوار كنيسة هي نفسها التي تخطط لإبادة الإسلام في السودان؟! أم أن الأمر لا يعدو أن يكون خطاباً شعبوياً لإشعال الكراهية وصرف الأنظار عن الخطر الحقيقي؟ قبل أن تتحدثوا عن مؤامرات الغرب، اسألوا أنفسكم: من الذي باع الجنوب باسم الجهاد؟ من الذي أشعل الحرب في دارفور؟ من الذي نهب أموال الشعب باسم “التمكين”؟ أنتم من جعلتم الإسلام شماعة لكل جرائمكم، حتى صار اسم الدين مرادفاً للاستبداد في نظر الكثيرين.

الخطر الحقيقي هو تفكك السودان وتمزيق أوصاله ، كفوا يا دعاة الدجل باسم الدين، الإسلام في السودان ليس مهدداً، ولن يكون. ما يتهدّدنا اليوم هو ضياع وطن اسمه السودان. الخرطوم تُدكّ بالقنابل، دارفور تحترق، الشرق يغلي، والشمال على فوهة بركان.

أليس من الأولى أن نسأل: من الذي دمّر وحدة السودان باسم الإسلام؟ من الذي استغل الدين غطاءً للفساد والاستبداد حتى صارت البلاد ممزقة؟ إن أكبر خطر على الإسلام في السودان لم يكن أمريكا ولا الغرب، بل هؤلاء المتأسلمون الذين حوّلوا الدين إلى سلعة في سوق السياسة، يبيعون بها الأوهام، ويشعلون الحروب، ويفسدون في الأرض باسم الشريعة. كفانا دجلاً باسم الإسلام. لنحفظ ديننا بسلوكنا قبل شعاراتنا، ولنحفظ وطننا بوحدته قبل أن يصبح أطلالاً. الخطر ليس على الإسلام، الخطر على السودان. وإذا ذهب السودان، فبأي أرض سنقيم ديننا؟! يجب العودة إلى صوت العقل. و ان لا نترك تجار الدين يخدعوننا بشعارات المؤامرة، فالمؤامرة الحقيقية هي سرقة الوطن باسم الإسلام. لنجعل الإسلام قوة توحيد، لا أداة تمزيق. ولنتذكّر: الخطر الآن ليس على الإسلام، بل على السودان الذي تمزق بسببكم. “الإسلام باقٍ، لكن السودان قد لا يبقى إن لم نحمِه نحن.”

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.