صديق الزيلعي
اثار مقالي السابق نقاشا حيويا، ومنعشا، أتمنى ان يستمر. والهدف هو خلق روح الحوار العقلاني الهادئ، الذي يفيد بلادنا وثورتنا. وردت عشرات التعليقات في الفيسبوك والقروبات. كان اغلبها مشيدا بالمقال. لن اعرض الاشادات، بل، سأناقش، النقد الذي وجه للمقال. سأبدأ اليوم بأولها ثم في الأيام القادم اناقش البقية.
كتب الزميل عدلان أحمد عبد العزيز، تعليقا ذكيا، وملاحظة صائبة. سأعرض أولا ما قاله، ثم اناقشه.
قال عدلان:
” الخارجي و”طرح الاعتماد على الذات” كبديل؟ الزيلعي بنى نقده على خيال مُخالف تماماً لما جاء في آخر برنامج للحزب الشيوعي والمجاز في آخر مؤتمر عام له، وهو المؤتمر السادس الذي انعقد في يوليو ٢٠١٦، حيث ورد في صفحة ٧٧:
“٢. القروض والاستثمار الأجنبي المباشر والمديونية
احتياجات التنمية في مراحلها الأولى تقتضي الاستعانة بالقروض لسد فجوة الموارد المحلية. السلطة الوطنية الديمقراطية تتعامل بوعي كامل مع هذه القضية بالسعي إلى استقطاب القروض الميسرة والحد من اللجوء للقروض الصعبة. كما تعمل على رفع القدرات في مجال إدارة القروض وتحقيق الشفافية ودرء شبهة الفساد. تصبح القروض أداة فاعلة في دفع الاقتصاد الوطني إذا تم توظيفها إنتاجيا حسب أولويات التنمية وفي ذات الوجهة تتم الاستفادة من الاستثمار الأجنبي المباشر كونه قناة من قنوات نقل التكنولوجيا المتطورة.”
كما ورد في نفس الصفحة:
“٣. التكتلات الاقتصادية والمنظمات الدولية
انضمام السودان إلى التكتلات الاقتصادية في القارة الأفريقية والمنطقة العربية ضرورة تقتضيها التحولات الكبرى الجارية في العالم.”
ويواصل في صفحة ٧٨:
“نتعامل مع المنظمات الدولية والإقليمية وفقا لما يمليه وضع هذه المنظمات في نسيج العلاقات الاقتصادية الدولية. نتعامل معها دون التنازل عن حقنا في إطلاق التنمية المستقلة
وبلوغ الاستقلال الاقتصادي.”
هذا صحيح وورد في البرنامج المجاز من المؤتمر السادس، ولكن هل طبق في الممارسة العملية.
أؤكد ان كل الأحزاب الشيوعية تكتب برامج متماسكة، وبها اطروحات جميلة، ومفيدة لشعوبها. لكن الأزمة والتناقض والتعارض يأتي في الفرق بين ما يكتب وما يمارس عمليا.
أبدأ بالحزب الشيوعي السوفيتي، لإنه النموذج والقدوة لكل الأحزاب، واعرض بسرعة بعض الممارسات:
· كل البرامج التي اجيزت تتحدث عن القيادة الجماعية. فلنقرأ ما فعله ستالين من بشاعات وقتل للملايين.
· بعد موت ستالين، قال خروتشوف، ما لم يقله مالك في الخمر، في خطابه الشهير المقدم للمؤتمر العشرين، عن جرائم ستالين.
· التغيرات العاصفة التي ادخلها جورباتشوف، بعد أن أصبح سكرتيرا عاما.
· البرامج تقول ان هناك علاقات متساوية بين الأحزاب وان تحترم استقلالية كل. جميل، ولكن السوفييت أرسلوا الدبابات لقمع انتفاضة الشعب المجري في عام 1965، وتكرر نفس الموقف في براغ سنة 1968
· برامج الحزب ودستوره يقولان ان القوميات متساوية، وهذا كلام جميل. ولكن بعد الانهيار العاصف ظهر تسلط القومية الروسية على بقية القوميات. الأمر الذي دفع بكل الجمهوريات للاستقلال.
· البرامج تقول بان السلطة هي سلطة الطبقة، لكن الممارسة اثبت انها سلطة الحزب، وحتى الحزب لجنته المركزية، وداخل اللجنة المركزية للسكرتير العام سلطات كبيرة.
· هذه امثلة مختصرة لتوضيح التناقض.
هل ينطبق ذلك على الحزب الشيوعي السوداني؟ نعم، واليك بعض الأمثلة:
· ما ورد في البرنامج من تصور نتفق معه كلنا، وما تم ممارسته في التعامل خلال الفترة الانتقالية.
· المؤتمر الاقتصادي كان فرصة ممتازة لطرح سياسة اقتصادية يمكنها ان تلف حولها معظم الاقتصاديين. أريد ان اعرف مساهمات الحزب في هذا المؤتمر الهام والمفصلي.
· النقد، وبالصوت العالي، للمجتمع الدولي والبنك الدولي، والهجمة الامبريالية على مواردنا الخ وبين طرح البرنامج عن التعامل مع المجتمع الدولي. أريد ان اٌقرأ أي بيان حزبي طرح، روح ما اجيز في المؤتمر على الحكومة والرأي العام، بلا هتاف ونقد وتخوين.
· برنامج الحزب يقول ويؤكد ان اللجنة المركزية هي السلطة العليا. ما تم في مؤتمر الجريف الشهير من قرار للجنة المركزية بإنشاء الحزب الاشتراكي، وكيف ان عبد الخالق عند رجوعه من موسكو دعا لاجتماع وغير فيه ذلك، حسب توجيه السوفييت (راجع ما نقلته عن سليمان حامد في كتابي: وثائق تحكى تاريخ الحزب الشيوعي).
· البرنامج والدستور ينصان على احترام استقلالية المنظمات الديمقراطية. الحزب فرض الخاتم كرئيس لتحرير الشبيبة، وهو لم يعمل يوما واحدا في حركة. الحزب فرض بشري كسكرتير لاتحاد الشباب، في مؤتمره السادس، رغم رفض الزملاء في حركة الشباب باعتباره غريب على الحركة.
· الصديق عدلان كان قياديا في الحركة الطلابية، ويعرف تفاصيل تعامل الحزب مع الديمقراطيين، رغم ان الدستور ينص على الجبهة الديمقراطية كتحالف بين الشيوعيين والديمقراطيين.
· صك الشفيع أحمد الشيخ شعارا صار شعار الحركة النقابية، وهو: النقابة للجميع ولكل حزبه. هناك عشرات الأمثلة، لا يسع المجال لذكرها. ولكن اذكر احداثا عاصرها معظم من يقرأون هذا المقال، وهما انقسام تجمع المهنيين (ايقونة الثورة) مما ادي لاضمحلاله وذبوله. ثم تجربة انتخابات نقابة الصحفيين.
· التعرض لموقف الحزب من قضية الديمقراطية يحتاج لمقال كامل، سيأتي مستقبلا.
الشكر للصديق عدلان على اثارة هذه الملاحظة القيمة. وفي المقال القادم، سأواصل مناقشة بقية النقد.
ملاحظة هامة:
هذه السمات والتصرفات مشتركة بين كل الأحزاب السودانية، التركيز على الحزب الشيوعي، لان قضية عطبرة فتحت نقاشا عاما حوله.
المصدر: صحيفة الراكوبة