أنماط طرائق التفكير السوداني (١)

بقلم/
عوض الكريم فضل المولى
وحسن عبد الرضي

التفكير العقلي والسياق السوداني: نحو فهم أعمق لأنماط التفكير

يُعتبر التفكير ظاهرة معقدة ومتشعبة ترتبط بتفاعل العوامل البيئية، الثقافية، والاجتماعية، وهو ما يجعل فهم طرائق التفكير في أي مجتمع تحديًا فكريًا يستحق التوقف عنده. في مقالتنا الافتتاحية عن أنماط التفكير السوداني، أشرنا إلى “التفكير العقلي” كمفهوم ضمني يتجسد في استخدام العقل والمنطق في تفسير السلوكيات والقرارات. إلا أن هنالك تساؤل منطقى قد ينشأ حول عدم شيوع هذا المصطلح في الأدبيات العلمية والفلسفية يفتح الباب لنقاش أعمق حول ماهية هذا المصطلح ومدى ملاءمته كإطار تحليلي.

وبما ان التفكير العقلي يحتاج الى نقاش اكثر عمقا، فهذه محاولة لفهم المصطلح. ومن المهم توضيح أن مصطلح “التفكير العقلي” قد لا يكون مصطلحًا أكاديميًا دقيقًا في سياق الأدبيات الغربية أو الفلسفية الحديثة، لكنه يمكن أن يُستخدم بشكل واسع كمفهوم يشير إلى:

١. التفكير المنطقي: الذي يعتمد على التحليل المنهجي للعلاقات السببية واستنباط النتائج من خلال أسس منطقية واضحة.

٢. التفكير النقدي: الذي يسعى إلى تقييم الحجج والمعلومات بشكل موضوعي، مع تفادي الانحيازات التي تؤثر على الحكم.

٣. التفكير المجرد: الذي يتعامل مع الأفكار غير الملموسة ويتجاوز الخبرة الحسية المباشرة.

٤. التفكير التحليلي: الذي يكسر الظواهر أو المشكلات إلى عناصرها الأولية لفهمها بشكل أكثر عمقًا.

نسعى في هذه السلسلة النطر بعمق في السياق السوداني الذي حتم أهمية الطرح. وفي حديثنا عن أنماط التفكير السوداني، فإن هدفنا لا يتمثل في تقديم تصنيف أكاديمي بحت أو استخدام المصطلحات التي قد تتطلب تأصيلًا فلسفيًا دقيقًا. بل نحن بصدد تسليط الضوء على تمظهرات التفكير في السلوك السوداني اليومي، وكيف يمكن أن تكون هذه الأنماط انعكاسًا للبيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية. على سبيل المثال:

التفكير الاجتماعي: يعتمد السودانيون في كثير من الأحيان على التفكير الجماعي والمشورة في اتخاذ القرارات، وهو ما يمكن اعتباره نمطًا من التفكير العقلي الذي يركز على العقل الجمعي.

التفكير الإبداعي: يتجلى في القدرة على التكيف مع الظروف الصعبة واختراع حلول مبتكرة للمشكلات اليومية.

التفكير التقليدي: يظهر في التمسك بالعادات والتقاليد كإطار مرجعي للحكم على الأمور.

وللاجابة على سؤال قد يتبادر إلى كثير من الاذهان عن: لماذا لا نهتم بالمصطلحات الأكاديمية هنا؟ نرد بأن النقاش حول أنماط التفكير السوداني ينطلق من أرضية عملية وليست نظرية بحتة. ما يعنينا هو كيف تتجسد طرائق التفكير في السلوكيات، وكيف يمكن تحسين هذه الطرائق لتعزيز الإيجابيات وتجاوز السلبيات. إن استخدام مصطلح “التفكير العقلي” لا يعني بالضرورة تأصيله كمصطلح علمي، بل هو مجرد أداة لتوصيف طريقة محددة من التفكير تركز على استخدام المنطق والعقل.

ونؤكد أن ما نطرحه في هذه السلسلة هو دعوة للنقاش البناء وإنها تهدف إلى فتح باب الحوار حول أنماط التفكير السوداني ودورها في تشكيل السلوكيات والقرارات. نتطلع إلى إثراء النقاش من خلال مشاركة الآراء والتجارب، مع إدراك أن التحليل الثقافي يتطلب تجاوز حدود التصنيفات الأكاديمية البحتة إلى مقاربة أوسع تأخذ في الاعتبار الواقع المعاش.

في الختام، نرى أن التركيز على تمظهرات التفكير العقلي في السودان قد يساهم في تعزيز فهمنا للبيئة الفكرية والاجتماعية، بما يدعم جهود التنمية والنهضة الثقافية والسياسية في المجتمع السوداني.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.