فجأة صحت الإدارة الأميركية الأربعاء على أحداث مدينة السويداء جنوبي سورية ودور إسرائيل السافر فيها. مضى عليها ثلاثة أيام قبل أن تصدر أي إشارة رسمية بشأنها في واشنطن. وعندما صدر، جاء ردّها بصيغة عمومية اختلط فيها التبسيط مع التمييع للتدخل الإسرائيلي بتصويره مواربة، على أنه كان بمثابة مبادرة “لحماية” مكوّن سوري، وبما يعفي تل أبيب من تهمة التدخل بالشؤون الداخلية لسورية.
الإدارة الأميركية، التي لا بدّ وأنها كانت على دراية بالتطورات، تجاهلت الموضوع على ما يبدو، إما لمنح إسرائيل الفسحة اللازمة للضغط على دمشق بغية حملها على تجاوز التردد والتعجيل بخطوات التطبيع، وإما لاجتناب التوتر مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو؛ إذ تحتاج واشنطن تعاونه لتمرير مشروع وقف إطلاق النار في غزة، الذي راهن عليه البيت الأبيض، ووضع هذا الأخير مفتاحه بيد نتنياهو. تمادي هذا الأخير وتمديد عملياته الجوية من السويداء إلى جوار القصر الجمهوري في دمشق، حمل الإدارة الأميركية على الاستدراك لئلا تخرب الطبخة.
في بيانه المقتضب لمح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى مثل هذا القلق مع المطالبة بوقف القتال. وزارة الخارجية قالت خلال الإحاطة الصحافية الأربعاء إن الإدارة الأميركية طالبت الحكومة السورية بسحب قواتها من السويداء “على أساس أنّ ذلك من شأنه أن يمكّن الأطراف الأخرى من خفض التصعيد”. لكن مصادر أخرى أكدت أنه طُلب أيضاً من إسرائيل وقف عملياتها هناك. ولوحظ أن الإدارة حرصت على التقليل من خطورة التوتر السوري الإسرائيلي، وذلك من خلال وضعه في إطار “سوء تفاهم” بين الجانبين وأن الأحداث التي وقعت في السويداء لا تعدو كونها “نزاعات قبلية مزمنة”، كما قالت المتحدثة في الخارجية تامي بروس. وربما جرى تصنيفها في هذا الإطار لتبرير زعم إسرائيل بأنها تدخلت “لحماية الدروز” هناك بذريعة أن لديها جالية درزية توجب عليها القيام بمثل هذه المهمة.
لكن هذا التسويق الهش بدا أقرب إلى ذر الرماد في العيون منه إلى الواقع. الاعتقاد أن أسباب التوتر الاسرائيلي السوري الذي أدى إلى مثل هذا التفجير، أبعد من ذلك. من الاحتمالات أن ما سّر عن وجود لقاء تمّ في باكو عاصمة أذربيجان، في 12 يوليو/ تموز الجاري، بين مسؤول إسرائيلي كبير ونظيره السوري وتناول ملف “الوجود الإسرائيلي في سورية” وربما أيضاً موضوع التطبيع بين الطرفين، قد انتهى إلى انسداد كان شرارة التصعيد الإسرائيلي. يعزز هذا الاحتمال، أنّ إسرائيل بدأت بتوسيع بيكار تدخلها وتعنيف ضرباتها الجوية في 13 الجاري. أي بعد يوم من اللقاء الذي يبدو أنه خيّب الإسرائيلي. واشنطن غضّت الطرف على ما بدا لمدة ثلاثة أيام بمثابة فرصة لنتنياهو لإيصال رسائله إلى نظام أحمد الشرع. لكن تفاقم الأحداث فرض الخروج عن الصمت لأخذ المبادرة في السيطرة على الموقف.
وفي احتمال آخر، أن حسابات نتنياهو في سورية قد تكون غير متطابقة مع أجندة البيت الأبيض، تماماً كما هي الحال في غزة، بحيث أدى اختلاف الحسابات والأولويات إلى التأخير المتواصل لوقف النار. كما لا يستبعد أن يكون نتنياهو قد لعب ورقة التصعيد في سورية، لمقايضتها لاحقاً مع الرئيس دونالد ترامب في إيران ولو أن الملف الإيراني الآن جرى وضعه في الثلاجة وحتى إشعار آخر. ما بات معروفاً أن ترامب منح نتنياهو مساحة للتحرّك في المنطقة وفق أولوياته، على أن يحتفظ بحق الفيتو لضبط تحرّكات رئيس الوزراء الإسرائيلي وتدوير زواياها عن الاقتضاء. وما جرى في الموضوع السوري جاء ليؤكد هذا النهج.
العربي الجديد
المصدر: صحيفة الراكوبة