تعيش مدينة بنسليمان التابعة لجهة الدار البيضاءسطات، منذ مدة، على وقع استنزاف بيئي غير مسبوق بفعل النشاط المكثف لعشرات المقالع المنتشرة بمحيط المدينة وضواحيها، والتي تشمل مقالع الحجارة والحصى والرخام.
ومع تزايد شكاوى المواطنين والفعاليات المدنية والحقوقية، تعالت الأصوات المنادية بضرورة التدخل العاجل لوقف هذا النزيف البيئي، ووضع حد للاختلالات التي تعتري هذا القطاع الحيوي والمثير للجدل.
وبحسب إفادات حقوقيين محليين، فإن منطقة بنسليمان تحتضن أزيد من 44 مقلعا، تنتشر بين مقالع الرخام والحصى، في مواقع متفرقة قرب الغابات والمجالات الفلاحية والسكنية، ما يشكل ضغطا كبيرا على الغطاء النباتي والنظام الإيكولوجي المحلي.
وتشير شهادات من ساكنة الأحياء المجاورة إلى أن بعض الشركات تجاوزت حدود الاستغلال المسموح بها قانونا، لتقوم باقتطاع أجزاء من المجال الغابوي، دون مراعاة للتوازن البيئي أو شروط دفتر التحملات.
واحدة من أبرز مصادر قلق السكان تتمثل في استخدام المتفجرات بشكل متكرر في عمليات تكسير الصخور، ما يخلف اهتزازات عنيفة تصل أحيانا إلى المباني القريبة، وتثير هلع الساكنة، خصوصا الأطفال والمسنين.
ويشتكي المواطنون من استمرار العمل ببعض المقالع طيلة الليل والنهار، في خرق واضح لقوانين الشغل وشروط السلامة والراحة البيئية.
وصرح محمد متلوف، نائب رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بإقليم بنسليمان، بأن الإقليم يشهد نشاطا مكثفا للمقالع، إذ يتجاوز عددها 44 مقلعا موزعة بين مقالع الحجارة والحصى والزفت وأيضا الرخام.
وأبرز أن غالبية هذه المقالع لا تلتزم بالضوابط القانونية المنصوص عليها في دفاتر التحملات، وتشتغل في ظروف تفتقر لأدنى شروط السلامة واحترام البيئة.
وفي حديثه لجريدة “العمق”، أوضح متلوف أن تلك المقالع تنشط على مدار الساعة، ليلا ونهارا، مما يتسبب في إزعاج مستمر للسكان المحليين، خصوصا مع الاستعمال المتكرر للمتفجرات لاستخراج المواد، ما خلق حالة من التوتر والاستياء في صفوف المواطنين بسبب الضوضاء القوية والاهتزازات المتكررة.
وأضاف أن بعض المقالع تجاوزت نشاطها المقرر لتتعدى على المجال الغابوي، حيث استغلت مساحات طبيعية واسعة بدون احترام لمبدأ الحفاظ على البيئة.
واستدل على ذلك بحالة شركة خاصة تم تفويت حوالي 100 هكتار لها، عمدت إلى اجتثاث أشجار العرعار النادرة والأنواع النباتية الأخرى التي تشكل جزءا من خصوصية الغطاء النباتي لغابة بنسليمان.
كما نبه إلى أن هناك عملية جارية حاليا لتفويت 180 هكتاراً إضافية بجماعة زيايدة، في إطار كراء المجال الغابوي، ما يهدد بتفاقم التدهور البيئي في المنطقة.
واستنكر متلوف “غياب” المراقبة الجدية من طرف الجهات المختصة، مشيرا إلى أن السلطات المعنية لم تقم إلى حدود الساعة باتخاذ أي إجراءات صارمة تجاه المخالفين.
وأكد أن الأصوات الاحتجاجية للسكان لم تجد صدى لدى المسؤولين، مما ساهم في استمرار هذه الأنشطة المدمّرة للبيئة دون احترام للقوانين الجاري بها العمل، ولا للمعايير البيئية والالتزامات المفروضة في دفاتر التحملات.
وختم متلوف تصريحاته بدعوة الجهات الوصية إلى التدخل العاجل لإيقاف هذا النزيف البيئي، وإجراء تحقيقات ميدانية لمحاسبة المتورطين، مؤكدا أن صمت السلطات يغذي الإحساس بانعدام العدالة، ويُضعف ثقة المواطنين في مؤسسات الرقابة والمحاسبة.
المصدر: العمق المغربي