في الوقت الذي تقترب فيه الولاية الانتدابية الحالية من نهايتها، لا يزال كريم أشنكلي، رئيس مجلس جهة سوس ماسة، يجدد وعوده الطموحة أمام المواطنين، فكان آخرها في لقاء حزبي بجماعة سيدي بيبي إقليم اشتوكة أيت باها، حيث تحدث بإسهاب عن التزام المجلس بتحقيق تنمية شاملة ترتكز على جلب الاستثمارات والصحة والتعليم وخلق فرص الشغل.
لكن هذا الخطاب المتفائل الذي يطلقه كريم أشنكلي، بين الفينة والأخرى، يصطدم بواقع مالي وإداري مخالف لكل التوقعات، الأمر الذي يكشف عن وجود فجوة عميقة بين الشعارات السياسية، والأداء الفعلي للمجلس الذي يترأسه على أرض الواقع.
فعند إطلاقه، في يوليوز 2023، قُدم برنامج التنمية الجهوية 20222027، على أنه خارطة طريق استراتيجية، ستنقل جهة سوس ماسة إلى مصاف الأقطاب الاقتصادية الرائدة في المملكة، بغلاف مالي إجمالي ضخم بلغ 37.7 مليار درهم، وبمحاور سبعة تغطي كل شيء، من البنية التحتية إلى التنمية الاجتماعية والثقافية.
لكن بعد مرور أكثر من نصف الولاية الانتدابية للمجلس الجهوي الحالي، كشفت التقارير والأرقام التي اطلعت عليها جريدة ، أن هذا البرنامج الذي كلف إعداده قرابة 6 ملايين درهم، يواجه خطر التحول إلى مجرد وثيقة مرجعية مهملة، في ظل أزمة مالية حقيقية تهدد بعرقلة عجلة التنمية بشكل شبه كامل على مستوى النفوذ الترابي لجهة سوس ماسة.
ووفق المعطيات التي اطلعت عليها ، فإن جذور هذه الأزمة، تكمن في التناقض الصارخ بين ما تم التخطيط له وما تم الالتزام بتنفيذه على أرض الواقع، ففي الوقت الذي حددت فيه وثيقة البرنامج التي تعد بمثابة عقد بين المجلس المنتخب والساكنة، مساهمة الجهة في المشاريع في سقف 9.8 مليارات درهم، تجاوزت التزامات “مجلس أشنكلي” 11 مليار درهم بحلول نهاية عام 2024.
وبحسب مصدر من داخل المجلس المذكور، فإن هذا التفاوت في الرقمين، لم يكن نتيجة تسريع وتيرة إنجاز المشاريع، بل هو نتيجة ما وصفه بـ”الخلل المسجل في طريقة التدبير المالي والعشوائية في البرمجة”، موضحا أن ذات المجلس الجهوي، تداول خلال نصف ولايته بشأن أكثر من 300 اتفاقية، أي أكبر من عدد المشاريع المدرجة في برنامج التنمية الجهوية (264 مشروعا)، مما أفرغ وثيقة برنامج التنمية الجهوية من جدواها وحولها إلى أداة شكلية لا تحكم قرارات المجلس.
وزاد ذات المصدر، أن حجم القروض الملتزم بها لدى صندوق التجهيز الجماعي( أكثر من 3 مليارات درهم)، تجاوز بكثير القدرة الفعلية للجهة على الاقتراض حتى نهاية الولاية.
إن الأثر المباشر لما سبق ذكره، هو تعثر شبه تام للمشاريع الكبرى والمهيكلة التي كانت تُستخدم كعناوين بارزة في الخطاب السياسي مثل توسيع ميناء أكادير، الذي تحدث عنه الرئيس أشنكلي نفسه كشرط لجذب الاستثمار في لقاء سيدي بيبي، وتأهيل مطاري أكادير وطاطا، إضافة إلى إنجاز الطريق السيار للمياه والميناء الجاف وغيرها من المشاريع.
هذه المشاريع الاستراتيجية، باتت اليوم مجرد شعارات يرفعها رئيس جهة سوس ماسة من وقت إلى آخر، في اللقاءات التواصلية دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ.
أما المخطط الجهوي للتسريع الصناعي بجهة سوس ماسة، الذي أطلقه الملك محمد السادس في يناير 2018، فيواجه تعثرا ملحوظا يثير العديد من علامات الاستفهام حول الجدوى العملية لبعض الاتفاقيات الموقعة ومستقبل التنمية الاقتصادية في الجهة.
فبحسب المعطيات المتوفرة، فإن تنزيل بنود المخطط الموقع أمام الملك محمد السادس يشهد تأخرا ملحوظا، حيث اقتصرت الإنجازات حتى الآن على إنشاء مدينة الابتكار وتكنوبارك وبعض المشاريع المحدودة في المنطقة الصناعية، بينما تظل باقي الالتزامات، بما فيها إطلاق 11 نظاما صناعيا خاصا بقطاعات السيارات، الجلد، الكيماويات، البلاستيك، ومواد البناء، غير مكتملة.
ورغم نجاح مشاريع مثل شركة “ليوني” ومدينة المهن والكفاءات في توفير فرص تكوين لفئات واسعة، خاصة النساء والشباب، إلا أن غياب الشركات القادرة على استيعاب الخريجين في سوق العمل يطرح تحديا كبيرا، مما يزيد من القلق بشأن مآل هؤلاء في غياب فرص تشغيل كافية.
وفي لقاء انعقد خلال الأشهر الماضية بمدينة أكادير، كشف كاتب الدولة لدى وزير الصناعة والتجارة، المكلف بالتجارة الخارجية عمر حجيرة، أن جهة سوس ماسة تحتل المرتبة الثامنة وطنيا من حيث الصادرات الصناعية، بنسبة لا تتجاوز 1.3 بالمئة، وهو رقم وصف بـ”المقلق”، مقارنة بالأهداف التي حددها المخطط، حيث يعكس ذلك ضعف الأداء الاقتصادي للجهة خلافا لجهات أخرى.
ويطرح تعثر هذا المخطط تساؤلات حول أسباب غياب نفس الجدية التي يحظى بها برنامج التنمية الحضرية، ومدى تأثير جائحة كورونا على تحقيق الأهداف المعلنة، فيما دعا فاعلون محليون إلى مراجعة شاملة تشمل صدقية الالتزامات الاستثمارية، ومدى تحقيق فرص الشغل الموعودة، والحد من أي ممارسات قد تعيق تحقيق التنمية المنشودة.
في ظل هذا السياق القاتم، تبدو وعود رئيس الجهة المتكررة، والتي تتطلب استثمارات ضخمة وبنية تحتية قوية، منفصلة تماما عن الواقع، ومع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية، يجد المواطن في جهة سوس ماسة نفسه أمام مفارقة مؤلمة، تتمثل في خطاب سياسي يبعث الأمل، وأرقام رسمية تؤكد أن القدرة على تحقيق هذا الأمل قد تكون تبخرت، تاركة مستقبل تنمية الجهة على المحك.
المصدر: العمق المغربي