يشهد المشهد السياسي المغربي في الوقت الراهن تدافعاً بارزا بين أحزاب الأغلبية والمعارضة مع اقتراب موعد انتخابات 2026، حيث بدأت مؤشرات الصراع بينها تطفو على السطح من خلال اللجوء إلى التصعيد في الخطاب السياسي، ومحاولة جذب انتباه الرأي العام.

وعزّزت “مسيرة الكرامة” لساكنة آيت بوكماز هذا التدافع، حيث انطلقت الأحزاب ـ باختلاف مواقعها السياسية ـ في توزيع الاتهامات بينها بـ”الركوب على أحداث ذات بُعد تنموي أو مجتمعي لتسجيل نقاط سياسية”. ولعلّ أبرز التدخلات في هذا الجانب ما جاء على لسان عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، الذي حذّر من “تأجيج الشارع لتصفية حسابات سياسية”.

ويؤكد هذا السياق أن هذه المؤسسات الحزبية “انخرطت مبكرا في التحضير للمحطة الانتخابية المقبلة، التي تظل محطةً سياسية بارزة يسعى السياسيون لاستثمارها لصالح هيئاتهم الحزبية”.

ويظهر كذلك أن نواباً برلمانيين أحسّوا بدورهم بقرب “تشريعيات 2026” وقرب عرض حصيلة عملهم في التمثيل النيابي، مما جعلهم يُكثّفون اللجوء إلى آليات الترافع عن الدوائر الانتخابية التي يمثلونها، لاسيما عبر الأسئلة الكتابية، في محاولةٍ لاستثمار أمثل لما تبقى من عمر الولاية التشريعية الحادية عشرة.

وفي اعتقاد محللين سياسيين ومتتبعين للشأن السياسي المغربي، فإن “الهاجس الانتخابي بات يتملّك الأحزاب السياسية، من أغلبيةٍ ومعارضة، مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقبلة”، وهو ما يجعلهم يؤكدون أن “الصراع سيبرز أكثر خلال الأشهر القليلة المقبلة ما دامت هذه الأحزاب لديها طموحات انتخابية ثابتة”.

كرين: الهاجس الانتخابي يؤجّج الصراع الحزبي

المحلل السياسي مصطفى كرين كشف أن “تحليل واقع الأحزاب السياسية يبرز بجلاء عجزها عن أداء وظائفها السياسية والدستورية، حيث لم تعد تنظيماتٍ لإيجاد الحلول والضغط والوساطة، بل باتت تتخبط في اختلالات داخلية تحاول تصريفها خارجاً”.

وأقرّ كرين، في تصريح لهسبريس، بـ”تحوّل هذه الأحزاب إلى كائنات انتخابية موسمية لا تظهر ميدانيا إلا عند اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، حيث تسعى جاهدة إلى الاستمرار في مواقع المسؤولية للاستفادة من الامتيازات المرتبطة بها”، مؤكدا “وجود توجه نحو صياغة خطاب سياسي مناسباتي يتغذى على مآسي المواطنين وتوظيفها انتخابيا، وليس اقتراح حلول واقعية”.

وفي إطار “الطريق إلى تشريعيات 2026″ توقّع المتحدث ذاته تصاعد التوترات بين مختلف الأحزاب المغربية، بغض النظر عن موقعها في هرم السلطة، حيث ستكون هذه التوترات بشأن ثلاثة محاور أساسية: الصراع على القوانين الانتخابية لضمان تكريس هيمنة أطراف مُعيّنة، توظيف الأزمات أو الملفات الاجتماعية لتغذية الخطاب السياسي، ثم التوجه نحو تشكيل تحالفات ظرفية لا تُبنى على أي منطق سياسي أو إيديولوجي، لكن تحكمها مصالح ضيقة ومؤقتة”.

ولم يتوقف المحلل السياسي ذاته عند هذا الحد، بل حاول وصف ما يجري في الوقت الراهن بين عدد من الأحزاب بـ”سينما انتخابية مُبتذلة تتكرر في كل دورة وتتجلى في التصعيد في الشعارات والخطابات، دون توفير برامج سياسية حقيقية يمكن أن تُحدث الأثر”.

وتابع قائلا: “هذه الوضعية، التي باتت مكشوفة وواضحة، تستدعي التفكير في إيجاد نموذج جديد للفاعل السياسي، يتجاوز منطق الغنيمة والتموقع نحو أفق حزبي بديل يعيد الثقة في العمل السياسي وربط السياسة بالمسؤولية والفعالية”.

بحكاك: المشهد السياسي يدخل مرحلةً حسّاسة

أما حميد بحكاك، الباحث في علم السياسة والقانون الدستوري، فقد سجّل أن “حضور الهاجس الانتخابي لدى الأحزاب المغربية وعلى مستوى المجال السياسي يشكّل معطىً طبيعياً، خصوصاً مع اقتراب مواعيد الاستحقاقات. فقد برزت مؤخرا بوادر التنافس بين الأحزاب، وتزايدت محاولات تسجيل النقاط والحضور الإعلامي والسياسي في ساحةٍ يغلب عليها منطق التموقع”.

وأضاف بحكاك، في تصريح لهسبريس، أن “التجاذبات التي عرفتها الأحزاب مؤخرا تعكس طبيعة الصراع الانتخابي الذي يطبع الفعل الحزبي”، مشيرا إلى أن “ما يجب أن نؤكد عليه حاليا هو أن أي فعل يمكن القيام به من قبل الأحزاب خلال هذه الفترة سيتم احتسابه ـ بشكل مباشر ـ بمثابة تسخيناتٍ انتخابية سابقة لأوانها”.

وبيّن أن “عامل الزمن مطروح في مجال السياسة، فالمعارضة تحاول تسجيل نقاط في مرمى الأغلبية، والحكومات أيضا كثيرا ما تحاول الإفراج عن مشاريع أو تدابير تنموية في الرمق الأخير من زمنها السياسي والتدبيري، تحت تأثير ضغط المرحلة الانتخابية”.

وتابع قائلا: “الأشهر الأخيرة قبل الانتخابات تعتبر دائما مفصلية وحسّاسة بالمغرب، وتشهد تدافعا سياسيا بارزا، وتُفهم كل الخطوات وقتها على أنها تحركات انتخابية تهدف إلى حشد الأصوات للاستحقاقات المقبلة، وهو النقاش الدائر حاليا بشأن المسيرة التي قادتها ساكنة آيت بوكماز بإقليم أزيلال”.

وأكد المتحدث ذاته أن “المشاكل التي يواجهها المغرب اليوم ـ ومنها إشكالية العدالة المجالية والفوارق الاجتماعيةـ ليست بالطارئة، بل هي نتيجة تراكماتٍ عمرها سنوات لم تقدر الحكومات المتعاقبة على معالجتها بفعالية”، مضيفا “الملاحظ أيضا خلال الأزمنة السابقة أن الحكومات، بحكم طبيعتها الانتخابية، كثيراً ما تتجنّب القيام بإصلاحات جذرية بعينها نتيجة توجّسها من تأثير ذلك على نتائجها الانتخابية”.

المصدر: هسبريس

شاركها.