أثار سؤال في ورقة امتحان مادة “علم الإجرام” بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعيةسلا، التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، عاصفة من الغضب والاستياء على منصات التواصل الاجتماعي، بعد تناوله قضية “جريمة ابن أحمد” التي هزت الرأي العام المغربي مؤخرا، بطريقة اعتبرها نشطاء وحقوقيون “غير مسؤولة” و”منتهكة لأبسط المبادئ القانونية والأخلاقية”.
وتعود تفاصيل الواقعة إلى ورقة امتحان “الدورة العادية” لمادة علم الإجرام، الموجهة لطلبة السداسية السادسة بمسلك القانون الخاص، حيث طرح على الطلبة موضوع نصه: “شهدت مدينة ابن أحمد قيام شخص (ق) عنيف وقوي البنية لمجرد استفزازه بقتل مجموعة من الأشخاص بعنف مع التمثيل بجثثهم بطريقة بشعة ووحشية، علما أنه كان يدعي ظاهريا تدينه الشديد وتكريس كل وقته لخدمة أحد مساجد حيه”.
وأثار السؤال حفيظة المتابعين لسببين رئيسيين، يتعلق الأول بذكر اسم مدينة “ابن أحمد” صراحة، وهي المدينة التي عانت بالفعل من حملة تنمر ووصم واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي عقب وقوع الجريمة. واعتبر المنتقدون أن إعادة طرح اسمها في سياق أكاديمي بهذه الطريقة، يساهم في ترسيخ الصورة النمطية السلبية ويعيد إنتاج الألم لسكانها الذين لا ذنب لهم في الجريمة.
أما السبب الثاني الذي فجّر موجة الغضب، فهو الطريقة التي صاغ بها الامتحان وقائع القضية، حيث أصدر حكما مسبقا على المتهم بوصفه “قاتلا” ارتكب جريمته بـ”طريقة بشعة ووحشية”، طالبا من الطلبة تصنيفه ضمن أصناف المجرمين. ويرى الحقوقيون في ذلك انتهاكا صارخا لـ “مبدأ قرينة البراءة”، الذي يعد ركيزة أساسية في أي نظام قضائي، والذي ينص على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي نهائي بات.
وفي هذا السياق قال رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، الحقوقي إدريس السدراوي، إنه تابع بقلق بالغ مضمون سؤال امتحاني في مادة “علم الإجرام” بكلية العلوم القانونية بسلا، والذي حمل تجاوزات حقوقية وأخلاقية عميقة. حيث أشار السؤال صراحة إلى مدينة “ابن أحمد” في سياق جريمة مفترضة لم يصدر بشأنها حكم قضائي، وقدم شخصا معينا بأوصاف صادمة توحي بإدانته المسبقة، كما عزز التنميط الجماعي بوصف المحيطين به بأنهم “يشبهونه بطريقة بشعة ووحشية”، والأخطر من ذلك هو ربطه دافع الجريمة بـ “التدين الشديد”، مما يكرس صورة خطيرة تربط الممارسات الدينية بالإجرام.
وأوضح السدراوي ضمن تصريح لجريدة “العمق” أن هذا الطرح يمثل انتهاكا صارخا لمبدأ قرينة البراءة، الذي يكفله الدستور المغربي والمواثيق الدولية والذي يعتبر كل متهم بريئا حتى تثبت إدانته. وأضاف أن إدراج قضية لا تزال قيد التحقيق في سؤال يفترض في الشخص صفة “المجرم” يعد خرقا للحياد الأكاديمي ومساسا مباشرا بهذا المبدأ الأساسي.
كما نبه رئيس الرابطة إلى الأضرار المعنوية الجسيمة التي لحقت بمدينة “ابن أحمد” وسكانها، حيث أسهم ذكر اسمها في هذا السياق المشين في تغذية موجة من التنمر والوصم الجماعي. وعلى صعيد آخر، اعتبر أن ربط الجريمة بعبارة “شخص متدين بشدة” يمثل خطابا تمييزيا يرسخ صورة نمطية سلبية عن المتدينين، ويتنافى مع مبدأ احترام الحرية الدينية والمعتقد.
وطالبت الرابطة إدارة الكلية بفتح تحقيق أكاديمي فوري لتحديد المسؤوليات، موجهة نداء إلى وزارة التعليم العالي لوضع ميثاق للأخلاقيات يمنع استخدام قضايا جارية أو أمثلة تحمل طابعا تمييزيا في الامتحانات، مع التشديد على ضرورة ترسيخ معايير المحاكمة العادلة في المنظومة التعليمية.
واختتم السدراوي تصريحه بالتعبير عن استياء الرابطة العميق، مجددا التزامها الراسخ بالدفاع عن قرينة البراءة، ورفضها المطلق لأي شكل من أشكال التجريم المسبق أو الوصم الجماعي، سواء استهدف مدينة بأكملها أو أي فئة اجتماعية أو دينية.
المصدر: العمق المغربي