شهد الفضاء الرقمي في إسبانيا، خلال شهر يونيو المنصرم، تصاعدا لافتا في خطابات الكراهية، خصوصا تلك الموجهة ضد سكان شمال إفريقيا. هذا ما كشف عنه المرصد الإسباني لمناهضة العنصرية وكراهية الأجانب، التابع لوزارة الإدماج والضمان الاجتماعي والهجرة، في نشرته الشهرية الأخيرة، التي استندت إلى بيانات رصدها نظام الذكاء الاصطناعي “فارو” (FARO).

ووفقا للتقرير، تم تسجيل أكثر من 54 ألف خطاب كراهية خلال شهر فقط، في ما وصفه التقرير بأنه “اتجاه مقلق” يتنامى باضطراد منذ بداية العام.

من أبرز ما ورد في التقرير هو الارتفاع الحاد في نسبة الرسائل العدائية الموجهة ضد الأشخاص المنحدرين من شمال إفريقيا، والتي بلغت 81 في المائة من مجموع الخطابات المبلغ عنها في يونيو، بعد أن كانت 69 في المائة في ماي، و57 في المائة فقط في مارس.

التقرير أوضح أن أكثر من 56 في المائة من هذه الخطابات تستخدم أسلوب “التجريد من الإنسانية، وهي طريقة تنزع عن الفئة المستهدفة صفات بشرية لشيطنتها أو تبرير العنف ضدها؛ فيما ربط 22 في المائة من المحتوى المبلغ عنه بين المهاجرين والأمن العام بشكل زائف، وحرض 14 في المائة منها صراحة على ترحيلهم. ومن اللافت أيضا هو أن 95 في المائة من الرسائل العدائية كانت موجهة نحو الرجال، مع اعتماد 89 في المائة من المحتوى على لغة عدوانية صريحة؛ لكن الأكثر إثارة للقلق هو تزايد استخدام تقنيات تحايل على خوارزميات الرقابة، مثل الرموز التعبيرية أو الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي أو التعبيرات غير المباشرة التي يصعب تصنيفها ضمن المحتوى المحظور.

هذا التلاعب الرقمي لا يعكس فقط إبداعا في الالتفاف على الرقابة، بل يكرس أيضا اتجاها أكثر خطورة يتمثل في تطبيع التمييز وبثه في أشكال أقل وضوحا وأكثر تأثيرا؛ مما يعقد من مهام المراقبة والضبط، سواء من قبل المنصات أو الجهات الرسمية.

البيانات كشفت أيضا عن توجه منهجي في استهداف فئات معينة، إذ أصبح سكان شمال إفريقيا الهدف الأبرز؛ في حين تراجع استهداف فئات أخرى، مثل القاصرين غير المصحوبين بذويهم أو المسلمين. ولا يُعد هذا التراجع مؤشرا على تحسن في مناخ النقاش الرقمي؛ بل يشير إلى تركيز العداء على فئة واحدة بشكل أكثر حدة.

وحسب ما نقله الموقع الرسمي للحكومة الإسبانية، فإن استجابة المنصات الرقمية تبقى غير متكافئة وغير فعالة بالشكل الكافي، على الرغم من الجهود المبذولة من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ فقد أظهرت البيانات أن 29 في المائة فقط من المحتوى المبلغ عنه تم حذفه، في ظل تفاوت صارخ بين المنصات: “تيك توك” أزال 92 في المائة من الرسائل المبلغ عنها، يليه “فيسبوك” بـ40 في المائة، و”إنستغرام” بـ23 في المائة، بينما لم يزل “يوتيوب” سوى 5 في المائة، ومنصة X (تويتر سابقا) 9 في المائة فقط.

أما المحتوى الذي أبلغ عنه المستخدمون العاديون، فقد تم حذف 8 في المائة منه فقط، معظمها خلال أسبوع؛ في حين لم يُحذف سوى 2 في المائة خلال 48 ساعة. وعلى النقيض، عند الاستعانة بمُبلّغين موثوقين (أي الجهات المعتمدة لرصد المحتوى غير القانوني)، تم حذف 21 في المائة إضافية.

وفي تعليقها على المعطيات، شددت إلما سايز، وزيرة الإدماج والضمان الاجتماعي والهجرة الإسبانية، على خطورة ما يجري، معتبرة أن “التجريد من الإنسانية واستخدام لغة عنيفة ومشفرة والتحريض على طرد الفئات الضعيفة هي أشكال مرفوضة من التمييز”.

وأضافت سايز: “لا يمكننا السماح للكراهية بأن تصبح أمرا طبيعيا في مجتمع حر وديمقراطي مثل إسبانيا”.

وأكدت المسؤولة الحكومية الإسبانية عينها على أهمية التعاون مع المنصات الرقمية، معتبرة أن “الاستجابة لا يمكن أن تعتمد على حسن النية أو المصادفة؛ بل يجب أن تكون مسؤولية ثابتة ومُلزمة لمواجهة تهديد حقيقي ومتنامٍ للتماسك الاجتماعي”.

المصدر: هسبريس

شاركها.