أعادت فاجعة انهيار بنايتين سكنيتين بمدينة فاس، والتي أودت بحياة 22 شخصا، بينهم أطفال ونساء، وإصابة 16 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، ملف الدور الآيلة للسقوط إلى صدارة النقاش العمومي، خاصة مع تكرار مثل هذه الحوادث في مدن مختلفة، على رأسها فاس والدار البيضاء.

الحوادث من هذا النوع ليست استثناء في المغرب، فملف المباني المهددة بالانهيار احتل الأولويات التشريعية والقانونية منذ سنوات، حيث أسست الدولة وكالة وطنية متخصصة لمجابهة هذه الظاهرة وتفعيل قانون المباني الآيلة للسقوط، لكن السؤال المطروح بقوة بعد فاجعة فاس: لماذا تستمر الخسائر البشرية رغم وجود مؤسسات وترسانة قانونية؟.

وتشير أرقام الحكومة إلى أن عدد المباني المهددة بالانهيار تتجاوز 42 ألف وفق عملية الرصد لسنة 2024، بينها حوالي 16 ألف بناية خضعت للخبرة التقنية، وفق ما كشفته الوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط، في وقت سابق.

وعقب فاجعة فاس، استنفرت وزارة الداخلية ولاة الجهات وعمال الأقاليم من أجل جرد البنايات الآيلة للسقوط وتحديد مواقعها وحالاتها التقنية، وتحيين اللوائح الحالية للمنازل المهددة بالسقوط، ورفع تقارير تقنية إلى المصالح المركزية، حسب كل جهة، من أجل اتخاذ القرارات المناسبة.

ويعرف القانون رقم 94.12، المتعلق بالمبانى الآيلة للسقوط وعمليات التجديد العقاري، المبنى الآيل للسقوط بأنه بناية أو منشأة كيفما كان نوعها يمكن لانهيارها الكلي أو الجزئي أن يترتب عنه مساس بسلامة شاغليها أو مستغليها أو المارة أو البنايات المجاورة وإن كانت غير متصلة بها.

إقرأ أيضا: مجلس حقوق الإنسان يدعو لنشر نتائج التحقيق في فاجعة فاس

ووفق القانون ذاته، فإن البنايات المهددة بالانهيار هي، كذلك، “كل بناية أو منشأة لم تعد تتوفر فيها ضمانات المتانة الضرورية بسبب ظهور اختلالات بأحد مكوناتها الأساسية الداخلية أو الخارجية أو بسبب تشييدها على أرض غير آمنة من التعرض للمخاطر”.

في هذا السياق، قال أحمد الطلحي، الخبير في البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية، إن المغرب راكم تجربة طويلة في معالجة الدور الآيلة للسقوط والبنايات المتدهورة، معتبرا أن الإشكال الأساسي لا يكمن في غياب الخبرة التقنية، بل في ضعف الإمكانيات المادية والبشرية المرصودة لهذا الورش الحساس.

وأوضح الطلحي في تصريح لجريدة “العمق”، أن من بين أبرز التجارب المرجعية في هذا المجال، تجربة وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس، التي انطلقت منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، تحت إشراف المهندس عبد اللطيف الحجامي، مؤسس المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالرباط، والتي شكلت نموذجا متقدما في التعامل مع تدهور البنايات داخل المدن العتيقة.

إقرأ أيضا: المنازل الآيلة للسقوط.. كيف يحدد القانون المسؤوليات ويحمي الحقوق؟

وأضاف الخبير العمراني أن التجربة الثانية، والأحدث عهدا، تتمثل في الوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط، التي تعنى بمختلف أنواع البنايات، سواء التاريخية أو الحديثة.

وشدد الطلحي على أن التجربة موجودة، والخبرة التقنية متوفرة، غير أن التحدي الحقيقي، بحسب تعبيره، يتمثل في ضرورة رصد اعتمادات مالية كافية، وتعميم هذه الخبرات على المقاولات ومكاتب الدراسات، بما يضمن تدخلات ناجعة وسريعة، خاصة في المناطق الأكثر هشاشة.

وبخصوص تحديد أولويات التدخل، لا سيما داخل الأنسجة العمرانية العتيقة، أوضح الطلحي أن ذلك يخضع لمجموعة من المعايير الدقيقة، في مقدمتها الحالة الفيزيائية للبناية ومستوى تدهورها، ثم قيمتها المعمارية، والثقافية والفنية، إضافة إلى قيمتها التاريخية، حيث تقيّم هذه العناصر وفق درجات محددة تبنى عليها قرارات التدخل.

إقرأ أيضا: بن إبراهيم يكشف “الخطأ” في فاجعة فاس ويعتبر دور وكالة التجديد الحضري “غير مفهوم”

وأشار في هذا الإطار إلى وجود أربعة أنماط رئيسية للتدخل، تشمل التجديد عبر الهدم الكلي أو الجزئي وإعادة البناء، والتدعيم من خلال تقوية العناصر البنيوية، ورد الاعتبار عبر الإصلاح والتجهيز، ثم الترميم، الذي وصفه بعمليات “دقيقة أشبه بالجراحة” تهدف إلى الحفاظ على الخصائص الأصلية للبناية وموادها وعناصرها المعمارية.

وشدد الخبير على أن أولوية جميع هذه التدخلات يجب أن تمنح للسكان القاطنين، من خلال إعادة إسكانهم مؤقتا في بنايات لائقة، وإرجاعهم بعد انتهاء الأشغال إلى مساكنهم الأصلية، أو إعادة توطينهم عند الاقتضاء في إطار ما يعرف بعملية التخفيض من الكثافة السكانية، تفاديا لتكرار مآسي إنسانية كتلك التي شهدتها مدينة فاس.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.