كشف إدريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، في حوار مع جريدة “العمق”، عن سبب اختيار موضوع “الهجرة” كشعار لدورة 2025 من مهرجان “كناوة”، وأسباب الشراكة التي جمعت المجلس بهذا المهرجان، والأهداف التي يطمحان إلى تحقيقها معا.
ونظم منتدى حقوق الإنسان، الجمعة، مائدة مستديرة بعنوان “الحركية البشرية والديناميات الثقافية” بمشاركة متدخلين من تخصصات مختلفة ومن بلدان أوربية وإفريقية متعددة منها فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا وساحل العاج.
وينظم المنتدى ضمن فعاليات الدورة السادسة والعشرين لمهرجان “كناوة” وبشراكة مع مجلس الجالية المغربية بالخارج (CCME)، ويسعى إلى مساءلة ما تنتجه الحركية البشرية من سرديات، وخيال سياسي، وتأثيرات في مختلف المجالات الثقافية والفنية.
وفيما يلي نص الحوار:
ما أهمية شعار “الهجرة وتمظهراتها الثقافية” الذي رفعه منتدى حقوق الإنسان في الدورة 26 لمهرجان “كناوة”؟
أعتقد أن مضمونَ هذا الشعار سيمكّننا من الخروج من التصوّر الضيق للهجرة الذي ينظر إليها باعتبارها إشكالية اقتصادية وأن دافعها اقتصادي بالدرجة الأولى وأنها تعود إلى ستينات القرن الماضي، بينما الهجرات المغربية قديمة تعود إلى القرن 19 كالهجرة الريفية إلى الجزائر.
والهجرات المغربية لها أسباب متعددة، منها الأسباب العسكرية. وفي هذا السياق تندرج موجة هجرة الجنود المغاربة خلال الحرب العالمية الأولى. وهناك أيضا هجرة الطلبة المغاربة إلى فرنسا في عشرينات القرن الماضي؛ فرغم عددهم القليل إلا أن تأثيرهم السياسي كان كبيرا. ودون أن ننسى كذلك هجرة الفنانين والرسامين… في نهاية الحرب العالمية الثانية.
عندما نتحدث عن الهجرة فإننا نتحدث عن ظاهرة متعددة الأسباب والأبعاد تشمل مختلف مناحي الحياة. ويعدّ البعد الثقافي من أبرز هذه الأبعاد. ولهذا فإن تسليط الضوء على التمظهرات أو التجليات الثقافية للهجرة يساهم في دفع تلك التصورات التي تُرجع كل الشرور والمآسي إليها، ويُبين أن الهجرة قد أسهمت في الإثراء المزدَوَج للمشهد الثقافي في البلدان التي تستقبل هجرات متنوعة وكذلك بالنسبة لبلدان الأصل. وهذا الثراء الثقافي يطال مجالات متعددة كالفن والأدب والموسيقى والقصة والرواية والسينما وغيرها.
وهذه التمظهرات الثقافية بأجناسها المختلفة من المؤشرات الرئيسية على حيوية المجتمع.
ومن ناحية أخرى فإن الهجرة قد أفرزت نوعا من الأجناس الثقافية ما كان لها لتبرز لولا حدوث هذه الظاهرة كـ”أدب المهجر” و”موسيقى المهجر” على سبيل المثال.
إن الحركيات البشرية يمكن أن تكون مصدرا للثراء الثقافي الفردي والجماعي. ومن الملاحظ أن الهجرة المغربية عبر العالم تساهم في هذا الثراء الثقافي للمجتمعات التي تستقر فيها ولمجتمعاتها الأصلية؛ وهو أمر يتجلى في بروز العديد من الكفاءات الثقافية من مغاربة العالم في مختلف الأجناس الثقافية المختلفة، كالموسيقى والفنون التشكيلية والأدب والمسرح والسينما. وبروز العديد من الروائيات والروائيين الذين يكتبون بالعربية والأمازيغية والفرنسية والإسبانية والكتالونية والفلمنكية والإنجليزية والإيطالية.
كما أن تسليط الضوء على التمظهرات الثقافية للهجرة يتمتع براهنية كبيرة؛ فإذا نظرنا إلى ما تعيشه، خاصة في السنوات الأخيرة، فإن العديد من بلدان الإقامة تعاني من تشنجات هوياتية وانقسامات مجتمعية، ويَبرزُ المدخل الثقافي باعتباره أداة رئيسية لتحقيق التماسك المجتمعي؛ لأن إبراز هذا الثراء الثقافي يكرّس مبدأ التعددية الثقافية ويكشف عن مساهمة مختلف الثقافات في تحقيق التنمية الثقافية في تلك البلدان، وهذا أمرٌ له انعكاسات إيجابية على العلاقة بين هذه الثقافات.
ما هي القضايا التي يرغب منتدى حقوق الإنسان أن يسلط الضوء عليها؟
هناك العديد من القضايا التي تتطلب تعاونا واشتغالا مشتركَين. ومنها على سبيل المثال ما تعرفه حركية الهجرات على المستوى العالمي من تحولات تتميز بالعُمق والسرعة، كتزايد الهجرة جنوب/جنوب وتأنيث الهجرة وبروز كفاءات ذات مستوى جامعي.
هذه التحولات وغيرها تحتاج إلى فهم عميق ودقيق؛ لأن أيَّ تقصير أو قصور في فهمها قد تكون له انعكاسات سلبية على مستوى التعامل مع هذه الحركية وعلى مستوى بناء السياسات العمومية.
وهناك قضايا أخرى مهمة لها علاقة بالجانب الثقافي، كالتمثلات الثقافية لحركية الهجرة، وكذا ضرورة فهم الميادين الثقافية والوسائل المختلفة التي من خلالها تتم عملية الإبداع. وفي هذا السياق تبرز مثلا أهمية البحث في العلاقة القائمة بين الإبداع ووسائل التواصل الاجتماعي.
ومن الموضوعات المهمة أيضا فهمُ كيفية تفاعل الجاليات المهاجرة مع الإشكالات التي تواجهها؛ كإشكال “الانتماء المزدوَج” مَثلا.
هذه القضايا وغيرها تحتاج إلى تظافر العديد من التخصصات والمواقع وأن يكون النقاش حُرّا ومتعددا، وذلك من أجل بناء فهم سليم لها وأقرب إلى الصواب. وهنا أهمية إشراك الباحثين والمفكرين والسياسيين والمبدعين.
ولهذا ستجدون أن الموائد المستديرية تضم أسماء من تخصصات ومواقع مختلفة، كالسياسي الفرنسيالمغربي كريم بوعمران عمدة سانأوينسورسين في إقليم السينساندوني، والروائي والمؤلف المسرحي الهولنديالمغربي عبد القادر بنعلي، والمؤرخين الفرنسيين باسكال بلونشار وإيفان غاستو… وغيرهم.
ما هي أهداف الشراكة بين مهرجان “كناوة” ومجلس الجالية المغربية بالخارج؟
وَضَعَ مهرجان كناوة وموسيقى العالم في قلْب مشروعه إعادة تأهيل تقليدٍ موسيقي شعبي كان هامشيًا في السابق، والذي جعل من التلاقي والحوار والمزج بين الموسيقى مبادئه الأساسية. وقد تُوّجت جهودٌ كثيرة في جعل منظمة اليونسكو تُدرج موسيقى كناوة ضمن لائحة التراث اللامادي للإنسانية.
وانطلاقاً من فلسفة العمل الإنسانية العميقة لهذا المهرجان، والتي تضع الانفتاح في قلب التنمية على المدى البعيد، فإن هدفنا هو المساهمة في وضع الثقافة في قلب التنمية، وخلق فضاء للنقاش التعددي والأخوي، فضاء مدني متجذر في الواقع المغربي لكنه منفتح على العالم.
فكما أن هذا اللون والمضمون الموسيقي قد استطاع الانتقال من وضع التهميش إلى وضع العالمية، فكذلك يمكن للهجرة أن تنتقل إلى وضع يُعلي من مساهماتها المتميزة في مجال التنمية الثقافية لبلدان الإقامة. ولعلّ موسيقى كناوة قادرة على وضع بصمتها الخاصة في هذه التنمية، وهو أمر قد تكون له آثار إيجابية على صورة الهجرة والمهاجر في تلك البلدان.
المصدر: العمق المغربي