اعتبر توفيق العوفير، رئيس جمعية “أندا لوز” للثقافة والتراث الأندلسي، إن الأندلس “ليست مجرد ذكرى، بل مشروع متجدد للحفاظ على روح التعدد والتسامح والعيش المشترك”، مشددًا على أن المطلوب اليوم “هو أن نحمل هذا المشعل الحضاري، ونوصله إلى الأجيال القادمة”.

وأضاف العوفير أن من الضروري “أن ندرس الأجيال القادمة تاريخ الأندلس لا كحكاية ألم، بل كدرس في الأمل، وأن نحيي فنونها، ونعتز بلغة أدبائها وشعرائها، ونعرف بمنجزاتها في المجالات المتعددة للعلوم والفكر، ونعيد للثقافة الأندلسية حضورها الحي في قلوب شبابنا”.

جاء ذلك في كلمة افتتاحية ألقاها العوفير، ضمن ندوة علمية وثقافية نظمتها جمعية أندا لوز تحت عنوان، “الحضارة الأندلسية: جذور وامتدادات”، بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، وذلك مساء اليوم الجمعة بالمكتبة الوطنية بالرباط.

وأكد العوفير في كلمته أن حضارة الأندلس نشأت في سياق من الفتح والتمكين، وسرعان ما تجاوزت حدود الجغرافيا والسياسة، لتصبح حضارة علم وفن وفكر وإنسان، قائمة على التعايش والتسامح. واستعرض الدور الكبير الذي لعبته مدن مثل قرطبة وغرناطة وإشبيلية، حيث سطر العلماء والفلاسفة والأدباء والشعراء والموسيقيون صفحات خالدة في تاريخ الإنسانية.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن نور الأندلس لم ينطفئ بسقوطها، بل عبر المتوسط واستقر في المغرب، حيث تم غرسه في أرض خصبة عززت العمق الثقافي والروحي والحضاري للمملكة، منبهًا إلى أن المغرب كان من أوائل الدول التي احتضنت اللاجئين الأندلسيين، وقدم نموذجًا فريدًا في التعايش الإنساني والحضاري.

وأبرز أن المغاربة لم يكونوا غرباء عن الأندلس، بل كانوا جزءا أصيلًا من نهضتها، ووقفوا إلى جانبها في لحظات محنتها، مذكّرًا بأن المملكة المغربية فتحت قلبها وذراعيها للأندلسيين الذين اضطروا للرحيل، ليشكلوا امتدادًا لمجدهم في أرض جديدة.

وأوضح أن الحضارة الأندلسية تفاعلت مع المحيط المغربي وتفرعت في مجالات متعددة، كالعلم، والفلاحة، والاقتصاد، والدبلوماسية، والطب، والفلك، والفيزياء، والهندسة، والموسيقى، والمسرح، والأزياء، والزخرفة، والمعمار، وغيرها من التخصصات التي لا تزال آثارها شاهدة في مدن مغربية كفاس وسلا والرباط وطنجة وتطوان.

كما نوّه بمجهودات بعض الباحثين، من ضمنهم الدكتور محمد بن عبود، في ترميم الدور الأندلسية العتيقة والحفاظ على هذا الموروث من الاندثار، مبرزًا الخصوصية الفنية والمعمارية المغربية التي تجسدت في القصور والمساجد والأسوار والحدائق وغيرها من المنشآت.

ونوه العوفير، بالرؤية الملكية التي يقودها  الملك محمد السادس، في صيانة الذاكرة الأندلسية دستوريا، ورعاية هذا الموروث الثقافي عبر العناية بالمدن العتيقة، وتشجيع البحث الأكاديمي ودعم الفرق الموسيقية الأندلسية وإحياء العلاقات الثقافية مع الشعوب التي تتقاسم معنا هذا التاريخ المجيد، مؤكدًا أن الثقافة ليست ترفًا، بل ركيزة لهوية الأمة وسلاح ناعم لمكانة المغرب في العالم.

وختم بالقول، “فلنكن أوفياء لذاك الإرث، أوفياء لمن حافظوا عليه، أوفياء لقيادة حكيمة تجعل من الثقافة جسرا نحو الغد”.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.