في الدفاع عن المقدّس من داخل الذات الثقافية

في زمن تتكاثر فيه الأصوات التي تهاجم المقدّس باسم الحرية، وتُمارس الاستفزاز باسم الحداثة، يبرز سؤال فلسفي ملحّ: هل ما زالت القداسة تُشكّل جزءًا من وعينا الجماعي؟ أم أننا نعيش تفككًا رمزيًا يجعل الإساءة تمرّ بلا أثر، والصمت يُصبح تواطؤًا ثقافيًا؟

ظهور ابتسام لشكر بقميص يحمل عبارة “God is lesbian”، ثم منشور هبة بوغوس الذي يهاجم النبي (ص) بلغة جارحة، لا يمكن قراءتهما إلا كجزء من مناخ رمزي يُعيد تشكيل العلاقة بين الفرد والمقدّس، بين الحرية والاحترام، وبين القانون والضمير. لكن الأخطر ليس الفعل ذاته، بل ردّ الفعل: غياب الغضب، تراجع الحساسية، وتحوّل الإساءة إلى حدث عابر.

الغضب الانتقائي: حين يُهان المقدّس من “الآخر”

حين يُساء إلى النبي (ص) في السويد أو فرنسا، يُستفز الشعور الجمعي، وتُرفع الشعارات، وتُستنهض الهوية. لكن حين تأتي الإساءة من الداخل، من فضاء يُفترض أنه مسلم، فإن الردّ غالبًا ما يكون باهتًا، أو مؤطرًا بمنطق “الحرية الفردية”. هذا التناقض يُعيد طرح سؤال جوهري: هل الغضب نابع من إيمان حي؟ أم من شعور بالتهديد الخارجي؟

القداسة كوعي لا كرمز

في الثقافة المغربية، الله ليس مجرد مفهوم ديني، بل هو حضور يومي: في الدعاء، في القسم، في الأمل، في اللغة. الإساءة إليه ليست رأيًا، بل تفكيكًا للهوية، وجرحًا للضمير العام. لذلك، فإن الدفاع عن المقدّس لا يجب أن يكون رد فعل ظرفي، بل موقف أخلاقي دائم، يُعيد وصل الإيمان بالسلوك، ويُحصّن الذات من التناقض.

القانون كحصن أخير

الفصل 2675 من القانون الجنائي المغربي يُجرّم الإساءة إلى الدين الإسلامي، ويُحدد عقوبات واضحة. لكن السؤال ليس فقط عن وجود القانون، بل عن تطبيقه. هل يُطبّق حين تكون الإساءة من ناشط معروف؟ هل يُفعل حين تُمارَس الإساءة باسم الفن أو التعبير؟ وهل الدولة مستعدة لحماية المقدّس دون أن تُتهم بالرقابة؟

الحرية والمسؤولية: تأويل فلسفي

طه عبد الرحمن يُذكّرنا بأن “الحرية لا تكون إلا في إطار المسؤولية الأخلاقية”، وأن “القول لا يكتسب شرعيته من مجرد النطق، بل من صدقه وأمانته”. من هذا المنظور، فإن الاستهزاء بالمقدّس ليس تعبيرًا حرًا، بل انحلالًا أخلاقيًا يُقوّض معنى الكلمة نفسها. الحرية التي تُمارَس بلا ضمير، تتحول إلى عنف رمزي.

نحو مناعة ثقافية

الدفاع عن المقدسات لا يكون فقط بالقانون، بل ببناء مناعة ثقافية تُعيد الاعتبار للقداسة، وتُحصّن المجتمع من التفكك الرمزي. هذه المناعة تبدأ من التربية، من الإعلام، من الخطاب العام، ومن قدرة المجتمع على مساءلة ذاته دون أن يسقط في التبرير أو التواطؤ.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.