أمد/ في الخامس من كانون أول الجاري، البيت الأبيض يُصدر وثيقة من 33 صفحة حول “استراتيجية الأمن القومي الأمريكي”. وتضمنت رؤية الرئيس “ترامب” لأولويات تلك الاستراتيجية التي جاءت كمحددات تمثلت. أولاً، العودة إلى “أمريكا أولاً” أو إلى “أمريكا در”، بمعنى التركيز على الداخل، لأن قرارات السياسة الخارجية تُبنى على ذلك. ومرد ذلك هو بلوغ حالة الانقسام الداخلي مستويات غير مسبوقة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وما ترتب على ذلك من انعكاسات خطيرة داخل المجتمع الأمريكي، معرضاً أمريكا كدولة إلى التلاشي. وقد ساهمت جملة من العناوين في تعميق الهوة بين الولايات الحمراء (جمهورية)، والولايات الزرقاء (الديمقراطية). ومن تلك العناوين، الصراع داخل اليمين بين جناح تقليدي يؤيد دعم الكيان الصهيوني، وجناح شعبوي يطالب بإعادة النظر في دعم الكيان لأنه يأتي على حساب المصالح الأمريكية. ومن ثم الإغلاق الحكومي المتكرر بسبب عدم توافق الحزبين حول الموازنة، في نقاط الإنفاق والرعاية الصحية والهجرة. ليأتي الفوز الغير متوقع ل “زهران الممداني” عمدة لمدينة نيويورك ليزيد من حدة الاستقطاب في الشارع الأمريكي. ناهينا عن السياسات التي يتبعها الرئيس “ترامب” والتي ساهمت في تأجيج هذا الانقسام.
أما ثانياً، بعد أن بدأت إدارة الرئيس “ترامب” تُدرك تزايد مخاطر النظم المناوئة لدول الجوار في أمريكا اللاتينية، الرافضة لسياسات الهيمنة والتسلط والغطرسة الأمريكية. ونموذجها فنزويلا التي تهددها الرئيس” ترامب” بعمل عسكري إذا رفض الرئيس “مادورو” التخلي عن السلطة. لذلك شددت الوثيقة على ضرورة الالتفات لأمريكا الشمالية والجنوبية القريبتان منها، وطرد كل من “الصين وروسيا وإيران”. وخطوة طرد تلك الدول وتحديداً “الصين وروسيا” تأتي في سياق جملة الأهداف التي تحدثت عنها استراتيجية الأمن القومي في مواجهة تلك القوى المنافسة للولايات المتحدة وتشكيل التحالفات ضدها. وذلك من خلال ما أسمته الاستراتيجية ب “إحياء وتطوير نظرية جيمس مونرو للعام 1823″، والتي قامت على ثلاثة مبادئ. الأول، عدم التدخل الأوربي في شؤون الأمريكيتين، والثاني، عدم التدخل الأمريكي في الصراعات الاوربية. والثالث حق الدفاع عن النفس في مواجهة أي محاولة اوربية لإعادة فرض السيطرة الاستعمارية في الأمريكيتين، ويعتبر ذلك تهديداً للأمن الأمريكي.
وثالثاً، مواجهة التهديدات المتمثلة في الهجرة الغير شرعية التي كانت أحد العناوين البارزة في البرنامج الانتخابي للرئيس “دونالد ترامب”. واتخذ جملة من الإجراءات على المعبر الحدودية للولايات المتحدة للحد من تلك الهجرة، وملاحقة المهاجرين الغير شرعيين بهدف ترحيلهم من حيث أتوا. علماً بأنه قد تم ترحيل حوالي 600 ألف شخص، وما يقرب من المليونين اختاروا الترحيل طواعية بعد أن قدمت لهم مغريات تمثلت بالطيران المجاني ومبلغ وألف دولار مصروف انتقال. وعلى نسق موازٍ، محاربة تهريب المخدرات، وهو ما سمح بتوسيع صلاحيات الجيش الأمريكي والوكالات الاستخبارية في استهداف شبكات التهريب، وتنفيذ غارات جوية تستهدف زوارق التهريب في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ. وتحت هذا العنوان الذريعة، يُحشّد “ترامب” قواته لشن حملة عسكرية ضد الجمهورية البوليفارية في فنزويلا ورئيسها “مادورو”.
