أمد/ واشنطن: في مقال رأي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال“، اعتبر وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن (20212025) أن قرار دول مثل فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا بالاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر هو “صائب من الناحية الأخلاقية ويعكس إجماعًا عالميًا”.
ومع ذلك، أشار إلى أن التوقيت قد لا يكون مناسباً في ظل الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة ونيّة إسرائيل احتلال القطاع، داعياً إلى إمكانية تأجيل هذا القرار.
أولويات ملحة قبل حل الدولتين
أوضح بلينكن أن التركيز على الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الوقت الحالي يتجاهل “الحقائق الأكثر إلحاحاً”، مثل تفادي المجاعة، وإطلاق سراح الرهائن، وإنهاء الصراع في غزة.
وذكر أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي سيؤدي إلى “زيادة معاناة الأبرياء الفلسطينيين، ويفتح الباب أمام تمرد طويل الأمد”.
ورأى بلينكن أن إسرائيل قد حققت هدفين من أهدافها المعلنة في غزة تدمير حماس كقوة عسكرية، وقتل قادة هجوم 7 أكتوبر لكنها فشلت في تحقيق الهدف الثالث، وهو تحرير الرهائن.
خطة الاعتراف المشروط كطريق للمضي قدمًا
واقترح بلينكن “مسارًا أفضل”، يتضمن خطة واضحة ومحددة زمنياً وشروطاً للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
مشيرا إلى أنه يجب أن يكون هذا الاعتراف مشروطاً بالتزام الفلسطينيين بضمان أمن إسرائيل، وتجنب تحالفات مع جماعات ترفض حق إسرائيل في الوجود، ووقف خطاب الكراهية.
وأكد أن الدول العربية الرئيسية مستعدة للمساعدة في إدارة غزة وإعادة إعمارها، لكنها لن تفعل ذلك إلا بوجود “مسار سياسي موثوق” يفضي إلى تمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم.
وربط بلينكن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل بوجود طريق موثوق نحو إقامة دولة فلسطينية.
مطالب من إسرائيل والفلسطينيين
طالب بلينكن إسرائيل بالتعامل بشكل عاجل مع الأزمة الإنسانية في غزة، ووضع خطة واضحة للانسحاب من القطاع، ووقف توسيع المستوطنات.
كما دعا إلى محاسبة المستوطنين المتطرفين ووقف هدم منازل الفلسطينيين، وإلى دعم إصلاح السلطة الفلسطينية بدلاً من تقويضها.
وختم بلينكن مقاله بالتأكيد على أنه لا يمكن للإسرائيليين أن يتجاهلوا حقوق الفلسطينيين الوطنية، ولا يمكن للفلسطينيين التمسك برؤية دولة تمتد “من النهر إلى البحر”.
ورأى أن تبني مسار للاعتراف المشروط بالدولة الفلسطينية سيضع الطرفين على “طريق التعايش السلمي والدائم والآمن”، وسيكون “أبلغ ردّ على أجندة حماس القائمة على الموت والدمار”.
المقال كاملا
يمكن تأجيل قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية
يعد قرار فرنسا والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا بالاعتراف بدولة فلسطينية في شهر سبتمبر صائبًا من الناحية الأخلاقية ويعكس إجماعًا عالميًا؛ إذ إن أكثر من 140 دولة تُقرّ بأن من حق الشعب الفلسطيني تقرير مصيره إلى جانب وجود إسرائيل آمنة.*
*ولكن في ظل الأزمة المستمرة في غزة، يبدو أن التركيز على مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية يتجاهل الحقائق الأكثر إلحاحًا، حيث تبرز أولويات أخرى مثل تفادي المجاعة، واستعادة الرهائن، وإنهاء الصراع في غزة، وسط معاناة المدنيين الفلسطينيين وأسرى الحرب الإسرائيليين، ومع إعلان إسرائيل نيتها احتلال كل القطاع أو جزء منه، وبالتالي فأن الحديث عن حل الدولتين، يمكن تأجيله.*
*قد يساهم الاعتراف بدولة فلسطينية في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة في تمهيد الطريق لانسحاب إسرائيل من غزة، ويُسرّع مسار تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وهو أمر يتطلع إليه كثير من الإسرائيليين*.
*لقد حققت إسرائيل منذ زمن هدفين من أهدافها الثلاثة المعلنة في غزة: تدمير حركة حماس كقوة عسكرية، وقتل قادة الهجوم الدموي في السابع من أكتوبر 2023، أما الهدف الثالث—وهو تحرير الرهائن—فمن غير المرجّح تحقيقه من خلال احتلال غزة بالكامل، كما أن إسرائيل فشلت في وضع خطة للانسحاب من القطاع وضمان عدم عودة حماس إلى السلطة، وقد واصلت الحركة تجنيد أعداد كبيرة من المقاتلين الجدد، كما ان استمرار الاحتلال الإسرائيلي سيؤدي إلى زيادة معاناة الأبرياء الفلسطينيين، ويفتح الباب أمام تمرد طويل الأمد يستنزف إسرائيل عسكريًا وأخلاقيًا.*
*ومن هنا تبرز أهمية خطة للاعتراف بفلسطين، فقد أدانت دول عربية رئيسية، وإنْ متأخرة، سلوك حماس، وطالبت بنزع سلاحها وإطلاق سراح الرهائن، كما أبدت هذه الدول استعدادها لإرسال قوات أمنية وتقديم مساعدات لدعم الفلسطينيين في إدارة غزة وتأمينها وإعادة إعمارها بعيدًا عن سيطرة حماس، لكنها لن تفعل ذلك إلا في حال وجود مسار سياسي موثوق يفضي إلى تمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم، فشعوب هذه الدول لن تقبل بأقل من ذلك، وهي مقتنعة بأن غياب هذا المسار سيمنح حماس شرعية سياسية مستمرة.*
*كما أن إنهاء الصراع في غزة وفتح طريق موثوق نحو إقامة دولة فلسطينية يعدان شرطًا ضروريًا لتطبيع السعودية علاقاتها مع إسرائيل، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الإسرائيليين قد يتوحّدون حول مثل هذا المسار، وهو ما قد يدفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى التخلي عن ائتلافه المتطرف لتحقيق ذلك الهدف، لكن الاعتراف غير المشروط بفلسطين لن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية ولن يُنهي المعاناة في غزة، فإذا لم يُلزم الفلسطينيون باتخاذ خطوات تضمن أمن إسرائيل مقابل الاعتراف، فإن ذلك سيقوّي دعاة الإرهاب في الجانب الفلسطيني، ويمنح الرافضين لفكرة الدولة الفلسطينية في إسرائيل ذريعة لمعارضتها.*
*ثمة مسار أفضل للمضي قدمًا: ينبغي على فرنسا والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا أن تتبنى، وعلى الولايات المتحدة أن تؤيد، خطة واضحة ذات إطار زمني وشروط محددة للاعتراف بالدولة الفلسطينية.*
*لا بد من نقاط بداية ونهاية، لأن أحدًا لن يقبل بمسار مفتوح بلا نهاية، ويحتاج الفلسطينيون إلى أفق سياسي واضح وقريب يُفضي إلى تقرير المصير.*
*ويجب أن يكون الاعتراف مشروطًا كذلك؛ فحق الفلسطينيين في تقرير المصير يجب أن يكون مقرونًا بالمسؤولية ولا يمكن توقّع أن تقبل إسرائيل بدولة فلسطينية تقودها حماس أو أي جماعة إرهابية، أو تكون مسلّحة أو تحتضن ميليشيات مستقلة، أو تتحالف مع إيران أو أطراف أخرى ترفض حق إسرائيل في الوجود، أو تُعلي من خطاب الكراهية ضد اليهود أو ضد إسرائيل، أو تتحوّل، إن لم تُصلح نفسها، إلى دولة فاشلة*.
*بالنسبة للإسرائيليين، فإن جهود السلام السابقة قوبلت بالرفض، والمقاومة العنيفة، وزيادة انعدام الأمن، فقد أدت قمة كامب ديفيد الفاشلة عام 2000 إلى اندلاع الانتفاضة الثانية، كما أن الانسحابات الأحادية من لبنان وغزة عززت موقف حزب الله وحماس، وإقناع الإسرائيليين بعكس ذلك بعد أحداث السابع من أكتوبر سيكون أمرًا بالغ الصعوبة.*
*لكن معالجة هذه الشروط خلال السنوات الثلاث المقبلة—وهو إطار زمني معقول—يمكن أن يُظهر لإسرائيل والعالم أن الدولة الفلسطينية المستقلة ستركّز على بناء مؤسساتها لا على تدمير إسرائيل.*
*ويُعدّ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الجهة الأنسب لتقييم مدى التزام الفلسطينيين بهذه الشروط، كما أن استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو) سيشكّل عنصر طمأنة للإسرائيليين*.
*سيتفاوض الفلسطينيون والإسرائيليون بشكل مباشر حول قضايا مثل الحدود، والترتيبات الأمنية، والقدس، وحق العودة، وقد يستغرق هذا المسار وقتًا، لكنه لن يمنع المضي قدمًا في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما قد يسرّع التوصل إلى حلول لتلك القضايا.*
*في غضون ذلك، يجب على إسرائيل أن تتعامل بشكل عاجل مع الأزمة الإنسانية في غزة، وأن تطبّق خطة واضحة للانسحاب من القطاع، كما يجب أن توقف توسيع المستوطنات، وشرعنة البؤر الاستيطانية، وهدم منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ويجب أن تُحاسب المستوطنين المتطرفين الذين يرتكبون أعمال عنف وترهيب بحق الفلسطينيين، وأن تلتزم بالترتيبات القائمة للأماكن المقدسة مثل الحرم الشريف (جبل الهيكل)، كما عليها أن تدعم إصلاح السلطة الفلسطينية بدلًا من تقويضها، لأن ذلك يمنح إسرائيل ذريعة للتنصل من المفاوضات بادعاء عدم وجود شريك*.
*إن الاستمرار على هذا المسار يعني أن إسرائيل تواجه خطر صراع دائم في غزة، وانقسامًا داخليًا خطيرًا، وتراجعًا في مكانتها الدولية.*
*يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين أن يقرروا شكل العلاقة بينهما في المستقبل، فلا يمكن للإسرائيليين أن يواصلوا العمل تحت وهم أن الفلسطينيين سيقبلون بأن يُعاملوا كشعب بلا حقوق وطنية، ولا يمكن للفلسطينيين أن يتمسكوا برؤية لدولة فلسطينية تمتد “من النهر إلى البحر”، فهناك سبعة ملايين يهودي إسرائيلي، ومليونان من عرب إسرائيل، ونحو خمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وغزة، جميعهم متجذرون في هذه الأرض نفسها، ولا أحد منهم سيختفي، مهما بلغ تطرف الطرفين.*
*لقد سعت حماس منذ عقود، إلى القضاء على فكرة حل الدولتين، وحاولت تدمير اتفاقيات أوسلو عام 1993 عبر الهجمات الانتحارية، وسعت إلى إحباط مبادرة السلام العربية عام 2002 عبر هجمات دامية خلال عيد الفصح، وأطلقت همجية السابع أكتوبر جزئيًا لتعطيل جهود إدارة بايدن لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وهي جهود كانت تتطلب قبول إسرائيل لمسار موثوق نحو قيام دولة فلسطينية.*
*ان تبنّي مسار للاعتراف بفلسطين يستند إلى جدول زمني واضح وشروط صارمة سيكون أبلغ ردّ على أجندة حماس القائمة على الموت والدمار بدلا من مكافأة الحركة، كما يرى بعض الإسرائيليين، كما أنه سيضع الإسرائيليين والفلسطينيين أخيرًا على طريق التعايش السلمي والدائم والآمن.*