04:09 م
الخميس 24 يوليه 2025
الإسكندرية محمد البدري ومحمد عامر:
لم تكن العودة إلى الدراسة بالنسبة لمحمد الحوفي قرارًا تقليديًا، بل استردادًا لحلمٍ قديم، حين توقفت حياته التعليمية عام 2002، ترك خلفه أمنيات معلّقة بين دفتي الكتب ومقاعد المدرسة، وبعد سنوات من الانقطاع عاد في سن الثانية والأربعين ليقول: ما فاتني بالأمس، أستحق أن أستعيده اليوم.
محمد الحوفي أكبر طالب يحصل على شهادة الثانوية العامة في الإسكندرية لسنة 2025 بمجموع 62% الشعبة العلمية علوم، تحدث عن تجربته قائلًا إنه كان يدرس في الدبلوم الفني السياحي بقسم المطبخ، وكان يطمح إلى الالتحاق بكلية السياحة والفنادق، إلا أن الظروف حالت دون تمكنه من خوض اختبار القبول، فتبدد حلمه، وبقيت القراءة هي ملاذه الوحيد، فكان يتردد على مكتبة الإسكندرية باستمرار.
ولم تكن محاولاته للعودة إلى التعليم سهلة، فقد سعى إلى الالتحاق بالجامعة المفتوحة، لكن مرة أخرى اعترض القدر طريقه، اكتشف لاحقًا إصابته بحساسية نادرة من اللحوم، وهي مفاجأة جعلته يدرك أن الله منعه من دخول مجال المطابخ لحكمة خفيّة، فكان ذلك التحوّل لحظة وعي جديدة في مسار حياته.
توالت الصدمات، وكانت الأصعب حين انفصلت عنه زوجته، مبررة قرارها بأنه لا يحمل مؤهلًا دراسيًا، مشيرا إلى أن ذلك لم يكن مجرد فراق، بل صوتًا داخليًا يحثّه على النهوض، فاتخذ من تلك الجملة حافزًا للعودة إلى طريق التعليم من جديد.
يستكمل “الحوفي حديثه” قائلا إنه بالصدفة شاهد فيديو لوزير التربية والتعليم يتحدث عن إمكانية التحاق من تجاوزوا الأربعين عامًا بالثانوية العامة بنظام المنازل، فكانت تلك اللحظة بداية فصل جديد من حياته.
من دون دروس خصوصية، اعتمد على الإنترنت و”يوتيوب” كمصدر تعليمي، يوازن بين عمله في محل أقمشة وبين مذاكرته في أوقات الفراغ.
ولم يكتفِ محمد بالدراسة، بل وجد في الشعر متنفسًا لما يشعر به، فكتب ديوانًا بعنوان “رسالة طائر سلام”، يجمع فيه تجربته ويبوح من خلاله بما مرّ به.
اليوم، وبعد حصوله على شهادة الثانوية العامة، يتطلع محمد إلى الالتحاق بكلية الحقوق، لا ليبحث عن وظيفة، بل ليؤكد أن الحلم لا يُقاس بالزمن، وأن العزيمة يمكنها أن تُعيد ترتيب المصير حين يُصاحبها الإيمان والصبر.