لا يمكن لأي عقل أن يستوعب حجم الجريمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال حين استهدفت مقهىً بسيطًا، معظم رواده من الشباب والصبايا الذين كانوا يبحثون فقط عن مكان يجتمعون فيه، يجدون فيه الإنترنت وبعض الخدمات. هؤلاء الشباب يعرفون بعضهم البعض منذ سنوات طويلة، وكانوا يجتمعون على الألفة والضحك، لا على الخوف والدم.
حتى بعد أن خرج جيش الاحتلال بادعاءاته الممجوجة بأنهم استهدفوا “مطلوبًا” على حد زعمهم يبقى ما حدث جريمة بشعة بكل المقاييس، لا تبرير لها ولا إنسانية فيها.
محمد، ابني، الذي لم يزر المقهى منذ أكثر من شهر، ساقه القدر ليكون هناك في تلك اللحظة. أصيب، وهو الآن يرقد في البيت يتلقى العلاج، بعد أن كان طاقة لا تهدأ. كان يستيقظ كل صباح ليساعد أمه وأختيه، يشعل النار، يحمل العجين إلى فرن الطين القريب من بيتنا، ويعود بالخبز. ثم ينطلق إلى عمله في مؤسسة “عايشة”، حيث يعمل مساعد منسق في مشروع يقدّم الدعم النفسي للأطفال.
بعد انتهاء عمله، كان يلتقي بأصدقائه الذين هم بالنسبة له أخوة. واليوم، أثبتوا ذلك بالفعل، فهم لا يفارقونه منذ لحظة إصابته، يتقاسمون وقتهم لمرافقته في المنزل نهارًا، ثم يذهبون لزيارة صديقهم الآخر بشار، الذي أصيب في نفس المجزرة.
محمد، صاحب السلسلة التي تحمل خريطة فلسطين، وعلى ظهرها مقولة محمود درويش: “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، قال لي بعد إصابته:
“ذهبت إلى نصيبي… ولا أحد يعرف ما كُتب له.”
محمد وبشار، عضوان في فرقة الفرسان للفنون الشعبية، تمامًا كأقرانهم، لا يطلبون الكثير… فقط حياة تليق بأحلامهم، لا أن يُدفنوا تحت أنقاض مقهى، أو يُحاصروا في ذكريات الوجع.
على هذه الأرض ما يستحق الحياة.