وعلى الرغم من أن لقاء النائب الأول مع رؤساء التحرير، الذي عُقِد في منزله الخاص، لم يكن الأول من نوعه، فإنه كان مختلفاً هذه المرة، إذ جاء بعد نحو عام ونصف العام من توليه حقيبة الداخلية ورئاسته للجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية، ففتح قلبه وملفاته، مقدماً ما يشبه «كشف حساب» عما تم خلال الفترة الماضية، بصراحته المعهودة.
ومن باب الأمانة نقول، إن ما دار في اللقاء من حديث صريح لم يكن متفقاً على نشره، لكن الشفافية التي اتسم بها اللقاء، فرضت علينا من باب المسؤولية تجاه القارئ وحقه في معرفة الحقائق، وبالاتفاق مع النائب الأول، أن نكشف بعض ما جاء فيه، خصوصاً أن اللقاء أزال الكثير من الغموض، حول بعض الملفات الشائكة، ووضع النقاط على الكثير من الحروف.
الوزير الذي لا يعرف النوم إلا ساعتين في اليوم، كما أكد لنا ذلك، فتح قلبه، وتحدث كرجل دولة، ورد على كل الأسئلة دون التفاف، وتحدث بلغة الواثق قائلاً: «في الكويت لا يُظلم أحد… وكل شيء وفقاً للقانون وبمسطرة واحدة على الجميع».
ولم يتردد في الإشارة إلى أن الدولة أمام إرث ثقيل من التحديات، نتاج 40 عاماً من الأخطاء والممارسات، بسبب بعض أعضاء مجلس الأمة وتراخي بعض الوزراء في الحكومات السابقة، فنحتاج وقتاً للإصلاح، فلا تستعجلوا، لأن «ما تخرب في أربعة عقود لا يمكن إصلاحه في عام أو عامين».
المخفر كان ببابين الأول لدخول المتهمين والآخر خلفي لخروجهم وتم إغلاقه… وزمن التلاعب انتهى
سحب «المادة الثامنة» وفق القانون
وقال النائب الأول إن قرار سحب الجنسية من المادة الثامنة، جاء وفقاً للقانون، موضحاً أنه استعان بسبعة خبراء دستوريين، واتفقوا جميعاً على أن الجنسية لا تُمنح إلا بمرسوم، ووقعوا على أن السحب يبدأ ممن حصلن عليها عام 1987، حيث تم منح الجنسية بقرار لا بمرسوم.
وأوضح أن حالات التلاعب عبر هذا الباب كانت كبيرة جداً، فزواج صوري يحدث بعده طلاق سريع بعد نيل الجنسية مباشرة.
وأشار اليوسف إلى أن أغلب حالات التلاعب ارتبطت ببعض أعضاء مجلس الأمة ومصالح انتخابية، مستدركاً: «مَن سُحبت جنسياتهن وفق المادة الثامنة حصلن على حقوقهن، باستثناء حالات قليلة، تبين وجود تلاعب في حصولهن على الجنسية، وأقصد بالتلاعب هنا مخالفات جسيمة».
وذكر أن قرارات السحب شملت كذلك حالات سابقة لعام 1987، حيث تبين أن صاحباتها يعشن خارج الكويت.
ولأنه ليس مَنْ زوّر كمَن خدم ولا مَن قدّم كمَن نهب، ولا مَن دخل الوطن من الباب كمَن تسلل إليه من الشباك، تحدث وزير الداخلية عن الحقوق والمزايا الممنوحة لمَن سُحبت منهم الجنسية وفقاً لبند الأعمال الجليلة، مؤكداً في الوقت نفسه أننا «لن نسحب الجنسية من شهداء الأعمال الجليلة»، أما بالنسبة للمقيمين بصوررة غير قانونية، فحذّرهم من عدم تعديل أوضاعهم قبل صدور القانون الخاص بهم، الذي سيضعهم بين لاجئ ونازح.
«التظلمات» ليست صورية… إنها لجنة حيادية
وأكد اليوسف أن لجنة التظلمات ليست صورية كما يروج البعض، بل تعمل بحيادية كاملة، وتضم شخصيات مشهوداً لهم بالكفاءة والنزاهة، وتقوم بعملها على الوجه الأكمل بالتدقيق على كل الملفات.
وفي جانب آخر من حديثه، أشار اليوسف إلى أن الكويت مرت بفترة لم يكن القانون فيها مطبقاً كما يجب، وكان المخفر يعرف بوجود بابين، أحدهما لدخول المتهمين، والآخر خلفي يخرجون منه بعيداً عن عين العدالة، مضيفاً: «أما اليوم فقد أُغلق هذا الباب نهائياً، وأصبح الدخول إلى المخفر يعني الخضوع للإجراءات القانونية كاملة، ولا يخرج متهماً، إلا بالطرق الشرعية، والقانون بمسطرة واحدة على الجميع… فزمن التلاعب انتهى».
2005 عام التجنيس.. ولا تسألوني ليش!
بينما أكد الشيخ فهد اليوسف أن معظم التجاوزات والعبث في ملف الجنسية حدثت بعد الغزو، أشار إلى أن عام 2005 شهد النسبة الأكبر من التجنيس، إذ بلغت 40 في المئة من إجمالي ما تم تجنيسهم جميعاً، مستدركاً بالقول: «لا تسألوني ليش 2005، فأنا جلست أحلل ليش 2005 ولم أعرف السبب».
300 ألف إذن مغادرة
ولا مشاكل إلا في 30 حالة دافع الوزير اليوسف بقوة عن شرط الحصول على إذن المغادرة للمقيمين العاملين في القطاع الخاص عند سفرهم، مشدداً على أن الإجراءات بسيطة وسهلة، والهدف منها ضبط الأمن وضمان الحقوق للعامل والكفيل والدولة معاً.
وذكر أنه تم استخراج نحو 300 ألف إذن مغادرة، ولم تسجل أي إشكالات تذكر، إلا في 30 حالة فقط، وتم التعامل معها.
قانون الجنسية قريباً واليوسف مستعجل عليه
أكد اليوسف أن وزارة الداخلية تعمل حالياً عبر فريق مختص على إعداد قانون جديد للجنسية الكويتية، مشيراً إلى أنه سيرفع إلى اللجنة القانونية في مجلس الوزراء، ليأخذ مساره القانوني بعد ذلك، لعرضه على مجلس الوزراء في أقرب وقت.
وبينما فضل اليوسف عدم الخوض في تفاصيل القانون الجديد، قبل اكتماله، قال: «أنا شخصياً مستعجل عليه جداً، وأتمنى أن يرى النور في أقرب وقت».
«المادة الثامنة» بطاقة زرقاء وكفيلة نفسها
كشف اليوسف أن مَن سحبت منهن الجنسية وفقاً للمادة الثامنة سيمنحن بطاقة مدنية زرقاء، وسيكن كفيلات أنفسهن، وتجدد البطاقة كل 5 سنوات، ولهن كل امتيازات الكويتية باستثناء الجواز.
الكويت تعود إلى طبيعتها دولة منفتحة على العالم
إن في القرارات التي اتخذها الشيخ فهد اليوسف بفتح الزيارات بمختلف أنواعها رسالة سياسية واجتماعية واقتصادية مفادها عودة الكويت إلى طبيعتها كدولة منفتحة على العالم، تفتح أبوابها للجميع، ولعل ما زاد من جرعة تفاؤلنا، ما أعلنه وزير الإعلام خلال اللقاء، بعد إشادته بقرار اليوسف، بأن الوزارة ستطلق حملة كبيرة لزيارة الكويت منتصف سبتمبر، وستطلق منصة «visit Kuwait» لاستقطاب السياح، وبداخلها «كويت فيزا» لإصدار التأشيرات بأنواعها المختلفة.
أرقام فلكية
تحت عنوان عريض يمكن اختزاله في عبارة «وما خفي أعظم»، تحدث الشيخ فهد اليوسف عن ملف تزوير الجناسي، كاشفاً أن بعض الحالات وصلت أعداد أبنائها إلى 50 و60، بل وحتى إلى 70 ابناً، متسائلاً باستغراب: «هل يُعقل هذا؟».
ليس هناك بلد في العالم به مزورون مثل الكويت
أكد اليوسف أنهم يعملون في النور ولا يعملون في الخفاء، فليس هناك بلد في العالم به مزورون مثل الكويت، ولم يكن هناك بلد في العالم فيه تلاعب بملف الجنسية مثل الكويت، لافتا إلى أن وزير العدل أوضح ذلك صراحة أمام الأمم المتحدة، عند استعراض ملف الكويت عن حقوق الإنسان.
وقال إن الحكومة حريصة على توضيح الحقوق التي يحصل عليها مَن سُحبت جناسيهم أمام اللجان الدولية.
40 % من مجنسي «الجليلة» في 2005
استعرض النائب الأول الكثير من الحقوق، التي ما زال يتمتع بها مَن سُحبت جناسيهم، وفقاً للمادة الخامسة الخاصة بـ «الأعمال الجليلة»، مشيراً إلى أن أبناءهم في المدارس يواصلون دراستهم على نفقة الدولة، فمَن هو في الابتدائية يستكمل دراسته حتى الثانوية، ومَن هو في الجامعة يتابع تعليمه، وحتى مَن منهم في بعثة دراسية سيكمل بعثته دون توقف.
وكشف اليوسف أن عام 2005 شهد تجنيس 700 شخص على بند الأعمال الجليلة، بما نسبته 40 في المئة من إجمالي المجنسين وفق هذا البند، متسائلاً: ما المعيار لتجنيس الأعمال الجليلة؟، مجيباً: «لا يوجد معيار لتجنيسهم».
قانون المقيمين بصورة غير قانونية يرى النور قريباً
كشف اليوسف أن الحكومة تعكف حالياً على إعداد قانون جديد لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، وهو الآن في مراحله النهائية، ويضمن هذا القانون للمقيم بصورة غير قانونية التواجد في الكويت مع أبنائه بطريقة قانونية.
وأوضح أن عدداً من الدول أبدت استعدادها لمنح جنسيتها للمقيمين بصورة غير قانونية، لكن «أنا مو مستعجل، قاعد أشوف أفضل الخيارات، حتى لا نظلم هذه الفئة».
وحذر اليوسف أن «من لن يبادر منهم بتصحيح وضعه، خلال الفترة التي سيحددها قانون المقيمين بصورة غير قانونية سيجد نفسه في خانة لاجئ أو نازح».
وبين أنه حتى الآن هناك 425 حالة من المقيمين بصورة غير قانونية عدلوا أوضاعهم، وكشفوا جنسياتهم، وتمتعوا على ضوء ذلك بامتيازات واسعة… يعني باختصار «طلع جنسيتك وعيش».
وعن جوازات السفر التي كانت تصرف لتلك الفئة، ذكر أن عددها بلغ 65 ألفاً للسياحة، مؤكداً في الوقت نفسه أنه لم يتم وقف جوازات الدراسة أو العلاج.
الوزير الذي لا ينام
عند سؤاله عن كيفية التوفيق بين متطلبات عمله بصفته النائب الأول ووزيراً للداخلية ومسؤولاً عن العديد من الجهات، وحقه في أخذ قسط من الراحة، قال اليوسف «لا أنام في اليوم إلا ساعتين، من كثرة العمل، ومن أجل الكويت التي تستحق منا الكثير».
إن ما ذكره اليوسف لم يكن مفاجئاً بالنسبة لنا، بل هو انعكاس حقيقي لوزير يحمل العديد من الملفات ويعيش تفاصيلها المعقدة، ويشرف بنفسه على حملات الوزارة ليلاً ونهاراً، متنقلاً بين اجتماعات ميدانية ولقاءات رسمية، ومتابعة دقيقة لسير العمل داخل وزارة تمثل خط الدفاع الأول عن استقرار الوطن، وعليه نقول له: «يعطيك العافية».
المخدرات… معركة مفتوحة في الكويت
أكد اليوسف أن المخدرات تمثل مشكلة كبيرة في الكويت، وحجم انتشارها يفوق ما يمكن تخيله، مشيراً إلى أن الدولة تخوض حرباً حقيقية لإغلاق منابعها وتجفيف مصادرها.
وعن التهريب من البحر، ذكر أن الوزارة نجحت في القضاء عليه إلى حد كبير، عبر منظومة حديثة تعتمد على طائرات «درون» بدون طيار، مما جعل عمليات التهريب عبر البحر شبه منعدمة، إذ «لا نلقي القبض على مهربين عبر البحر إلا ربما مرة كل 3 أشهر أو أكثر».
وأوضح أن الأجهزة الأمنية تضبط يومياً تجار مخدرات، «لكننا لا نعلن إلا عن القضايا ذات الكميات الكبيرة»، لافتاً إلى أن مواجهة هذه الآفة لا تقف عند حدود الضبطيات، بل تتطلب تضافر الجهود، وتستدعي معالجات موازية عبر انشاء مصحات علاجية، «وهو ما نعمل عليه الآن».
وكشف عن تخصيص مقرين لهذا الغرض، أحدهما تم الحصول عليه من هيئة الشباب في منطقة الصليبية والآخر يجري تحديد مكانه ويتوقع أن يكون في إحدى المناطق الزراعية «العبدلي أو الوفرة» وسيكون على مساحة كبيرة، وعلى أرقى المعايير الدولية المعتمدة في إعادة تأهيل المدمنين.
المصدر: جريدة الجريدة